ملفات » قضية جمال خاشقجي

كيف رسخ بن سلمان سلطته بالانتقام من أسرة الملك عبدالله؟

في 2018/11/07

واشنطن بوست- ترجمة زياد محمد -

في مكان ما من المملكة العربية السعودية، ما يزال الأمير "تركي بن عبدالله" محبوسا، كان "تركي" (47 ​​عاما) في يوم من الأيام سليلا ذهبيا للعائلة المالكة في السعودية، فهو ابن بارز للملك الراحل "عبدالله" وطيار مقاتل حاصل على درجات علمية متقدمة تدرب في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما كان الحاكم القوي للرياض، ثم المدير التنفيذي لمؤسسة الملك عبدالله التي تبلغ ميزانيتها مليارات الدولارات، والتي تمول أعمالا خيرية في جميع أنحاء العالم.

لكنه الآن ضمن عدد غير معروف من السعوديين ذوي الثراء الفاحش الذين ما زالوا محتجزين بعد عام كامل من قيام ولي العهد "محمد بن سلمان" بإذهال العالم حين حول فندق "ريتز كارلتون" الفخم في الرياض إلى سجن خمس نجوم لبعض من أبرز مواطني البلاد فيما سماه "حملة لمكافحة الفساد".

أمراء قيد الحبس

لا يزال "تركي" الذي يتهمه المسؤولون بتلقي أموال غير مشروعة من مشروع بناء مترو الأنفاق في الرياض، محتجزا دون أي تهم رسمية، كما قُبض على رئيس مدير مكتبه "علي القحطاني" الذي توفى رهن الاحتجاز في ظروف لم يتم شرحها بشكل كامل.

وفي مطلع هذا العام، قال المدعي العام السعودي إن 56 رجلا لا يزالون محتجزين، بعضهم قيد تحقيقات جنائية، في حين تم استرداد أكثر من 106 مليارات دولار في صورة نقد وعقارات وأعمال تجارية وأوراق مالية وأصول أخرى في عملية "الريتز".

وقال الأمير "محمد بن سلمان" في مقابلة الشهر الماضي مع وكالة "بلومبرغ" إن 8 رجال فقط ما زالوا محتجزين، ولم يقدم أي تفاصيل أخرى باستثناء القول: "إنهم مع محاميهم ويحاكمون بموجب النظام في المملكة".

لكن أشخاصا آخرين على دراية بالاعتقالات قالوا إن الرقم أعلى بكثير، حيث لا يزال 45 من محتجزي فندق "ريتز" مسجونين إلى الآن.

قد يكون أحد هؤلاء قد نال حريته يوم الجمعة عندما أفرجت السلطات السعودية عن الأمير "خالد بن طلال"، 56 عاما، وهو ابن عم الأمير "تركي"، وهو رجل أعمال بارز محافظ دينيا، تردد أنه عارض قرار ولي العهد بتخفيض صلاحيات الشرطة الدينية.

وقال ناشطون في مجال حقوق الإنسان ومحللون آخرون إن الأمير "محمد بن سلمان" قد يقوم بإطلاق سراح المزيد من المعتقلين للمساعدة في تهدئة الغضب الدولي بشأن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في 2 أكتوبر /تشرين الأول.

وقال "يحيى عسيري" وهو ناشط سعودي في مجال حقوق الإنسان يعيش في المنفى في لندن: "إنهم لا يريدون القيام بذلك، لكنهم يتعرضون لضغوط، وسوف يفعلون ذلك لتخفيف بعض الضغوط".

لكنه حذر من المبالغة في أهمية الإفراج عن "خالد بن طلال"، مشيرا إلى أنه تم القيام به أساسا لتعزيز الدعم لـ"محمد بن سلمان" داخل العائلة المالكة في وقت يتعرض فيه ولي العهد ووالده الملك للضغط.

وقال "آدم كوغل" الباحث في الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" الذي يراقب المملكة عن كثب: "أعتقد أنه يحاول إظهار وحدة الأسرة في وجه الانتقادات".

حملة لتحييد المنافسين

ساعدت حملة "بن سلمان" على السعوديين الأثرياء قبل عام في تعزيز سيطرته على العديد من الأفراد الأقوياء في البلاد وتحييد منافسيه السياسيين المحتملين داخل العائلة المالكة.

