إنترناشونال بوليسي دايجست- ترجمة شادي خليفة -
تستعد المملكة العربية السعودية لعلاقة محتملة أكثر توترا مع الولايات المتحدة، في أعقاب سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي هذا الأسبوع، وتكثيف الجهود التركية لركود المملكة في أزمة "خاشقجي".
ولمواجهة الضغوط الأمريكية المحتملة، تستكشف المملكة الفرص لتنويع مورديها من الأسلحة، وبناء صناعة دفاعية محلية.
كما تعمل المملكة على حشد الرأي العام في الداخل، من خلال المساعدات المالية ومشاريع التطوير الجديدة، في محاولة لتعزيز الدعم المحلي لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".
وكان انتصار الديمقراطيين في الانتخابات قد عزز المخاوف السعودية من أن إدارة "ترامب" قد تضغط على المملكة للتراجع عن القضايا الرئيسية، مثل حرب اليمن التي أشعلت أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية لدولة قطر بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ 17 شهرا.
وقد جادل مسؤولون أمريكيون بأن السياسات السعودية تعقد جهودهم لعزل إيران وإعاقتها اقتصاديا.
ويؤكد المسؤولون أن مقاطعة قطر، وسقطة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، يشكلان عقبات أمام إنشاء تحالف سني مسلم ضد إيران، يطلق عليه اسم "الناتو العربي"، بالإضافة إلى تحقيق أهداف أمريكية أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك مكافحة العنف السياسي وضمان التدفق الحر للنفط.
وفي خطوة أخرى إلى الأمام، يقول كبار الإسرائيليين إنهم تخلوا عن فكرة وجود تحالف سني مسلم تتفق مصالحه مع مصالح الدولة اليهودية، ويرون علاقاتهم الناشئة مع دول الخليج أفضل في وضعها الحالي.
وقد أشارت إدارة "ترامب" إلى مخاوفها حتى قبل مقتل "خاشقجي".
وكان مستشار الأمن القومي "جون بولتون"، قد كتب إلى وزير الخارجية "مايك بومبيو"، قائلا: "يتنافس شركاؤنا الإقليميون بشكل متزايد، وهم في حالة الأزمة القطرية يدخلون في منافسة مباشرة على حساب المصالح الأمريكية ولصالح إيران وروسيا والصين".
وهو نفس ما قاله وزير الدفاع "جيم ماتيس" في خطاب في وقت متأخر من الصيف الماضي، وفقا لـ"رويترز".
ومع توقع أن يكون مجلس النواب أكثر صرامة بشأن بيع الأسلحة إلى المملكة، وربما يذهب إلى فرض حظر على الأسلحة بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن التي تسببها العمليات العسكرية السعودية والإماراتية، لم تهدر المملكة أي وقت في البحث عن مصدر بديل للأسلحة.
وفي اعتراف واضح بأن الجيش السعودي، الذي يعتمد على عمليات الاستحواذ على الأسلحة في الولايات المتحدة وأوروبا، سيجد صعوبة في التحول بسرعة إلى الأنظمة الروسية أو الصينية، يبدو أن المملكة العربية السعودية تركز في الوقت الحالي على موردين غربيين بديلين.
وقد يثبت ذلك أنه محفوف بالمخاطر مع المشاعر المعادية للسعودية بسبب الحرب اليمنية التي ترتفع معارضتها أيضا في البرلمانات الأوروبية، وتأرجح بلدان مثل إسبانيا وألمانيا بين العقوبات أو وضع قيود على مبيعات الأسلحة إلى المملكة.
ومع ذلك، تعاقدت المملكة في الأيام الأخيرة مع شركة بناء السفن الإسبانية "نافانتيا" لبناء ٥ طرادات تابعة للبحرية السعودية، وقدمت مجموعة الدفاع "دينيل"، المملوكة للدولة في جنوب أفريقيا، مليار دولار لمساعدة المملكة في بناء صناعة دفاع محلية.
