الخليج أونلاين-
يبدو أن ولي العهد السعودي أخرج المبرر لقتل وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، واعتقاله للعشرات من الدعاة داخل المملكة، من خلال اتهامهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السعودية منظمة "إرهابية"، في اتصاله مع البيت الأبيض.
وأراد بن سلمان من خلال رمي تهم الانتماء للإخوان المسلمين لخاشقجي الذي أحدث قتله موجة من التنديد الدولي الواسع تجاه سياسته وطريقة قتله، اللعب على ورقة هذه الجماعة التي يعارضها عدد من حلفاء السعودية، كما حدث مع الداعية البارز سلمان العودة المعتقل في سجون المملكة بنفس التهمة.
وتعرض خاشقجي للتقطيع والقتل بطريقة مروعة من قبل فريق اغتيال سعودي اغتاله داخل القنصلية، بإدارة وأوامر صدرت بشكل مباشر من مكتب بن سلمان في الرياض.
ومنذ تولّي ولي العهد السعودي بن سلمان منصبه، في يونيو 2017، شنّت السلطات حملة اعتقالات واسعة طالت مئات المسؤولين والأمراء والدعاة والمعارضين السياسيين، وحتى الناشطين الليبراليين، بتهم منها الانتماء للإخوان المسلمين.
تلفيق للاتهامات
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية كشفت أن بن سلمان وصف الصحفي الراحل خاشقجي بـ"الإسلامي الخطير"، في اتصال هاتفي مع جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب، ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
الصحيفة بينت أن ولي العهد قال إن خاشقجي كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة يعارضها بولتون ومسؤولون كبار في إدارة ترامب.
ورأت "واشنطن بوست" أن محاولة النظام السعودي "تشويه" صورة خاشقجي لدى واشنطن تتعارض مع وصفه لاحقاً بـ"الخطأ الكبير" و"المأساة المروعة"، كما تتعارض مع تصريح سفير المملكة في واشنطن خالد بن سلمان، الذي وصف فيه خاشقجي بـ"الصديق الذي خدم بلده فترة طويلة من حياته".
ولم يتأخر رد عائلة خاشقجي على هذه التهم، إذ رأت عائلة خاشقجي أن وصف الصحافي الراحل بـ"الإسلامي الخطير"، هو وصف غير دقيق.
وقالت العائلة: إن "جمال لم يكن عضواً في جماعة الإخوان المسلمين.. ولم يكن شخصاً خطيراً بأي شكل من الأشكال، وهذا ادعاء تافه".
ويعطي مؤشر ادعاء رأس الهرم في السعودية بأن خاشقجي "إخوان" أنه يستحق القتل والتقطيع، وإخفاء جثته لأكثر من شهر بعد تنفيذ عملية الاغتيال.
وهنا أراد بن سلمان من خلال هذه التهمة أيضا، إيجاد مبرر لاعتقال الدعاة في السعودية، ومن أبرزهم سلمان العودة الذي يتعرض للتعذيب، ويتوقع إصدار قرار بإعدامه مع مجموعة ناشطين من خلال جلسات محاكمة سرية، وفق منظمة العفو الدولية.
الزامل يلقى مصير العودة
العودة ليس وحده المتهم بالانتماء للإخوان المسلمين في السعودية، حيث وصل عدد معتقلي الرأي في المملكة إلى 2613، وتعرّض عدد من منهم إلى التعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق لساعات من الأذرع والسحل بساحات السجن، وفق حساب معتقلي الرأي.
كذلك وجّهت النيابة العامة في السعودية تهماً لرجل الأعمال عصام الزامل بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، و"التواصل مع أحد الأفراد في دولة قطر"، التي تعتبرها السلطات في المملكة "دولة معادية"، بحسب ما يذكر الإعلام الرسمي.
الزامل وجهت له هذه التهم رغم أنه يظهر اهتمامه بالشؤون الاقتصادية لا السياسية في عموم دول الخليج، حيث يستضيفه العديد من القنوات الفضائية عبر برامج اقتصادية للتعليق على آخر المستجدات، ويطرح وجهة نظره في تحليلات حول قضايا الاقتصاد العالمي وانعكاساته على الاقتصاد الخليجي، وتنشرها الصحف المحلية والدولية.
ويعتبر الزامل من المعارضين وأوّل المشكّكين في فكرة طرح "أرامكو" الأخير؛ من خلال تغريدة قال فيها: "طرح (أرامكو) للاكتتاب مطلع 2018 (..) ضعوها بالمفضّلة: أرامكو لن تُطرح للاكتتاب أبداً"، مضيفاً: "من المستحيل أن تصبح قيمة أرامكو أكثر من تريليوني دولار إذا ما كانت تملك حقاً حصرياً لامتياز استخراج النفط بالسعودية".
وتدخل الملك سلمان بن عبد العزيز لوقف طرح شركة النفط العملاقة السعودية "أرامكو"، وهو ما يعد تأكيداً لتشكيك الزامل وصفعة قوية لـ"رؤية 2030"، ولأحلام الأمير محمد بن سلمان، الذي أراد ضم عملاق النفط الأضخم في العالم إلى صندوق الاستثمار السيادي، وطرح نسبة 5% (100 مليار دولار) فقط من الشركة، التي تقدَّر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار، للاكتتاب بالبورصة.
ويبدو أن معارضة الزامل لسياسة بن سلمان الاقتصادية زجت به بالسجن، مع تهم جاهزة، وهي الانتماء للإخوان المسلمين، التي كانت سبباً في قتل وتقطيع خاشقجي وفق ما قال ولي العهد.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وجماعات حقوقية أخرى كشفت، في أغسطس الماضي، أن النيابة العامة السعودية طلبت الحكم بإعدام خمسة نشطاء في مجال حقوق الإنسان، اعتقلتهم السلطات مؤخراً.
وكشف تحقيق لمنظّمة حقوقية بريطانية، في مارس 2018، تسجيل أعلى عدد من الإعدامات بالسعودية في عام واحد، خلال ولاية بن سلمان التي بدأت منذ تعيينه وزيراً للدفاع في عام 2015.
كذلك عاد مصطلح "المحاكم السرية" للظهور؛ بعد موجة الاعتقالات التي طالت المعتقلين، حيث أعلن قرب محاكمات سرية لثمانية من أبرز الشخصيات المعتقلة، منذ سبتمبر؛ ومنهم العودة والزامل، بتهم تتعلق بانتمائهم "للإخوان المسلمين".
وهنا يطرح السؤال، هل سيقبل العالم ادعاءات ولي العهد السعودي بأن الأسباب وراء حملته القمعية ضد الدعاة، وقتله لخاشقجي، انتماؤهم للإخوان المسلمين؟.