فورين بوليسي- ترجمة زياد محمد -
بعد أسابيع من إنكار وجود أي معرفة بمكان "جمال خاشقجي"، قامت حكومة السعودية بتغيير موقفها تماماً فجر اليوم السبت، معلنة من خلال وسائل الإعلام التي تديرها الدولة أن الصحفي السعودي قد مات وألقت باللائمة في وفاته على "شجار" عرضي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وقال البيان ان 18 سعوديا لم تقم بتحديدهم اعتقلوا نتيجة لذلك.
تم إقالة خمسة مسؤولين كبار آخرين، من بينهم "سعود القحطاني"، مستشار الديوان الملكي المقرب من ولي العهد "محمد بن سلمان"، ونائب رئيس المخابرات العامة اللواء "أحمد العسيري".
أعضاء الكونغرس يشككون
ويعد هذا الإعلان، الذي تم التلميح به منذ عدة أيام، محاولة واضحة لتحويل اللوم عن "محمد بن سلمان"، الحاكم السعودي الفعلي الذي واجه إدانة دولية بشأن القتل، ليضع اللوم على قتلة "مارقين" يعملون بمفردهم، على الرغم من وجود أدلة متزايدة على أن ولي العهد كان على علم بالعملية.
ويأتي ذلك بعد أيام من المحادثات مع إدارة "ترامب"، التي تحاول يائسة للحفاظ على العلاقات - وخاصة عقود الأسلحة - مع شريكها السعودي.
وقد بدا الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" متلهفاً لقبول التفسير السعودي الأخير، حيث وصف "ترامب" الاعتراف السعودي بأنه "خطوة أولى عظيمة وذات مصداقية".
أما "سارة ساندرز"، المتحدثة باسم البيت الأبيض، فقد قامت بإصدار بيان أكثر حياداً، قائلة: "نشعر بالحزن لسماع تأكيد وفاة السيد خاشقجي، سنواصل متابعة التحقيقات الدولية عن كثب في هذا الحادث المأساوي وسندافع عن العدالة".
لكن من غير المرجح أن يُرضي البيان السعودي مجموعة متنامية من نواب الحزبين في الكونغرس الذين يعتقدون أن هناك أدلة قاطعة بأن "محمد بن سلمان" كان وراء مقتل "خاشقجي"، والذين يدينون التحقيق السعودي الجاري بوصفه تمويهاً للجريمة.
وقال السيناتور الديموقراطي "جيف ميركلي" أن القصة السعودية هشة وأن "على الحكومة الأمريكية أن تطالب بالحقيقة وتحمل الأطراف المسؤولة المسؤولية، ولا توافق على الجهود السعودية للتغطية على هذا القتل".
وبسبب معارضة الحرب السعودية الوحشية في اليمن، سيحاول المزيد والمزيد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وأعضاء الكونجرس منع مبيعات الأسلحة في المستقبل.
والآن يطالب "ليندسي غراهام" - وهو أحد الأعضاء الجمهوريين البارزين في مجلس الشيوخ والذي صوت في 2017 لصالح تزويد السعودية بالسلاح لحربها في اليمن – يطالب برحيل "محمد بن سلمان"، وغرد "غراهام" قبل ساعات مبديا تشككه في الرواية السعودية.
ما سيترتب على ذلك الآن هو حرب إرادة شرسة بين واشنطن والرياض يمكن أن تكدر العلاقات لشهور أو حتى سنوات.
أوراق ضغط
بالنسبة للسعوديين، فإن السلاح المفضل في هذا الصراع الجيوسياسي هو العقود المليارية، والنفط بدرجة أقل، وبالنسبة للأميركيين، فإنهم سيضغطون بالأسلحة والتكنولوجيا.
بينما يقاتل "محمد بن سلمان" على أحقيته بالعرش، فإن مئات المليارات من الدولارات من العقود الموعودة مع شركات أمريكية معرضة للخطر بسبب الأزمة الناجمة عن مقتل "خاشقجي"، ويقول خبراء سعوديون إن ولي العهد سوف يستخدم ورقة الضغط هذه إلى أقصى الحدود عن طريق التلويح بإمكانية حجب تلك الصفقات، التي يطمح "ترامب" علنا إليها.
