إليانا ديلوزيي و المقدم أوغست بفلوغر، "سلاح الجو الأمريكي"- معهد واشنطن-
في 30 تشرين الأول/أكتوبر، بدا أن الحكومة الأمريكية غيّرت موقفها العلني إزاء قضية اليمن، حين دعا وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع جيمس ماتيس الأطراف المتنازعة إلى وقف الأعمال العدائية والشروع بمحادثات سلام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وجاءت تصريحات الوزير ماتيس خلال إحدى فعاليات "معهد الولايات المتحدة للسلام" التي بُثَّت عبر الإنترنت، بينما تم نشر تصريحات بومبيو بعد ساعات قليلة في بيان صحفي رسمي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
في السابق، تركز موقف الإدارة الأمريكية حول تقديم دعمٍ حذر لعمليات التحالف الخليجي ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وقد أفاد الوزير بومبيو مؤخراً للكونغرس الأمريكي أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تسعيان إلى الحد من عدد الضحايا المدنيين في النزاع. وهذا يعني تحديداً أن الإدارة الأمريكية استأنفت نهج سابقتها التي جمعت ما بين دعم قوات التحالف من ناحية تموين الطائرات بالوقود في الجو ومشاركة المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالاستهداف وتقديم المشورة لمساعدتها على الاحتماء من هجمات الصواريخ البالستية.
غير أن هذا التغيير في المواقف العلنية يأتي في أعقاب قضية جمال خاشقجي وفي خضم تعاظم ضغوط الكونغرس لإنهاء الحرب أو إيقاف الدعم الأمريكي لقوات التحالف. ومما زاد الوضع إلحاحاً هو أن مُنسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي أشارت إلى أن اليمن قد يشهد بحلول نهاية العام الحالي أسوأ مجاعة مرّت على العالم منذ قرن.
وحتى قبل تصريحات الأمس، كان كبار المسؤولين الأمريكيين قد حثّوا دول التحالف في محادثات خاصة، على وضع حدٍّ للحرب قبل أن تضطر الولايات المتحدة إلى الدعوة علناً إلى إنهائها. فواشنطن قلقة بشكل خاص من عجز التحالف عن ضرب الأهداف بدقة وثبات، وبالتالي التسبب بوقوع عدد هائل من الضحايا في صفوف المدنيين. وهذا قلقٌ شدّد عليه الوزير ماتيس في كلمته حين قال إن الدور الأكثر أهمية الذي تؤديه الولايات المتحدة في تدريب قوات التحالف يتمثل بتحسين دقة أهدافها لكي تصل إلى المستوى اللازم "لتجنب قتل الأبرياء"، مشيراً إلى أن القوات الجوية الملكية السعودية مرتاحة مع التأخير في الاستهداف الذي ينتج أحياناً عن تحسين الإجراءات المتبعة. لكنه ألمح في الوقت نفسه إلى أن المعايير العالية والإجراءات المتقنة التي وضعتها قوات "حلف شمال الأطلسي" والقوات الأمريكية قد لا تنطبق عمليّاً على القوات الأخرى، معترفاً بأن الوصول إلى هذا المستوى من الدقة استغرق عقوداً طويلة لتحقيقه. والأهم من ذلك هو أنه اختتم كلمته بتكرار رغبة واشنطن في انتهاء الحرب، لافتاً إلى أن "تحسّن دقة القذائف لا يزال يعتبر ضرباً من ضروب الحرب".
وبالمثل، دعا بومبيو في بيانه إلى وقف "الضربات الصاروخية والضربات المنفذة بالطائرات بدون طيار من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين" ضد السعودية والإمارات، وكذلك وقف الضربات الجوية في "المناطق اليمنية المأهولة". ولا يبدو أن صياغته الحذرة للكلمات تشمل الهجمات الحوثية داخل اليمن أو ضربات التحالف في المناطق غير المأهولة. أضف إلى ذلك أن بومبيو لم يأتِ على ذكر إيران - وهذا إغفال غريب لأن طهران هي التي مكّنت الحوثيين من تنفيذ الهجمات الصاروخية من خلال تهريب الأسلحة، كما أجّجت المخاوف الأمريكية إزاء دورها في اليمن.
كما أشار ماتيس إلى "الانسحاب" من الحدود، في حين اقترح بومبيو "نزع السلاح من الحدود" كخطوة تهدف إلى بناء الثقة. ومن غير الواضح ما إذا كانا يقصدان الحدود بين اليمن والسعودية فحسب أم يشملان الحدود البحرية ككل. وبما أنه سبق للسعودية والحوثيين أن أنشأوا عام 2016 لجاناً معنية بفكّ التصعيد من أجل مناقشة مسألة الحدود البرية، فمن الممكن أن يكونوا جاهزين لتكرار هذه الخطوة. وقد يكون اقتراح بومبيو الآخر - وهو حصر "كافة الأسلحة الضخمة تحت المراقبة الدولية" - أكثر صعوبة لأن الحوثيين يعتبرون أي اقتراح بنزع سلاحهم بمثابة استسلام.
وفيما يتعلق بالدعوة لإجراء مفاوضات للسلام في تشرين الثاني/نوفمبر، يتوافق هذا الجدول الزمني مع التعليقات الأخيرة التي أدلى بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث خلال مقابلة أجراها على قناة "العربية" الأسبوع الماضي وحثّ فيها بقوّة على إجراء المحادثات خلال الشهر المقبل. وأشار إلى أنه سيُطلع مجلس الأمن الدولي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، وأنه يريد أن تكون المحادثات جاريةً أو مقررةً بحلول ذاك الوقت. وفي بيان أصدره في 31 تشرين الأول/أكتوبر، رحّب بموقف الولايات المتحدة وكرر أنه سيعمل على تعزيز ثلاثة إجراءات لبناء الثقة بين الأطراف، وهي: "تعزيز إمكانيات" "البنك المركزي اليمني"، وتبادل السجناء، وإعادة فتح مطار صنعاء. وخلال المقابلة التي أجرتها معه قناة "العربية"، أشار إلى أن هذه الاقتراحات الثلاثة بأجمعها أصبحت موضوعة خطياً وقيد التنفيذ. وبالفعل، تشير بعض التقارير الأخيرة إلى أنه يجري حالياً وبمساعدة سلطنة عمُان إطلاق سراح بعض السجناء رفيعي المستوى.
وإذا ثبت أن الدعم الأمريكي صادق ودائم، ستكون أمام غريفيث فرصة معقولة لإجراء محادثات السلام في الشهر المقبل. فقد ادّعى ماتيس أن السعودية والإمارات "مستعدتان" لهذه الخطوة، على الرغم من أن التقارير حول زيادة عدد قوات التحالف في الحديدة توحي بأن الدولتين تنظران في مخططات أخرى في المدى القريب. أما الحوثيون، فقد امتنعوا من جهتهم عن حضور الجولة السابقة من المحادثات، مدّعين أنهم لم يحصلوا على ضمانات بالمرور الآمن. لكن غريفيث أفاد بأن هذه المشاكل قد تمت معالجتها، وبذلك لم يعد بوسع الحوثيين التذرّع بهذا المبرر مجدداً. وفي الواقع، ستكون هذه المحادثات في حال انعقادها المسعى الحقيقي الأول لإنهاء الحرب منذ انهيار مفاوضات الكويت في عام 2016. ولذلك يجدر بواشنطن وشركائها اتخاذ الإجراءات اللازمة لاغتنام هذه الفرصة.