الخليج أونلاين-
تمر السعودية بأزمة عاصفة مع المجتمع الدولي هي الأكبر منذ هجمات 11 سبتمبر، بعد أن اختفى الصحفي جمال خاشقجي عقب دخوله قنصليتها في إسطنبول بالثاني من أكتوبر الجاري.
ويشدد مسؤولون أمريكيون على أن السلطات السعودية لن تنجو من العقوبات، إذا ما ثبت ضلوعها في اغتيال خاشقجي، في وقت يضيق الخناق عليها، خصوصاً بعد نشر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن لدى جهاز الاستخبارات في الولايات المتحدة "CIA" أدلة بقرائن تؤكد تورط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قتل خاشقجي.
ونقلت شبكة "CNN" عن مصدر مطلع، أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، هدد بن سلمان خلال لقائهما، الثلاثاء الماضي، بقوله: "إذا لم تحاسب السعودية المسؤولين عن إخفاء خاشقجي، فسيتعين على الولايات المتحدة القيام بذلك؛ لأن العالم سيطالب بذلك، والرئيس الأمريكي سيكون مضطراً إلى التحرك بسبب الضغط العالمي".
- خطوات نحو العقوبات
صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية ذكرت يوم 16 أكتوبر الجاري، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس فرض عقوبات على السعودية بسبب القضية نفسها.
كما فعَّل أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي قانون "غلوبال ماغنيتسكي" المتعلق بالمحاسبة في مجال حقوق الإنسان، ويلزم الرئيس بتحديد ما إذا كان شخص أجنبي مسؤولاً عن انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ويُستخدم لفرض حظر على منح تأشيرات السفر ، وتجميد الأصول المالية في أمريكا.
وأطاحت التهديدات الأمريكية بسوق الأسهم السعودي، منذ الأحد الماضي، حيث هبط بأكثر من 10% بقيمة تجاوزت 33 مليار دولار.
وبالتزامن مع ذلك، شهد مؤتمر الاستثمار السعودي، الذي حشدت له الرياض بقوة خلال الأشهر الماضية؛ لجلب استثمارات إلى سوقها، انسحابات بالجملة من كبار الوزراء والسياسيين والشركات العالمية، ما اعتبر انتكاسة لجهودها، خاصة أن رأس المال الأجنبي عامل أساسي في رؤية السعودية 2030، لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.
- تهديدات في الهواء
واستشعاراً منها بالخطر القادم، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسؤول قوله: إن بلاده "لن تخضع لأي تهديدات أو محاولات للنيل منها، سواء من خلال التلويح بفرض عقوبات اقتصادية أو استخدام الضغوط السياسية أو ترديد الاتهامات الزائفة".
وهدد المصدر بأن "الرياض ستردُّ على أي إجراء ضدها بإجراء أكبر، وأن لاقتصاد المملكة دوراً مؤثراً وحيوياً في الاقتصاد العالمي، ولا يتأثر إلا بتأثر الاقتصاد العالمي".
لكن محللين وخبراء، تحدثوا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قللوا من إمكانية أن تؤثر تحذيرات المملكة على الولايات المتحدة، فرغم أنه بإمكانها ممارسة نفوذ هائل على أسعار النفط، فإنها لم تعد القوة العظمى في مجال الطاقة، خاصة أن واشنطن باتت، منذ أكثر من عقد، أقل اعتماداً على الرياض وغيرها من أعضاء منظمة أوبك في الحصول على النفط، عندما بدأ الحفر في حقول السجيل بولايتي تكساس ونورث داكوتا.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنَّ قطع النفط السعودي، الذي يمثل أقل من 5% من حاجة الولايات المتحدة، من شأنه الإضرار بشركة "أرامكو" وخفض إيرادات الحكومة السعودية؛ حيث إن الولايات المتحدة يمكن أن تعوض تلك الإمدادات بنفط من بلدان أخرى أو من حقولها الخاصة.
أما إذا ما قررت الرياض وقف استيراد السلاح من واشنطن، فقد استخفَّ الكثيرون بمثل هذا الإجراء، فوفق خبراء لا تستطيع المملكة التحول بسهولة إلى دول أخرى لشراء الأسلحة، وقد عبر عن ذلك المدير التنفيذي لجمعية مراقبة الأسلحة في واشنطن، داريل ج. كيمبال، بالقول: "إنهم يعتمدون علينا أكثر من اعتمادنا عليهم".
- باب جهنم
وإذا ما حصل وتحركت أمريكا ضد السعودية لفرض عقوبات عليها، فستكون المملكة كمن فتح "باب جهنم" باغتيالها خاشقجي، خاصة إذا ما استهدفت "العقوبات" تجميد أصولها بالولايات المتحدة، في وقت يسعى ولي العهد السعودي لإنجاح خطته "2030" القائمة على الاستثمار وتنويع الاقتصاد بعيداً عن سوق النفط.
واضطرت الحكومة السعودية، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى اللجوء إلى احتياطاتها المستثمَرة بالخارج، في أعقاب تراجع أسعار النفط، لسد عجز موازناتها السنوية، في وقت يبلغ عجز الميزانية 34 مليار دولار، بحسب ما أعلنته وزارة المالية في سبتمبر الماضي.
وقدَّرت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، في يوليو الماضي، قيمة استثمارات مؤسسة النقد السعودي في الولايات المتحدة بنحو 506 مليارات دولار، وجزء كبير منها في سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية.
أما صندوق الاستثمارات العامة والمرتبط بمحمد بن سلمان، فيملك استثمارات تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار، خاصة في قطاع التكنولوجيا كشركات "أوبر" و"تيسلا"، و"لوسيد موتورز"، و"سوفت بنك"، التي تراجعت أسهمها 7% بعد فضيحة قضية خاشقجي.