وقال "بروس ريدل"، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيةكان يقدم المشورة للعديد من الرؤساء حول القضايا المتعلقة بالسعودية: "من الواضح أنهم يهددون بذلك"، مضيفاً إنه عندما اتصل صهر ترامب "جاريد كوشنر" ومستشار الأمن القومي "جون بولتون"، بولي العهد الأسبوع الماضي، فإن ما تبع ذلك كان تبادلاً متوتراً يركز على مثل هذه الاحتمالات فقط.
يرى المسؤول السابق أن "محمد بن سلمان هدد بشكل أساسي بأنه إذا حاولت واشنطن فرض عقوبات على الرياض فإنها سوف ترد، ولكنها مجرد تهديدات فارغة، فهو لا يستطيع شراء محرك روسي ووضعه في طائرة من طراز إف 15".
لم يعد خفض صادرات النفط – وهو السلاح الذي كانت السعودية تضغط به - فعالا كما كان عليه في السابق، على الرغم من أن دور المملكة كمنتج رئيسي للنفط أمر محوري، مع قيام "ترامب" بزيادة الضغط الاقتصادي على إيران. وإذا قلصت الرياض صادرات النفط، فإن ذلك سيضر بالاقتصاد السعودي بشكل أكبر في وقت لا يستطيع فيه تحمل ذلك، حيث يخوض "محمد بن سلمان" حرباً باهظة الثمن في اليمن، كما أنه سيعجل بتحرك الدول الأخرى - وخاصة الولايات المتحدة - بعيداً عن النفط السعودي كمصدر للطاقة.
لكن ولي العهد السعودي لديه أمور أخرى ليفعلها. وقد أشار "محمد بن سلمان" نفسه أشار إلى أنه، كجزء من خطة رؤية 2030 لتحديث السعودية، قد تعهد بتقديم 400 مليار دولار من إجمالي العقود مع الولايات المتحدة، بما في ذلك 110 مليار دولار في صفقات أسلحة مع وزارة الدفاع، وقال إن هذا التعهد يرتبط إلى حد كبير بمحبته الشخصية تجاه ترامب.
وبدا أن السعوديين كانوا يؤكدون على هذه النقطة يوم الثلاثاء، عندما وصل إلى الحسابات الأمريكية أخيراً مبلغ 100 مليون دولار سبق أن تعهدت به الرياض للمساعدة في تحقيق الاستقرار في سوريا، في نفس الوقت الذي هبط فيه وزير الخارجية "مايك بومبيو" في الرياض للقاء مع الملك "سلمان"، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
يبدو إذن أن "ترامب" والكونجرس يتمتعان بقدر أكبر من النفوذ من محمد بن سلمان في العلاقة الأمريكية السعودية. ويحتاج السعوديون إلى الأسلحة الأمريكية بشكل مُلح، خاصة لشن حربهم في اليمن. وعلى الرغم من أن ترامب قد أثار الخوف مراراً وتكراراً في الأسابيع الأخيرة من أن الرياض قد تتراجع وتتعامل بدلاً من ذلك مع روسيا أو الصين، إلا أنه من الناحية العملية سيكون ذلك مستحيلاً تقريباً، لأن الجهاز العسكري السعودي الذي أقامته الولايات المتحدة بالفعل ليس قابلاً للتشغيل المتبادل مع الأسلحة الروسية أو الصينية.
لكن الكثير من تلك المشتريات السعودية تأتي في الأساس من أجل إظهار حسن النية والنفوذ، وليس تعبيرا عن حاجات حقيقية وهذا الجزء قد تقرر الرياض سحبه في نهاية المطاف.
من ناحيته لا يبدو "ترامب" راغبا في الذهاب بعيدا ضد السعوديين، مستندا في مبرراته للعلاقات القوية مع السعودية على توفير الوظائف للأمريكيين، وقال "ترامب" لصحيفة فوكس بيزنس هذا الأسبوع إن صفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار هي "أكبر طلبية قدمتها دولة خارجية على الإطلاق".
لكن قلة من العقود العسكرية التي تم التعهد بها في أيار / مايو 2017 قد تحققت بالكامل بعد عام ونصف، وهذا يمكن أن يمنح الرياض المزيد من النفوذ للحفاظ على باقي العقود. وفقاً للمتحدث باسم البنتاغون "جوني مايكل"، فإنه من أصل 110 مليار دولار من الصفقات المحتملة المخطط لها على مدى السنوات العشر القادمة، فإن لدى السعودية الآن عقود تبلغ قيمتها حوالي 14.5 مليار دولار فقط، وتشمل هذه المبيعات الطائرات المروحية والدبابات والسفن والتدريب.
