سارة إبراهيم- DW- عربية-
لا تزال أكثر القضايا إثارة في الصحف العالمية والعربية هي اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، واحتمال تورط السعودية بقتله. لكن ما هو دور تركيا في القضية، وكيف ستؤثر على صورة الرئيس أردوغان في كل العالم وفي العالم العربي؟
منذ اللحظة التي تم الإعلان فيها عن اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، لم تتوقف وسائل الإعلام عن بث تقارير إخبارية صادمة بشكل متزايد. نُسبت تلك التقارير إلى مسؤولين أتراك غير معروفين، ووسائل إعلام تركية حول كيفية تصفية المنتقد للنظام السعودي. لكن كيف يرى العالم تركيا الآن وما مدى استفادتها من قضية خاشقجي.
نذير سوء
بحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية الإخبارية، ففي الوقت الحالي، يقال إن وكالات الاستخبارات الأمريكية مقتنعة بأن، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو المسؤول في النهاية عن مقتل خاشقجي. لكن من خلال مسؤوليها وصحافتها الموالية، لم تُدل تركيا بالكثير من المعلومات بشكل قد ينذر بالسوء. فربما تتسرب في أي لحظة المزيد من الدلائل الأكثر فظاعة على عملية القتل المفترضة وإمكانية مشاركة السعودية فيها، بحسب الصحيفة.
وبالنظر إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان، والذي حصل على ولاء الأجهزة الأمنية – بفصل أو سجن أي شخص يشتبه في عدم ولائه - ووسائل الإعلام- عن طريق إغلاق الصحف المستقلة وسجن الصحفيين الناقدين- ، فيبدو أنه يشرف شخصياً على رد تركيا على قضية خاشقجي، كما أوردت خبيرة الشئون الدولية فريدا غيتس، في مقالها بالموقع الأمريكي.
تركيا المستفيد الأول
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل يستفيد أردوغان من قضية خاشقجي بنفس درجة انهيار صورة محمد بن سلمان؟ يجيب على هذا التساؤل المؤرخ والمحلل السياسي، الدكتور عادل لطيفي في فرنسا. يقول لطيفي في حوار خاص لـ DW عربية:" أعتقد بأن تركيا ربما ستكون هي المستفيد الأول، وربما ذلك ما يفسر حماسة السلطات التركية منذ البداية في اتهام السعودية بعملية الاختفاء، وكذلك تجنيد وسائل الإعلام التركية المقربة لأردوغان للتنديد بهذه العملية. فضلاً عن العديد من التظاهرات التي شهدها الشارع التركي."
ويضيف قائلاً:" بطبيعة الحال ستستفيد تركيا أولا لأنه سيزيد الضغط على السلطات السعودية، وهو ما يحدث الآن بالفعل. وفي هذا الإطار ربما سيكون المحور التركي القطري هو المنتصر على المحور السعودي. بالنسبة للطرف السعودي أعتقد أنه خسر على طول الخط. فلو صحت عملية القتل، فستعتبر عملية إرهابية وكذلك هي تشوية للوجود الدبلوماسي السعودي في العالم كله. فبذلك تعتبر السفارات السعودية غير آمنة سواء للسعوديين أو غير السعودية. أعتقد أن السلطات السعودية، بغض النظر عن ما حدث، لم تحسن إدارة هذه الأزمة".
وبسؤاله عن تأثير قضية خاشقجي على سمعة أردوغان وسياساته، بما في ذلك الاتجاهات السياسية التي تتعاطف معه مثل الإخوان، أكد لطيفي أنه بحسب ما لاحظه في الشارع التونسي وبعض الصحف المغربية والمصرية وغيرها، وجد أنه بالرغم من أن خاشقجي محسوب على الإخوان، إلا أن الرأي العام لم يستسغ حدوث تلك العملية بهذا الشكل وأن يختفي شخص في سفارته وما تبع ذلك من انتشار الأخبار عن مقتله هناك. وأردف قائلاً:" بالنسبة لأردوغان، فله في العالم العربي حٌظوة خاصة لدى التيارات الإخوانية ومن المتعاطفين مع المسلمين. لكن لم يعد يحظى برصيد كبير في الشارع العربي، خاصة بين الديموقراطيين واليساريين والشارع المتأثر بالقومية العربية."
هدف اردوغان
وفي هذا السياق، تتساءل فريدا غيتس في مقالها السابق ذكره، عن الهدف الذي يأمل اردوغان تحقيقه من تلك القضية. وترى غيتس أن المسألة الأكثر إلحاحاً الآن هي اقتصاد تركيا. فقد خسرت الليرة التركية أربعين بالمائة من قيمتها، وارتفعت معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً، إضافة إلى ضرورة سداد ديونها الهائلة في وقت قصير. وفي مقابل تخفيف حدة النقد والتعامل بحل دبلوماسي لأزمة خاشقجي، قد تشعر السعودية بضرورة السعي إلى زيادة استثماراتها في تركيا، وربما تساعد في إعادة سداد الديون، بحسب ما أوردت في مقالها بصحيفة بوليتيكو الأمريكية.
ردود فعل متباينة
وقد تباينت الآراء بين مختلف الصحف العربية بنسختيها الورقية والإلكترونية بشأن قضية اختفاء الصحفي السعودي المعارض، إذ تحدث عدد من المحللين عن التبعات السياسية والاقتصادية التي قد تتحملها المملكة العربية السعودية.
