الخليج الجديد-
لم يكن خبر إقالة نائب رئيس الاستخبارات السعودية، أحمد عسيري، بالنبأ السعيد في "إسرائيل"؛ إذ عبَّر الإسرائيليون عن حزنهم مما حدث له، واعتبروا قرار إقالته سيئاً للغاية لدولتهم، وخسارة كبيرة لها.
وكان من أبرز الأصوات التي عبَّرت عن حزن "إسرائيل" الشديد لخسارة مسؤول سعودي بحجم "عسيري"، محلل الشؤون الدولية في هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان)، موآف فاردي؛ إذ وصف إبعاد "عسيري" بأنه "خبر سيئ للغاية لإسرائيل".
ولم يكتفِ المحلل في القناة الرسمية الإسرائيلية بذلك؛ بل اعتبر في تغريدة له على موقع "تويتر"، أن عدداً من الأشخاص هنا -ويقصد "إسرائيل"- خسروا الليلة "شريكاً عالي القدر".
ولكن، لماذا حزنت "إسرائيل" لإقالة "عسيري"، بعد إقرار السعودية بتورطه في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصليتها في مدينة إسطنبول التركية؟ وماذا كان يقدم لها حتى تعتبر فقده خسارة كبيرة.
رجل التطبيع الاستخباراتي
العلاقات السعودية - الإسرائيلية الاستخباراتية شهدت، في الفترة الأخيرة، تطوراً غير مسبوق وواضح؛ إذ تباهى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتلك العلاقات، بالقول: إن "إسرائيل لم تكن تحلم بهذه الصداقة مع دول عربية"، في تلميح إلى السعودية، التي توالت تسريبات بحصول لقاءات سرية بين استخباراتهما.
ولم تقتصر إشادة نتنياهو بهذا التطور على هذا التصريح؛ بل أكد أن "دولاً كثيرة (لم يسمّها) أصبحت تقدّر العلاقات مع إسرائيل"، معتبراً أن "هذا التقارب سيثمر تطبيعاً، وفي النهاية اتفاقيات سلام".
وكانت العلاقة الأبرز بين "إسرائيل" والسعودية، في تبادل المعلومات الاستخباراتية، التي يعد "عسيري" رجل المملكة الأول في ميدانها، حيث باتت المملكة تدير حوارات مع الإسرائيليين من فوق الطاولة، دون النظر إلى أي اعتبارات عربية تتنافى مع هذه السياسة.
وبرز نجم "عسيري" في عام 2015، بوصفه متحدثاً رسمياً باسم التحالف السعودي-الإماراتي الذي قاد حرباً على اليمن، إلا أنه أُبعِد لاحقاً من الجيش السعودي إلى الاستخبارات، حيث عُيِّن نائباً لرئيس الجهاز، في الربيع الماضي، قبل أن يصدر قرار بعزله فجر السبت (20 أكتوبر)، في محاولة لجعله كبش فداء لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد الضغط الدولي الذي أثاره اغتيال خاشقجي.
ومع وجود "عسيري" في الاستخبارات، زادت المهام السعودية-الإسرائيلية المشتركة، وبدأت تخرج تسريبات عن إتمام صفقات أسلحة بينهما، وكان آخرها ما كشفه "الخليج أونلاين" عن شراء المملكة منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي تستخدمها لصدِّ صواريخ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
كما استخدمت السعودية تكنولوجيا قرصنة إسرائيلية، للتجسس على نشطاء ومعارضين سياسيين بالخارج، في ظل محاكمات سرية وانتهاكات حقوقية تمارسها سلطات المملكة بحق معارضين ومعتقلي رأي، تعرضت الرياض لانتقادات دولية واسعة بسببها.
وكشفت مصادر صحفية أن مجموعة "NSO" الإسرائيلية، التي تتخذ من الأراضي المحتلة مقراً لها وتقع على ساحل البحر المتوسط شمالي "تل أبيب"، طوَّرت برنامج "بيغاسوس" الخاص بالتجسس، وهو برنامج يحوِّل الهواتف الذكية إلى أجهزة تنصُّت.
كذلك، في عهد "عسيري"، زارت مجموعة أمنية سعودية "إسرائيل"، وحصلت على دورات تدريبية في التجسس، والعمل الاستخباراتي، وفق ما كشفت عنه الصحافة الأمريكية.
ويقول الإسرائيليون إن لـ"عسيري" دوراً بارزاً في التعاون الاستخباراتي بين دولتهم والسعودية، والذي لمح إليه مسؤول إسرائيلي أكثر من مرّة.
كذلك، تتبادل السعودية و"إسرائيل" المعلومات في الملف الإيراني؛ إذ تعتمد المملكة على الاستفادة من المعلومات القادمة من الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية فيما يتعلق بنشاطات إيران في المنطقة العربية، وقد لمحت الكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى ذلك.
ويبدو أن "عسيري" هو حلقة الوصل الأقوى والأكثر تشجيعاً من قِبل الإسرائيليين، في التبادل الاستخباراتي بخصوص الملف الإيراني.
وبعد إقالة "عسيري" بسبب قضية مقتل خاشقجي، خرجت أصوات إسرائيلية تعبر عن الموقف الرسمي من اغتيال الصحفي السعودي، ولكن بطريقة إعلامية تطالب بضرورة التساهل مع ولي العهد السعودي في أعقاب الأزمة، وتصفه بـ"الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ 50 عاماً"، معتبرة أن "عزله سيكون مدمّراً بالنسبة إلى إسرائيل".
وتقول الكاتبة تسفيا غرينفيلد: إن "الإسرائيليين ظلّوا 5 عقود يصلّون ويرجون، من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق هام مع إسرائيل"، مؤكّدة أن "هذا القائد قد وصل أخيراً؛ ممثّلاً بمحمد بن سلمان".