صحيفة "واشنطن بوست" - ترجمة منال حميد -
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن ملاحقة السعودية معارضيها في الخارج ليست جديدة، وإنما تعود لعقود من الزمن، مشيرة إلى العديد من الانتهاكات التي طالت شخصيات معارضة، على غرار ما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن جريمة اغتيال خاشقجي (الشهر الماضي)، فتحت الأعين على تاريخ العائلة السعودية الحاكمة في قمع معارضيها وملاحقتهم، وتكشف عن قصص مضى عليها عقود من الزمن.
فيصل الجربا
تشير الصحيفة إلى قصة فيصل الجربا، الذي فر من السعودية أواخر العام الماضي؛ بعد أن شعر بالخطر، على أثر اعتقال الرياض راعيه الأمير السعودي تركي بن عبد الله، وبعد أن توفي صديقه في أثناء احتجاز الحكومة إياه.
الجربا فر إلى الأردن، وهو شيخ عشيرة بارز، لينضم إلى أقاربه في العاصمة عمّان، لكن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو، إذ حاصرته مجموعة من الضباط الأردنيين في منزله مطلع يونيو الماضي، واقتادوه لغرض الاستجواب، على أمل أن يعود قريباً.
وتستدرك الصحيفة: "لكن في غضون أيام، تم اقتياده إلى الحدود السعودية وتسليمه للسلطات هناك"، بحسب شخصين يطلعان على تفاصيل القضية، ولم توجه إليه أي اتهامات.
وتضيف الصحيفة، نقلاً عن تلك المصادر: "إن عائلة الجربا البالغ من العمر 45 عاماً، وخلال خمسة أشهر من اعتقاله، لم تتلقَّ أي دليل على أنه ما زال على قيد الحياة".
ولم يكن الجربا معارضاً، لكنه كان مقرباً وصديقاً للأمير تركي بن عبد الله، الذي اعتُقل في نوفمبر الماضي، عندما شن ولي العهد محمد بن سلمان حملة على أفراد من العائلة المالكة ومسؤولين حكوميين، في إطار ما قيل إنها "حملة لمكافحة الفساد".
وعلى الرغم من أن أصدقاء الجربا وأقاربه لم يكونوا على اتصال به، فإنهم تمكنوا من جمع تفاصيل رحلته بعد احتجازه بحي عبدون في عمّان، مؤكدين أنه احتُجز فترة قصيرة في السفارة السعودية لدى الأردن قبل أن يتم اصطحابه للحدود.
وفي السعودية، أمضى عدة أسابيع في جدة ثم نُقل إلى منزل الأمير تركي، وطُلب منه فتح خزائن مؤمنة كانت في الداخل، وهناك روايات متضاربة عما إذا كان بمقدور الجربا القيام بذلك.
وافترض الجربا أنه سيكون آمناً في الأردن، بحسب شخصين مقربين منه، فهو شيخ عشيرة "شمر" الكبيرة، التي ترتبط بعلاقة قوية مع الملكية الأردنية.
ولم تردَّ المتحدثة باسم الحكومة الأردنية، فوراً، على طلبات التعليق على قضية الجربا، غير أن مسؤولين أردنيين قالوا لاحقاً لعائلته إنهم كانوا عاجزين عن وقف اختطافه. في حين مسؤول أردني تحدث للعائلة قائلاً: "هذا أكبر منا".
وتضيف الصحيفة أن السعودية سعت بكل ما تستطيع لإسكات معارضيها بالخارج، وهو أمر يمتد عقوداً من حكم آل سعود، لكن ولي العهد الذي وصفته بـ"الحاكم الفعلي"، اتبع هذه السياسة بطريقة أكثر علانية وتهوراً من أسلافه.
وتتابع: "منذ أن وصل لمنصب ولاية العهد قبل عام (في يوليو 2017)، جعل من إعادة المعارضين إلى البلاد سياسة رسمية للدولة"، بحسب ما ذكره مسؤول سعودي .
ويقول المصدر: "لإعادة منتقديها ومعارضيها، حاولت السعودية إجبارهم على العودة، أو تجنيد حكومات إقليمية للقيام بذلك، أو حتى تنفيذ عمليات اختطاف مزعجة داخل أوروبا".
معارض آخر
وتكشف الصحيفة عن اختفاء مواطنين سعوديين من غرف الفنادق، أو تم اختطافهم من السيارات التي كانت لديهم. وبحسب أحد المعارضين السعوديين في إفادته أمام محكمة أوروبية، فإنه تعرض قبل سنوات لعملية اختطاف.
وقال المعارض الشاهد الذي لم تكشف الصحيفة هويته: إنه "اختُطف بعد أن حُقن في رقبته ونُقل على متن طائرة خاصة من جنيف إلى السعودية. وبعد أن تمكن من مغادرة الرياض بعد سنوات، اختفى مرة أخرى ولم يُسمع عنه شيء منذ ذلك الحين".