ففي افتتاحيتها أكدت صحيفة الأخبار اللبنانية تحت عنوان "صفقة جريمة القنصلية: رحلة البحث عن كبش فداء" أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "يسعى لقطع كل الخيوط التي تصل إليه، تمهيداً لصياغة رواية تحدد "كبش الفداء"، بمباركة أمريكية. لكن الصفقة إن تمت، فلا بد أن تكون بموافقة تركية أيضاً، على أن تحفظ سر الملف، إلى حين".
أما في صحيفة رأي اليوم اللندنية، كتب رئيس تحريرها، عبد الباري عطوان، أن أحد تبعات هذه القضية قد يتمثل في فقدان بن سلمان منصبه كولي للعهد، مضيفاً أن "عملية البحث عن ولي عهد جديد في بعض الأوساط السعودية بدأت بالفعل، وبدأت تجد تشجيعاً من بعض الحكومات الغربية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لضرب أكثر من عصفور بحجر، وإيجاد مخارج للأزمات المعقدة في المنطقة."
مقالتي:3 جبهات تتوحد لإبقاء جريمة اغتيال الخاشقجي حية تستعصي على الموت..وماذا يعني تصاعد الأصوات الامريكية النافذة للإطاحة بالأمير بن سلمان باعتباره المسؤول الاول..وهل تتقدم حقوق الانسان على الصفقات؟وما أوجه الشبه بين اغتيال خاشقجي والسادات من حيث النتائج؟https://t.co/prwx1m0bIm
— عبد الباري عطوان (@abdelbariatwan) October 17, 2018
وتسائل في فيديو نشر له على يوتيوب عن فرضية إطاحة "الواشنطن بوست" بالأمير محمد بن سلمان مثلما أطاحت بنيكسون؟ ومن المرشح لخلافته؟ وكيف نجح دهاء اردوغان باستمرار الإثارة؟
عطوان على اليوتيوب: هل تطيح "الواشنطن بوست" بالامير محمد بن سلمان مثلما أطاحت بنيكسون؟ ومن المرشح لخلافته؟ وكيف نجح دهاء اردوغان باستمرار الاثارة؟https://t.co/nOoOEfIGoL pic.twitter.com/BwHTZTj4Oo
— عبد الباري عطوان (@abdelbariatwan) October 19, 2018
وفي المقابل، لا تزال صحف سعودية ترى أن ما يجري مجرد مؤامرة و"حملة شعواء" على المملكة. إذ أكد د.علي القرني في مقال له بعنوان الإعلام وقضية القنصلية. بموقع صحيفة الجزيرة السعودية أن الرياض "تتعرض لحملة مستعرة لم تشهدها المملكة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001".
كما انتقد خالد السليمان في صحيفة عكاظ السعودية، تعامل وسائل الإعلام مع القضية، حيث يقول "ماتت المهنية الإعلامية الغربية منذ سنوات عديدة، منذ أن أصبح الإعلام مسخراً لخدمة الأهداف السياسية."
وبحسب صحيفة الاندبيندت البريطانية، يتوقع المحللون أن المحادثات بين كل من السعودية وتركيا وأمريكا، هي محاولة ممكنة لإعادة تشكيل العلاقة وفق شروط تركيا. تعليقاً على ذلك، أكد بهلول أوزكان، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة مرمرة في إسطنبول: "لا يمكن لأحد أن يخمن نوع المفاوضات الجارية بين المملكة العربية السعودية وتركيا والولايات المتحدة". "لا أحد سيدمر العلاقات بسبب خاشقجي. ما يحاول الأتراك فعله هو تشكيل هذه العلاقة على أساس مصالحهم الخاصة."، طبقاً لما صرح به للإندبيندنت.
تنافس سعودي تركي
أما عن تأثير تلك القضية الشائكة على المساعي التركية والسعودية لقيادة العالم الإسلامي، فيرى الدكتور لطيفي أنه لا يعتقد بوجود تأثير بدرجة كبيرة. فصحيح أنه هناك منافسة تركية سعودية وهي ليست بجديدة، فمنذ بداية الدولة العثمانية كان هناك شرعية لمكة والمدينة وآل البيت مقابل شرعية الدولة العثمانية، إلا أن مسألة المنافسة بين الدولتين مرتبطة أساساً بعلاقة بعض البلدان الإسلامية بواشنطن.
وتابع :"العديد من الدول الإسلامية تنتظر موقف واشنطن من هذه القضية. وربما ستربح تركيا هذه المعركة القانونية، إذا طلبت مساعدة الأمم المتحدة وطالبت بوجود فريق تحقيق دولي للمشاركة في قضية خاشقجي." وإذا تم ذلك ستكون تركيا بمأمن من احتمالية فرض أنها تدفع باتجاه تجريم السعودية. وفي حالة وجود تحكيم دولي تابع للأمم المتحدة سيكون ذلك ورقة مهمة لتركيا. أما إذا انفردت تركيا بالتحقيق، فلن يكون ذلك من صالحها إذ أنها لا تتمتع الآن بمصداقية بين الرأي العام الدولي على الأقل، طبقاً لما صرح به في حواره لـ DW عربية.