خليل العناني- العربي الجدبد-
لم يُخف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قلقه على مصير ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد حادثة اغتيال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقد تدخّل لدى الإدارة الأميركية من أجل تخفيف الضغط على بن سلمان، وذلك حسبما أفادت صحيفة واشنطن بوست الأميركية. كما صرّح نتانياهو علناً من العاصمة المجرية بودابست، قبل أيام، بأن على الولايات المتحدة أن تحافظ على استقرار السعودية تحت قيادة بن سلمان.
قطعاً، ليس دفاع نتانياهو عن بن سلمان حباً فيه، وإنما رغبة في استغلاله من أجل تحقيق مصالح إسرائيلية عديدة في المنطقة، أهمها مواجهة إيران، وتمرير صفقة القرن، والتطبيع مع المملكة في مرحلة لاحقة، فضلاً عن التخلص من جماعات الإسلام السياسي. فمنذ صعود نجم بن سلمان، وإسرائيل تسعى إلى الاستثمار فيه ودعمه، كونه يمثل فرصةً ذهبيةً بالنسبة لها، فيما يتعلق بسلة المصالح السابق الإشارة إليها، تماما كما فعلت، قبل خمس سنوات، مع الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي تمتع، ولا يزال، بدعم إسرائيلي غير محدود، خصوصا لدى دوائر صنع القرار في واشنطن.
يدرك نتانياهو أن بن سلمان في حاجة ماسّة للدعم الأميركي، ليس فقط من أجل ضمان وصوله إلى العرش، وإنما أيضا البقاء فيه وتنصيب نفسه زعيماً جديداً للمنطقة، على نحو ما تحدّث هو عن نفسه في المؤتمر الاقتصادي في الرياض، الأسبوع قبل الماضي. ووصل الخيال بولي العهد إلى أن يتخيّل نفسه "إسكندر العرب" الذي سيأخذ منطقة الشرق الأوسط باتجاه التمدين والحداثة الأوروبية، كما قال أيضا في المؤتمر نفسه. كما يعتقد بن سلمان أنه سيكون المؤسس الجديد للمملكة، أو لما يسميها أنصاره ومؤيدوه "السعودية العظمى"، ما يعني جلب الدعم والتأييد بأي ثمن، حتى وإن كان عبر بوابة تل أبيب.
لذا ليس غريباً ما يُشاع عن لجوء بن سلمان إلى نتانياهو لطلب دعمه لدى الإدارة الأميركية، وتخفيف الضغط عليه، فيما يخص مسألة قتل خاشقجي. وهو ما لم يتأخر، حيث بدأ نتانياهو حملة لإعادة تعويم بن سلمان، وتبييض صورته، وترويج أنه يمثل حجر أساس في استقرار المنطقة. وكأن خروج بن سلمان من السلطة سوف يؤدي إلى انهيار المملكة وسقوطها وتفكّكها، وكأن مصير المملكة بات متوقفاً على مصير هذا الشاب الأهوج.
يستثمر نتانياهو، إذاً، ومعه بعض السلطويين العرب، في طموحات وأحلام الأمير الشاب الذي يفعل كل شيء من أجل ضمان العرش، حتى وإن كان التحالف مع الشيطان ذاته. وهم يدركون جيداً أن بن سلمان يمثل فرصةً ذهبيةً قد لا تتكرر، من أجل إضعاف المملكة والسيطرة على قرارها، كما هي الحال مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي مدّ نفوذه داخل بيت الحكم السعودي من خلال بن سلمان. وكما سيطر بن زايد على السلطة بعد إقصاء أخيه الأكبر خليفة بن زايد رئيس الدولة، فقد أقنع محمد بن سلمان بفعل الشيء نفسه في المملكة، وشجّعه على تصفية مراكز القوة داخل العائلة المالكة في السعودية، مثلما فعل مع ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، الذي أزاحه عن السلطة في صيف 2017.
ولم يعد سراً أن بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يمثلان رأس الحربة في مشروع إسرائيلي، يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بشكلٍ يخدم مصالحها الاستراتيجية، ولا يعبأ بمصالح العرب. وهما يفعلان ذلك عن قناعةٍ بأن إسرائيل حليف مهم يجب الوثوق به أكثر من أي طرف إقليمي آخر. تدعمهم في ذلك مملكة البحرين، التي أثنى وزير خارجيتها، خالد بن أحمد آل خليفة، قبل أيام، على تصريحات نتانياهو بشأن بن سلمان. وهو ما يجعل نتانياهو لا يخجل من الدفاع عنهم باعتبارهم "كنزا خليجيا استراتيجيا" لتل أبيب لا يجب التفريط به. ولذلك تمثل مسألة اغتيال جمال خاشقجي خروجاً عن النص، فيما يخص التحالف الرباعي الجديد (الرياض وأبوظبي والمنامة وتل أبيب)، بشكل أربك حساباتهم ووضعهم في مأزقٍ يحاولون الآن الخروج منه.
وفي الوقت الذي يأخذ فيه كثيرون من حلفاء بن سلمان، خطواتٍ للخلف، وإعادة التفكير في العلاقة مع الرياض، على خلفية اغتيال خاشقجي، يرمي له نتانياهو بطوق نجاةٍ من أجل الإبقاء عليه وعدم خسارته. وهو أمر لا يبدو أنه يثير مشكلةً لدى النخب السعودية التي ربما باتت ترى نتانياهو حليفاً إقليمياً يجب الوثوق به.
رحم الله جمال خاشقجي الذي رفعت حادثة اغتياله الغطاء عن أمورٍ كثيرة، كانت تجري سراً وخلف الأبواب المغلقة، لكنها باتت الآن أوضح من ضوء الشمس في الصحراء.