روبين إيموت وجون أيرش وأندريا شلال- روترز-
تتصاعد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لبحث فرض حظر للسلاح على المملكة العربية السعودية بعدما دعت ألمانيا والنمسا والبرلمان الأوروبي إلى وقف مبيعات الأسلحة للمملكة بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وفي غضون بضع ساعات سلطت الضوء على التوتر بشأن المسألة، جددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الجمعة التأكيد على أن بلادها لن تسلم أي أسلحة إلى السعودية إلى أن يتم توضيح ملابسات مقتل خاشقجي، بينما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن مثل هذه الخطوات تنم عن ”ديماجوجية“ شعبوية.
وقال دبلوماسيان يوم الجمعة إن سفراء الاتحاد الأوروبي ربما يناقشون القضية رسميا بعد طلب نادر بذلك من حكومات، وإن هولندا تسعى لحشد التأييد لنظام جديد للاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات بسبب انتهاك حقوق الإنسان بغض النظر عن مكان حدوثها.
غير أن الجدل في بروكسل وعواصم الاتحاد الأوروبي يحيي من جديد انقسامات معتادة في السياسة الخارجية للتكتل، حيث تهتم القوى الرئيسية في أوروبا بمصالحها الاقتصادية والسياسية فيما يقوض عادة أي سياسة خارجية فعالة للاتحاد يكون هدفها أن تكون مدفوعة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقُتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر تشرين الأول وهو ما أثار غضبا دوليا وتحول إلى أزمة لأكبر بلد مصدر للنفط الخام في العالم، كما سلط الضوء على مدى تحالف القوى الغربية مع المملكة العربية التي تعاقب بالجلد والإعدام على المعارضة.
وقالت منطقة والونيا البلجيكية، المالكة لشركة إف.إن هيرستال المصنعة للأسلحة النارية، إنها ستدقق ”بأقصى درجات الحذر“ في أي طلبات مستقبلية لإصدار تراخيص لتصدير السلاح إلى أكبر زبائنها بعد مقتل خاشقجي.
وبينما تريد النمسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، وقف مبيعات السلاح وستتوقف ألمانيا عن إقرار صادرات السلاح لحين اتضاح ملابسات مقتل خاشقجي، فقد تجاهلت فرنسا مثل تلك الدعوات.
بل وذهب ماكرون إلى حد أبعد يوم الجمعة بقوله إنه لا توجد صلة بين مبيعات السلاح ومقتل خاشقجي، الذي كان منتقدا بارزا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة.
وقال للصحفيين خلال زيارة إلى سلوفاكيا ”هذه ديماجوجية محضة، أن نقول لا بد أن نوقف مبيعات السلاح. هذا لا علاقة له بالسيد خاشقجي“، رغم أنه لم يستبعد فرض عقوبات منسقة أخرى ضد من تثبت مسؤوليتهم.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي يوم الأربعاء إن صادرات السلاح البريطانية للسعودية تتفق مع القواعد الوطنية وقواعد الاتحاد الأوروبي المتعلقة بتراخيص تصدير السلاح.
في الوقت نفسه، تحاول إسبانيا المضي قدما في بيع 400 قنبلة من أجل حماية عقد سعودي مع حوض لبناءالسفن في إقليم الأندلس من شأنه توفير 5000 فرصة عمل.
وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي ”إذا كانت النمسا تقترح مثل هذا الحظر، فاسأل عندها كم تبيع النمسا من الأسلحة للسعودية“.
* مليارات على المحك
على الرغم من أن النمسا لديها قطاع كبير للصناعات العسكرية إلا أن بيانات من الاتحاد الأوروبي أظهرت أنها لم تبع إلا ما يقدر بنحو 1.4 مليون يورو (1.59 مليون دولار) من الأسلحة والذخيرة للسعودية في 2017.
ووافقت ألمانيا على إمدادات أسلحة للسعودية تقدر بنحو 400 مليون يورو في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.