وستشمل الشراكة مع "دينيل" حصول المملكة على حصة أقلية في شركة مقاولات الدفاع الألمانية "راين ميتال"، التي تصمم عربات قتالية مدرعة ومدافع "الهاوتزر".
ومع تعثر بيع الذخائر الدقيقة الموجهة من الولايات المتحدة في الكونغرس، دخلت إسبانيا في الواجهة لسد الحاجة السعودية بشكل فوري.
لكن السؤال هو ما إذا كانت إسبانيا قادرة على تلبية الطلب السعودي بالكامل.
وقد مهد الرفض الأمريكي قبل أزمة الخليج وحادثة "خاشقجي" لمشاركة المملكة العربية السعودية أحدث تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، الطريق أمام الاتفاق مع الصين لفتح أول منشأة إنتاج دفاعية في الخارج في المملكة.
وستقوم شركة العلوم والتكنولوجيا الفضائية الصينية "كاسك"، المملوكة للدولة، بتصنيع طائرة "رينبو" بدون طيار، بالإضافة إلى المعدات المرتبطة بها في السعودية.
وتعد "رينبو" قابلة للمقارنة مع طائرة الولايات المتحدة المسلحة بدون طيار من طراز "إم كيو 9".
كما تخشى السعودية من أن تؤدي سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب إلى تقوية معارضة اتفاقية الطاقة النووية مع المملكة. وقد دعا 5 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الرئيس "دونالد ترامب" قبل أيام من انتخابات التجديد النصفي إلى تعليق المحادثات مع السعودية.
وسوف يخدم تطوير صناعة دفاعية بمرور الوقت جهود "بن سلمان" لتنويع الاقتصاد السعودي وخلق فرص العمل.
وهكذا، يشهد هذا الأسبوع افتتاح الملك "سلمان" 259 مشروعا تنمويا بقيمة 6.13 مليار دولار، تتراوح بين السياحة والكهرباء والبيئة والمياه والزراعة والإسكان والنقل، مرورا بالطاقة.
وقد أطلق الملك "سلمان" المشاريع خلال زيارة مقتضبة للمحافظات والمناطق السعودية تهدف إلى تعزيز الدعم لنظامه وكذلك لابنه "محمد".
ومن ناحية أخرى، فإن أحدث قرار اتخذته الحكومة باستئناف العلاوات والبدلات السنوية لموظفي الخدمة المدنية والعسكريين، دون ربطها بالأداء، يشكل محاولة لكسب تأييد الجمهور بشكل يتعارض مع عزم "بن سلمان" تبسيط البيروقراطية وتحفيز المنافسة.
وكانت المكافآت قد تم تخفيضها عام 2016 كجزء من إجراءات التقشف، وقد تم ترميمها العام الماضي، وارتبطت في مايو/أيار بأداء وظيفي.
وفي خطوة أخرى شعبوية، أصدر الملك "سلمان" عفوا عن السجناء الذين يقضون فترات في تهم مالية، ووعد بدفع ديون تصل إلى 267 ألف دولار عن كل واحد منهم.
وتبدو تحركات الملك "سلمان" مصممة لتخفيف الاعتماد السعودي على مبيعات الأسلحة الأمريكية، وتأسيس جبهة موحدة ضد أي محاولة لتوريط "بن سلمان" في وفاة "خاشقجي".
وتأتي هذه التحركات بينما يصر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على أن الأمر بقتل الصحفي جاء "من أعلى المستويات في الحكومة السعودية"، كما تطالب إدارة "ترامب" بتحرك السعودية ضد الجناة والمسؤولين عن القتل.
وقد تنجح الإجراءات الأخيرة في مساعدة الملك "سلمان" في حشد الدعم في الداخل، ولكنها لن تفعل الكثير لإضعاف النداءات في واشنطن والعواصم الأوروبية باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في محاولة لإجبار السعودية على كشف ملابسات قضية "خاشقجي"، واعتماد نهج أكثر تصالحية نحو إنهاء حرب اليمن، وحل أزمة الخليج.