وقال أحد المقربين من العائلة المالكة: "الأمر يتعلق بالمال والسلطة، يدرك محمد بن سلمان أنه إذا قمت بسحب أموالهم، فإنك تسلب سلطتهم".

وفي مواجهة الاعتقالات طويلة الأمد أو العقوبات الأخرى، وافق بعض محتجزي "الريتز" على تسليم الأموال المطلوبة، والتي غالبا ما كانت تصل إلى معظم قيمة ثرواتهم، وفقا لروايات من العائلة والأصدقاء ومجموعات حقوق الإنسان.

وأشاد العديد من السعوديين والمراقبين الأجانب بالأمير "محمد بن سلمان" على ما يعتبرونه تصفية حساب طال انتظارها للأمراء الذين تعاملوا لفترة طويلة مع أراضي المملكة ونفطها وثرواتها باعتبارها ملكا لهم.

لكن آخرين يرون أن الاعتقالات -والتقارير المتعلقة بالتعذيب في الفندق الفخم- هي خطوة وحشية من قبل "بن سلمان" لتسوية الحسابات وترسيخ سلطته الشخصية، ويقول النقاد إن هذا التفسير يلائم سجله في اعتقال عشرات من ناشطي حقوق الإنسان والنساء وحتى رجال الدين الذين يختلفون مع سياساته.

وينكر المسؤولون السعوديون بشدة أن أي شخص قد تعرض للتعذيب: وقال أحد المسؤولين "هذا ليس من شيمنا، نحن لا نعذب، هذه الكلمة لم تكن أبدا في مفرداتنا في السعودية".

صراع أجنحة العائلة

يبدو أن ولي العهد استهدف عائلة الملك الراحل "عبد الله" بشكل خاص. وقال العديد من المراقبين إن ذلك نتاج توترات بين جناح الملك الراحل "عبدالله" وجناح "سلمان" من العائلة، وهي توترات تعود إلى سنوات عديدة، ولكنها أصبحت واضحة بشكل خاص بسبب الصعود السريع لـ"بن سلمان" في هرم السلطة.

كان "تركي بن عبدالله" قد ازداد قلقه في السنوات الأخيرة من علامات تصاعد سلطات "بن سلمان"، وخاصة سيطرته على وحدة التحقيق في وزارة الداخلية "التي يمكن استخدامها لصنع كل أنواع الاتهامات"، وفق ما قاله أحد الأشخاص المقربين من العائلة المالكة.

وبالإضافة إلى سجن "تركي"، اعتقل الأمير "محمد" ثلاثة من أبناء الملك "عبدالله" الآخرين، ومن بينهم الأمير "متعب" البالغ من العمر 65 عاما وتم تجريده من وظيفته كرئيس للحرس الوطني، كما تم اعتقال الأمير "فيصل" (40 عاما)، وهو رئيس سابق لهيئة الهلال الأحمر السعودي، والأمير "مشعل"، الحاكم السابق لمنطقة مكة المكرمة، لفترة وجيزة بعد أن اشتكيا من وفاة "القحطاني" (55 عاما) والذي كان "في أتم صحته" عندما تم القبض عليه، وفقا لشخص مقرب من العائلة المالكة.

كما تم احتجاز الأمير "سلمان بن عبدالعزيز بن سلمان" ( 36 عاما) بعد شهرين من حملة "الريتز"، وهو متزوج من ابنة الملك "عبدالله"، كما ألقي القبض على والده، وما زال الاثنان رهن الاحتجاز دون توجيه اتهامات رسمية.

وقال العديد من الأشخاص الذين لهم علاقات بالعائلة المالكة إن تركيز الأمير "محمد" على عائلة عمه "عبدالله" يأتي في سياق تهميش المنافسين المحتملين على السلطة والاستيلاء على صندوق تمويل مؤسسة الملك "عبدالله"، الذي يشرف عليه "تركي"، والذي تقدر قيمته بـ20 مليار إلى 30 مليار دولار.

وبدأ الملك "سلمان"، بينما كان لا يزال حاكم منطقة الرياض، بتهيئة ابنه للقيام بأدوار قيادية، حيث عينه مستشارا أعلى وهو لا يزال في أوائل العشرينات من عمره، وعندما أصبح "سلمان" وليا للعهد ووزيرا للدفاع في عام 2012، فإنه استعان بخدمات نجله من جديد.