وفي العام الماضي باعت ألمانيا ما قيمته 351 مليون يورو في صفقة شملت طائرات وطائرات هليكوبتر لكن بيانات الاتحاد الأوروبي لم تحدد ما هو عسكري في هذه الصفقة.
وتشكل الأسلحة الألمانية ما يقل عن اثنين بالمئة من مجمل المشتريات السعودية من الأسلحة.
وأظهرت وثائق برلمانية في المملكة المتحدة أن بريطانيا صدرت منتجات عسكرية للسعودية قيمتها 1.1 مليار جنيه استرليني (1.41 مليار دولار) في 2017 فيما بلغت قيمة صفقات الأسلحة بين الرياض وبلجيكا ولوكسمبرج مجتمعتين 184 مليون يورو العام الماضي.
ووفقا لبيانات الاتحاد الأوروبي أيضا باعت فرنسا للسعودية ما قيمته 1.8 مليار يورو من الطائرات وطائرات الهليكوبتر ومعدات جوية أخرى في 2017 وهو مبلغ أخذ في التزايد على مدى العقد المنصرم لكن تلك البيانات لا تظهر هي الأخرى مقدار الشق العسكري في تلك الصفقات.
وتقول كامي لون الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ”مبيعات الأسلحة أمر له صلة وثيقة بالسياسة ويعتبر جزءا من رؤية طويلة الأمد“.
واستشهدت لون بالموقف في ليبيا وسوريا وحتى في منطقة الساحل حيث تسعى فرنسا، التي لها آلاف الجنود على الأرض، للحصول على مساعدة من السعودية في تمويل القوات الأفريقية المحلية.
ويأتي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قلب استراتيجية ماكرون. والأمير البالغ من العمر 33 عاما هو الحاكم الفعلي للمملكة ويقدم نفسه كإصلاحي لكن الأنظار تتركز عليه في الوقت الراهن بسبب تساؤلات عن ضلوعه في احتجاز وقتل خاشقجي.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير لرويترز ”من السهل على (المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل أن تقترح ذلك عندما تبيع أسلحة في كل مكان عدا السعودية... عندما تنظر إلى مبيعات الأسلحة العالمية على مدى العامين الماضيين تجد أن ألمانيا من بين الأكبر في العالم لكن ليس للسعودية بشكل كبير“.
ورحبت متحدثة باسم الحكومة الألمانية يوم الجمعة بالمبادرة النمساوية لكنها أحجمت عن التعليق لدى سؤالها عما إذا كانت ألمانيا والنمسا منعزلتين في موقفهما داخل الاتحاد الأوروبي.
وتعهدت ميركل مجددا يوم الجمعة بوقف كل صادرات الأسلحة للسعودية لحين تقديم تفسير لمقتل خاشقجي.
ومن المخارج التي قد تحفظ ماء الوجه للاتحاد الأوروبي هو فرض عقوبات على الأفراد السعوديين المتهمين بقتل خاشقجي وفصل القضية عن العلاقات الوثيقة مع الدولة السعودية.
ووافقت حكومات الاتحاد الأوروبي مؤخرا على آلية لفرض عقوبات على المسؤولين عن شن هجمات بأسلحة كيماوية من خلال استهداف أفراد بغض النظر عن جنسياتهم.
ويمكن لها أن تضع آلية مشابهة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
أما الولايات المتحدة فلديها قانون ماجنيتسكي للمساءلة العالمية لفرض عقوبات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في أي دولة.
وقالت ريبيكا هارمز عضو البرلمان الأوروبي ”على فرنسا وألمانيا التعامل مع القضية الكبرى المتعلقة بصادرات الأسلحة. يمكن لحكومات الاتحاد الأوروبي أن تطرح قانونا على غرار ماجنيتسكي للتصرف على أساسه“. وشاركت هارمز في قيادة الجهود لإصدار قرار من البرلمان يدعو لفرض حظر على صادرات السلاح وعقوبات أخرى هذا الأسبوع.