وتقول ناشطة سعودية تقدمت بطلب للجوء إلى أمريكا: "إنهم (المعارضون) يدركون أن آل سعود من الممكن أن يقتلوهم أو يدمروا عائلاتهم. هذا الأمر كان قائماً على الدوام، ومحمد بن سلمان سعى منذ البداية لإسكات كل صوت معارض".
ناصر السعيد
وتعود أول حالة إبلاغ عن عملية اختطاف نفذتها السعودية، إلى 22 ديسمبر 1979، عندما اختفى ناصر السعيد، وهو شخصية معارضة كبيرة، وكان يقيم في بيروت وقتها.
السعيد فر من السعودية بعد قضاء سنوات في السجن؛ على أثر تنظيمه حركات احتجاج عمالية، وواصل من بيروت انتقاداته لآل سعود، مشيداً وقتها بعملية اقتحام مسلحين المسجد الحرام عام 1979.
السعودية آنذاك نفت تلك التقارير التي تحدثت عن عملية الاختطاف من بيروت بواسطة طائرة خاصة، حيث قالت الحكومة: "إنه شخص غير مهم".
الأمير سلطان بن تركي
وبينما لا يسمع الكثيرون عن شخصيات تعرضت للاختطاف ونُقلت إلى السعودية، فإن الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز، حفيد مؤسس السعودية، تمكن من الكشف عن تفاصيل خطفه بعد أن رفع دعوى قضائية في أوروبا عام 2014 ضد كبار المسؤولين السعوديين.
الدعوى تشرح تفاصيل عملية اختطافه التي نُفذت في 2003، بعهد الملك فهد، والتي شارك فيها كل من نجله عبد العزيز، وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية.
سلطان كان يتلقى العلاج في جنيف، وهو شخصية مترفة، لكنه كان كثير الانتقاد للمملكة وكان داعياً إلى الإصلاح الاقتصادي ومعالجة قضايا حقوق الإنسان، كما تصفه الصحيفة.
وفي هذا الإطار، يقول كلايد بيرجستر ساير، محامي الأمير سلطان في بوسطن: "تم تحذيره للتوقف عن تلك الانتقادات، وطُلب منه العودة وأن كل شيء سيكون على ما يرام، لكنه رفض ذلك".
وتتابع: "تم إرسال نجل الملك فهد ووزير لإقناعه بالعودة، حيث تمت دعوته إلى مقر إقامة العاهل السعودي (آنذاك) بإحدى ضواحي جنيف، وقبلها أجرى مقابلات مع قنوات عربية، ثم ذهب للقاء الملك ومعه حراس ألمان".
هؤلاء الحراس، كما تقول الصحيفة، تحدثوا لاحقاً عن أنهم شاهدوا الأمير سلطان مع ابن عمه في حمام السباحة قبل أن يدخل الرجلان إلى المكتبة دون حراس، وبعد وقت قصير وصل خمسة رجال ملثمين.
ويقول محامي الأمير سلطان: "تم طرحه أرضاً وحقنه بمخدر في عنقه، وقيل لحراسه لاحقاً إنه قرر العودة طواعية إلى السعودية".
وبعد سنوات، قال الأمير إنه كان رهن الإقامة الجبرية بين السجن والمستشفى، وسُمح له بمغادرة السعودية بعد أن أصيب بمرض شديد، حيث انتقل إلى بوسطن لتلقِّي العلاج، ورفع لاحقاً دعوى قضائية.
وفي 31 يناير 2016، ارتكب الأمير سلطان خطأ آخر، بحسب وصف محاميه، عندما قرر الصعود على متن طائرة سعودية بعد أن تلقى دعوة من والده لزيارة القاهرة، وهبطت في الرياض بدل القاهرة، ليتم اقتياده عنوة واحتجازه.
الأميران تركي بن بندر وسعود بن سيف
في الوقت نفسه تقريباً، اختفى اثنان من الأمراء في أوروبا، وتم الإبلاغ والإعلام عن هذه الحالات من قِبل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
أحدهم كان الأمير تركي بن بندر، الذي كان معروفاً بنبرته العالية ضد العائلة المالكة، حيث فر من السعودية عام 2015، في أعقاب نزاع على الأراضي، واستمر في الإقامة بالخارج.
أما الأمير الآخر، فهو سعود بن سيف النصر، الذي سبق أن حث على إجراء إصلاحات في السعودية، وأيد ذلك علناً في خطاب تم توزيعه عام 2015، دعا فيه إلى تغيير النظام.
وقد تم إقناعه بالركوب على متن طائرة خاصة إلى إيطاليا، بسبب ما يعتقد أنه كان في رحلة عمل، لكن لم يُسمع عنه منذ ذلك الحين، حسب هيئة الإذاعة البريطانية.
وفي مارس الماضي، تم توقيف الناشطة السعودية لُجين الهذلول بأبوظبي في أثناء قيادتها السيارة، وجرى ترحيلها إلى السعودية، كما تم خطف زوجها فهد البطيري وترحيله، من إحدى الغرف الفندقية في الأردن.