بين ترامب والكونغرس
ولا يعد التقدم البطيء في إنهاء صفقات الأسلحة بالضرورة مؤشراً على أن السعوديين يتباطؤون عمداً، من الطبيعي أن تستغرق المبيعات العسكرية الأجنبية سنوات حتى تتحقق لأي عدد من الأسباب: البيروقراطية في البنتاغون، وعملية التدقيق الواسعة في وزارة الخارجية، ومشكلات خطوط الإنتاج الأمريكية.
ولكن من خلال وضع القضية في إطار العقود التجارية، يجعل "ترامب" نفسه عرضة للانتقام من قبل الكونغرس، وقد أدت وفاة "خاشقجي" إلى قيام العديد من المشرعين بتجديد الدعوات لمنع ما تبقى من 110 مليار دولار من مبيعات الأسلحة المعلنة.
وفي يوم الأربعاء، انضم النائب "جيم ماكغفرن"، وهو ديموقراطي بارز في لجنة قوانين مجلس النواب، مع العديد من الرعاة الديمقراطيين والجمهوريين لتقديم مشروع قانون لحظر جميع المبيعات العسكرية والمساعدات إلى السعودية ما لم تتوصل وزارة الخارجية إلى أن النظام السعودي لم يأمر بموت "خاشقجي"، ويتوقع أن تتبعها تشريعات مجلس الشيوخ أيضاً.
ويخطط مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين لاستهداف الذخائر وغيرها من الأسلحة التي توردها لحرب اليمن، وتكرار جهد كاد يقترب من النجاح قبل عام. وقال "كريس هاريس"، المتحدث باسم السيناتور الديموقراطي "كريس ميرفي" الذي رعى القرار الذي فشل في العام الماضي: "إن المد يتحرك بالتأكيد، لقد أصبحت التفسيرات السعودية أقل قابلية للتصديق".
ومن بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين غيروا وجهات نظرهم بوضوح هو "ليندسي غراهام"، الذي صوت ضد قرار "ميرفي" العام الماضي، قائلاً آنذاك إنه على الرغم من أن المملكة لديها مشاكل داخلية "حقيقية" وأنه لا يثق بالرياض، إلا أنها تستحق المساعدة الأمريكية لأنها شاركت معلومات استخبارية منقذة للأرواح، وأنها تعمل كسياج أمام إيران.
هذا الأسبوع، على النقيض من ذلك، وعد "غراهام" الغاضب بمعاقبة المملكة بشدة.
وحتى مع ذلك، وعلى الرغم من الأدلة الدامغة الآن على أن النظام السعودي قتل "خاشقجي" بأبشع الطرق، فمن شبه المؤكد أن تجادل الإدارة أمام البنتاغون حول قيمة العلاقة مع السعودية.
فبعد عودة بومبيو من رحلته إلى تركيا، حيث كان من المؤكد تقريباً أنه حصل أدلة قوية على إدانة السعوديين في قتل "خاشقجي"، قال إنه من المهم أن نضع في اعتبارنا الصورة الأكبر وهي العلاقة "المالية" و"الحكومية" طويلة المدى مع السعودية، قائلاً: "لدينا منذ فترة طويلة - منذ عام 1932 - علاقة استراتيجية طويلة الأمد مع السعودية".
ومع ذلك، يقول "مايكل أوهانلون" خبير الأمن القومي في معهد بروكينغز: "أعتقد فعلاً أننا في وضع يمكننا من استخدام مأساة خاشقجي لإجبار السعوديين على إعادة ترتيب سياستهم في حرب اليمن، أعتقد أنها الطريقة الأكثر واقعية للقيام بشيء على نطاق واسع رداً على الفساد الذي فعلوه في إسطنبول".
بالنسبة إلى "محمد بن سلمان"، فإنه إذا استمرت عزلته الدولية، فقد لا يكون أمامه خيار سوى إخماد الحرب في اليمن لمجرد النجاة، وقال الأحمد: "يمكنهم إنهاء هذه الحرب ووقف خسائرهم، إن أموالهم تنفد".