وكالات-
بدأت الأدلة تتكشّف شيئاً فشيئاً عن تورّط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في إعطاء الأوامر بقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، في 2 أكتوبر الماضي.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أمس الاثنين، نقلاً عن ثلاثة أشخاص على صلة بالتحقيقات في مقتل جمال خاشقجي، أن الضابط السعودي ماهر المطرب -أحد منفِّذي عملية الاغتيال- اتصل هاتفياً من إسطنبول بمساعد لوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، طالباً منه إبلاغ رئيسه بأن المهمّة أُنجزت.
وعلى الرغم من أن اسم ولي العهد لم يرد في التسجيل، فإن المخابرات الأمريكية –وفق نيويورك تايمز- تعتقد بأن كلمة "رئيسك" كانت إشارة إلى ولي العهد السعودي.
ووصف ضباط استخبارات سابقون أقوال ماهر المطرب بأنها أقوى الأدلة الدامغة في القضية.
وكان الضغط الدولي دفع السعودية إلى إقرارها بالمسؤولية عن مقتل مواطنها، وإعلانها توقيف أشخاص وإقالة آخرين بعد 18 يوماً مرّت على الجريمة التي هزّت الرأي العام العالمي.
وماهر عبد العزيز المطرب، كان واحداً من بين 18 شخصاً أعلنت الرياض توقيفهم للاشتباه بهم في مقتل الصحفي السعودي، وقالت وقتها إن "التحقيق معهم مستمرّ حتى تقديمهم للعدالة".
وفي تفاصيل رواية سعودية سابقة؛ قال النائب السعودي العام، سعود بن عبد الله المعجب: "إن التحقيقات الأوّلية في موضوع المواطن خاشقجي أظهرت وفاته في شجار وقع داخل القنصلية".
وحسب الرواية التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية مؤخراً، فإن "التحقيقات أظهرت أن المناقشات التي تمّت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أدّت لشجار واشتباك بالأيدي".
وعطفاً على تصريحات المعجب، خرج مصدر سعودي ليقول: إن "الشخص (لم يذكر هويته) الذي تشاجر مع خاشقجي ذهب لمقابلته بعد ظهور مؤشرات تدلّ على إمكانيّة عودته للبلاد".
وأضاف المصدر: إن "مناقشات الشخص الذي ذهب لمقابلة خاشقجي تطوّرت بشكل سلبي، ما أدّى إلى حدوث شجار، وبعد وفاته إثر العراك مع المشتبه بهم تمت محاولة التكتّم على ما حدث والتغطية عليه".
وبينما لم يشر المصدر إلى هوية الشخص، أكّدت وكالة "رويترز"، نقلاً عن مصدر سعودي، "اختيار الضابط المطرب لعملية التفاوض مع خاشقجي للعودة إلى أرض الوطن".
بدورها أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى المطرب كأحد المشتبه بهم بالجريمة. وقالت إنه كان دبلوماسياً في السفارة السعودية بلندن، عام 2007.
من هو المطرب؟
بعد أيام من إعلان صور المشتبه بهم عبر وسائل إعلام تركية، انفردت صحيفة "صباح" بنشر صورة ملتقطة عبر كاميرا مراقبة، قالت إنها لتحرّكات "المطرب" أثناء الدخول إلى القنصلية والخروج منها.
كما "نشرت نيويورك تايمز" صوراً قالت إنها لأحد المتّهمين بقتل خاشقجي، ويُدعى ماهر عبد العزيز المطرب، برفقة وليّ العهد السعودي خلال زيارته إلى واشنطن، في مارس 2018، وإلى مدريد وباريس، في أبريل 2018.
"المطرب" (1971) يعمل برتبة عقيد في الاستخبارات السعودية، وسبق أن عمل في السفارة السعودية بلندن سنتين، وبعدها غادر وحلّ محله المقدَّم راجح البقمي مديراً لمكتب الاستخبارات في السفارة.
وعن علاقته بالجريمة، فإن المعلومات تقول إنه جاء ضمن الفوج الأول من فريق الاغتيال، وتشير ترجيحات إلى أن مهمّته كانت التحقيق مع خاشقجي نظراً لطبيعة عمله في جهاز الاستخبارات.
هذا الرجل، كما جاء في تقرير الصحيفة، يُعتبر مقرّباً من بن سلمان، وهو من بين الأشخاص الذين حدّدت السُّلطات التركية أنهم ضمن المشتبه فيهم.
وحسب تقرير لشبكة "CNN" الأمريكية، فقد نقل عن مصدر موثوق قوله: "إن الضابط رفيع المستوى مقرّب من الدائرة الداخلية لولي العهد السعودي".
وتحدثت وسائل إعلام تركية مؤخراً عن أن "المطرب أجرى 19 اتصالاً مع السعودية يوم قتل خاشقجي؛ منها 4 مع مكتب سكرتير بن سلمان"، مؤكّدة أنه "منسّق العملية"، وأنه "تم استئجار الطائرتين باسمه".
خبير التجسس
شبكة "BBC" البريطانية، وفي إطار ما وصفته بتفاصيل مثيرة عن "المطرب"، قالت إنه أحد أعضاء الفريق المكوّن من 15 سعودياً والمشتبه بتورّطهم في مقتل خاشقجي.
ونقلت عن مدرّب أوروبي أشرف على تدريب "المطرب" على القرصنة التكنولوجية قوله إنه قُدّم إليه بصفته "عميلاً في الاستخبارات الأمنية".
التدريب، حسب "BBC"، شمل عدة مواضيع مثل إصابة أجهزة كمبيوتر الشخصيات المستهدفة بفيروسات لغرض التجسس، والحصول على معلومات عن تلك الشخصيات.
وهذه المعلومات تشمل كل شيء عن الشخصية؛ من تحديد أماكنها ومحادثاتها عبر التنصّت من خلال مايكروفون الجهاز نفسه، وكشف صورها وملفاتها وبريدها الإلكتروني وشبكة اتصالاتها، وكل شيء متعلّق بها.
وحسب المصدر نفسه، فإن "المطرب قضى أسبوعين عام 2011 يتلقّى التدريب حول استخدام التكنولوجيا حتى تستطيع الحكومة السعودية تنفيذ هجمات على الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بمواطنيها".
وكان المشتبه به خلال التدريب الذي جرى في مجمع عسكري بضواحي الرياض، كما يقول المدرّب: "يأتي ويذهب، وكنّا نطلق عليه الوجه المظلم؛ لأنه كان دائم العبوس، لقد كان يلتزم الصمت دائماً".
ومضى: "إنه لم يكن بارعاً في الجانب الفني. فقد قُسم الفريق إلى مجموعة تقوم بعمليات الاستخبارات، وأخرى كانت تُجري أعمال الرصد الرقمي، وأعتقد أنه (المطرب) كان ينتمي للمجموعة الأولى أكثر من الثانية".