في ذلك الوقت، كان الملك "عبدالله" قلقا بشأن صعود "بن سلمان"، وفقا لدبلوماسي غربي سابق له عقود من الخبرة في الرياض، وقال الدبلوماسي: "كان الملك عبدالله قلقا بشأن هذا النوع من السلطة الذي يمنح للشاب الذي لم يكن حتى قد أتم الثلاثين من عمره".

وقبل نحو عقد من الزمن، أثار "بن سلمان" غضب الملك "عبدالله" عندما اشتكى مستشار اقتصاديا كبير إلى الملك بشأن استثمارات "بن سلمان" في سوق الأسهم، مما دفع الديوان الملكي إلى تقريعه، وفقا لما قاله شخص مقرب من العائلة المالكة.

في وقت لاحق، أغضب "بن سلمان" مرة أخرى الملك "عبدالله" بطرده عددا من البيروقراطيين في وزارة الدفاع، وفقا لما قاله المصدر المطلع، وتحرك الملك "عبدالله" لتقييد صلاحيات ابن أخيه في وزارة الدفاع.

كان الاستياء موجودا لدى الطرفين، فقد قال الدبلوماسي إن "سلمان" قبل أن يصبح ملكا غضب عندما عين الملك "عبدالله" فرعه الخاص من العائلة في منصب حاكم الرياض، وقال الدبلوماسي إن "سلمان" كان يشغل المنصب منذ عام 1963 وأراد الاحتفاظ به في أسرته.

يُعاملون كالمجرمين

وفقا لتقارير إعلامية عديدة، فإن بعض معتقلي "ريتز كارلتون" محتجزون في سجن الحائر شديد الحراسة جنوب الرياض، ويقال إن آخرين يقبعون في منازل خاصة ويطلب منهم ارتداء أجهزة مراقبة على الكاحل.

تشكل قائمة الأشخاص الذين ما يزالون محتجزين، وفقا لتقارير وسائل الإعلام والروايات الواردة من أفراد العائلة والأصدقاء وغيرهم من أفراد العائلة القريبة من العائلة المالكة كل من "عادل فقيه" (59 عاما) حاكم جدة السابق ووزير الاقتصاد والتخطيط السابق، و"وليد فتيحي" (54 سنة) وهو طبيب بارز قام بتقديم برنامج تلفزيوني شهير يتعلق بالصحة، أسس مستشفى في جدة ويحمل الجنسية الأمريكية.

وهناك أيضا "عمرو الدباغ" (52 عاما) رئيس مجموعة "الدباغ" ومقرها جدة والرئيس السابق للهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، وهو أحد المناصب الاقتصادية العليا في البلاد إضافة إلى "محمد حسين العمودي" (72 عاما) وهو رجل أعمال سعودي إثيوبي يملك أصولا صافية بقيمة 8.1 مليار دولار بما في ذلك استثمارات متنوعة في مصفاة نفط سويدية ومحطات غاز سعودية وتكتل إثيوبي يشارك في تعدين الذهب والزراعة والإنشاءات.

وأخيرا هناك "بكر بن لادن"، رئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن السعودية القوية، والبالغة قيمتها مليارات الدولارات، وهي واحدة من الشركات الأكثر نجاحا وتأثيرا في البلاد.

وبغض النظر عن مدى العداوة بين جناحي "سلمان" و"عبدالله" من العائلة المالكة أو ألمحاولة لتركيع أثرياء السعودية، يرى بعض المراقبين أن المنافسات الإقليمية التاريخية تلعب دورا في الاعتقالات، مشيرين إلى أن الكثير من هؤلاء المحتجزين كانوا من منطقة الحجاز على البحر الأحمر، بما في ذلك جدة والمدن المقدسة مكة والمدينة.

ويقول "روبرت ليسي"، المؤرخ البريطاني الذي كتب على نطاق واسع عن المملكة والعائلة المالكة: "هذه هي العائلات التي ساعدت عبدالعزيز في توحيد وبناء البلاد في العشرينيات والثلاثينيات، الآن يعُاملون كمجرمين".