عماد حسن/كريستين كنيب- DW- عربية-
أثارت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول جدلاً كبيراً بشأن وضعية حقوق الإنسان والتعبير عن الرأي في العالم العربي. جدل رآه البعض قد يصب في النهاية في صالح سجناء الرأي والمدافعين عن الحريات.
يشهد العالم حالياً حالة من التراجع في الحريات العامة وحقوق الإنسان وخصوصا في العالم العربي. فوفق تقرير لمؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية صدر مؤخراً، فإن هذه التحديات التي تواجهها حرية الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان وسيادة القانون هي الأخطر منذ عقود.
وأشار التقرير إلى أن هذا التدهور شمل 71 دولة، منها دول تنعدم فيها الحريات وتنتهك فيها الحقوق السياسية والمدنية، كالجزائر والعراق ومصر والإمارات واليمن والسعودية وسوريا والسودان والبحرين وليبيا.
ترامب وصعود اليمين الشعبوي عالمياً
في هذا السياق يقول الكاتب الصحفي المصري فهمي هويدي إن "هذا المشهد الذي وصل إليه العالم مؤخراً جاء متزامناً مع تغير السياسة الأمريكية مع صعود ترامب إلى سدة السلطة في الولايات المتحدة، بكل ما يمثله من قيم وأفكار، ما أوصلنا إلى مشهد مقتل شخصية كبيرة مثل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده"
أضاف هويدي أن هناك حالة من الهزيمة لفكرة الديمقراطية عالمياً مع تزايد قوة واستخدام المال الخليجي الذي تمكن من اختراق مؤسسات أمريكية ومراكز أبحاث ما أثر بشدة على طبيعة القرار الأمريكي وأنه "لولا بقية من مؤسسات ديمقراطية لكان الغرب وصل إلى ما وصلنا إليه في العالم العربي".
صورة سلبية للسعودية
يرى الكثيرون أن صورة السعودية وولي العهد بشكل خاص قد تضررتا بشكل هائل وأن الجهود التي قد تبذل في هذا السياق لتحسين الصورة ستحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
يتفق مع ذلك آدم كوجل الباحث المتخصص في شئون الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش بمكتب الأردن، لكنه يرى أن هذا الأمر يؤثر إلى الآن على المشهد الجيوسياسي في المنطقة، "ذلك أنه في أغلب الدول العربية - مع استثناءات قليلة للغاية - لا يُسمح لأحد مطلقاً بانتقاد السعودية إما بسبب ارتباطات سياسية واقتصادية قوية بين تلك الحكومات وقيادة المملكة أو لوجود استثمارات سعودية داخل تلك البلدان".
ويرى كرستيان مير، مدير مكتب مراسلون بلا حدود في ألمانيا في مقابلة مع DW عربية، أن طبيعة الديكتاتوريات عموما وفي العالم العربي خصوصا تميل إلى عدم وجود رأي آخر بشكل مطلق والسيطرة على المنابر الإعلامية وتوحيد الخطاب الموجه إلى الجهور وإزاحة السياسة بشكل تام عن المشهد المجتمعي في البلاد.
هذا ما رأيناه في مصر والسعودية وسوريا، "لكن ما صدم العالم فعلياً هو وحشية تطبيق السعودية لذلك مع جمال خاشقجي ما جعل النظرة الدولية لهذه الدولة تختلف بشكل جذري، كما أن تفاصيل الحادث أثارت فزع الجميع إقليمياً ودولياً وتصاعد الخوف من تكرار هذا الأمر لذلك شاهدنا هذه الضغوط الدولية الهائلة على السعودية".
فرصة للمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي
تحتل السعودية ترتيباً متراجعاً للغاية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير واستقلال القضاء وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
لكن آدم كوجل الباحث في هيومن رايتس ووتش يرى أنه بالنظر إلى أن السعودية دولة قوية للغاية داخل العالم العربي فإنه إذا ما استُغلت الضغوط المتنامية على القيادة السياسية السعودية للدفع في اتجاه إجراء إصلاحات سياسية حقيقية وفعلية فإن ذلك سيكون له نتائج شديدة الإيجابية على الحالة الحقوقية في العالم العربي ككل.
وشدد كوجل في مقابلته مع DW عربية على أن قادة العالم لا يجب أن يكتفوا بدفع السعودية إلى تحقيق العدالة في قضية خاشقجي فقط، وإنما عليهم دفع الرياض إلى القيام بإصلاحات مهمة في مجال حقوق الإنسان ما من شأنه أن يزيد من مساحة حرية التعبير وربما سيكون من المفيد في هذا الإطار البدء بالإفراج عن عشرات من نشطاء حقوق الإنسان والكتاب والمفكرين الذين القى بهم في السجن مؤخراً.
ويتفق الكاتب الصحفي المخضرم فهمي هويدي مع ذلك ويضيف بأن "ثمن النضال من أجل الحرية والديمقراطية في العالم صار باهظاً للغاية ولعل جمال خاشقجي دفع هذا الثمن في حده الأقصى".
تفكيك التحالفات القديمة
ويعتقد محللون سياسيون بأنه إن تم إبعاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن منصب ولاية العهد فإن ذلك سيكون له انعكاسات مباشرة على التحالف القوي بين الرياض وأبو ظبي والقاهرة ما قد ينعكس بشكل إيجابي على حالة حقوق الإنسان وحرية التعبير في العالم العربي.
يقول الكاتب الصحفي فهمي هويدي إن إبعاد محمد بن سلمان عن منصب ولاية العهد قد لا يسبب أثراً مباشراً في هذا السياق "لكنه على الأقل سيسبب شرخاً في الجدار لأنه إذا سقط محمد بن سلمان سيُحدث ذلك أزمة لدى الباقين". ويضيف بأنه يثق تماماً أنه بسبب هذه الأزمة السياسية الهائلة في السعودية فإن "محمد بن زايد مثلاً ربما لا ينام مطلقاً، بخلاف أن ترامب نفسه بدأ يشعر بحجم الورطة التي وضع فيها بن سلمان نفسه ما جعله موقفه يتغير تماماً حتى وصل الأمر به إلى أن يتحدث ولأول مرة عن عقوبات قد تفرض على السعودية".
ويرى هويدي أن هذا الحراك في المشهد السياسي يأتي في إطار نضالات كبرى يجب أن تترافق معه ولابد من إتمامها "لاستعادة الديمقراطية وتقوية مؤسسات الدولة واستقلالها وتحرير الصحافة والإعلام والجامعات، فبالنظر إلى الوضع الحالي في العالم العربي فإن أي شخص يُسجن بسبب رأيه لا يجد من يدافع عنه داخلياً بسبب البطش الهائل أما خارجيا فلن يتعدى الأمر أن تصدر بعض المؤسسات الدولية بياناً صحفياً يدين اعتقال الشخص أو تمنحه جائزة ما لا يستطيع هو شخصياً السفر لتسلمها لظروف سجنه".