مريم مرغيش- DW- عربية-
تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي بخصوص "عدم تورط" محمد بن سلمان في قضية خاشقجي، أعاد التكهنات لنقطة الصفر. فماذا يجري وراء الكواليس بين أنقرة وواشنطن حول مقتل خاشقجي ودور ولي العهد السعودي في العملية؟
كلما ضاقت دائرة الاتهام على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، تعود لتتسع مرة أخرى بظهور تصريحات جديدة تنفي تورطه في القضية. آخر هذه التصريحات، ما أدلى به مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الثلاثاء (13نوفمبر/ تشرين الثاني 2018).
ففي محاولة منه للدفاع عن ولي العهد السعودي، قال بولتون: "إن من استمعوا لتسجيل مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، في تركيا الشهر الماضي، وعلاقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قالوا إنه لا يتضمن ما يشير إلى علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالحادثة".
غير أن صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلت اليوم الثلاثاء عن ثلاثة أشخاص مطلعين على تسجيل مقتل خاشقجي أن عضواً من الفريق، الذي نفذ عملية قتل خاشقجي قال لرئيس له عبر الهاتف "أبلغ رئيسك" - وهو من قالت الصحيفة إنه يُعتقد أن يكون محمد بن سلمان- بأنه تم تنفيذ المهمة.
وقالت الصحيفة إن العميل السابق لدى جهاز "سي. آي. أيه" برس أو ريدل يعتبر المكالمة الهاتفية هذه دليلا قويا على تورط ولي العهد في القضية وهو ما سيزيد من الضغط على البيت الأبيض لممارسة مزيد من الضغوطات على الرياض ودفعها لكشف ملابسات الجريمة وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
تركيا تضمن النهايات؟
بعد الإجابة على السؤال الأبرز: هل قُتل خاشقجي؟ اتجهت علامات الاستفهام مباشرة نحو الفاعل. ولحدود الساعة لا اتهام فعلي لمرتكب محدد للجريمة. ففي الوقت الذي يُدافع فيه الرئيس التركي أردوغان عن الملك السعودي بقوله: "لا أشك في صدق الملك سلمان"، يوجه تلميحاته إلى ابنه محمد بن سلمان بتصريحه إن قتل خاشقجي "صدر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية".
معطيات كثيرة تذهب إلى أن تركيا تدير اللعبة، وهو ما يؤكده الخبير في الشأن التركي، محمد غياث سحلول في حديثه لـDWعربية. فقد أفاد أن "تركيا تلعب لعبة ذكية جدا، تدلي بمعلومات للاستخبارات السعودية والأمريكية أو غيرهما، في حين لا تزود الاعلام إلا بالضروري أو المستهلك منها الذي لا يفيد في التحقيق".
المتحدث نفسه أكد أن إبعاد أنقرة للتهمة عن الملك سلمان يمكنه أن يعني أن ولي العهد متهم، لكنه يعني أيضا أن تركيا تضمن النهايات؛ "إذا أظهرت التحقيقات أن من أعطى الاتهام ليس ابن سلمان فستكون تركيا قد حفظت ماء وجهها"، يقول غياث سحلول مؤكدا أنه "من الطبيعي أن تستغل أي دولة ما يجري لمصلحتها، عندما يكون الأمر متعلقا بمثل هذه الجريمة".
بالمقابل، يقول سليمان العقيلي، الكاتب والمحلل السياسي السعودي "إن جميع قادة دول العالم لم تقل إن هنالك رابط بين حادثة إسطنبول والقيادة السعودية أو جزء منها، ما عدا أردوغان" وأن "تركيا تبرئ الملك سلمان لتفسح الطريق لاتهام مَن تحته، وهذه لعبة سياسية مكشوفة".
الخبير السعودي في تصريحه لـDWعربية، اعتبر أن تركيا "تقف اليوم وحيدة في أساليبها الملتوية"، وتابع حديثه: "ليس لها الحق بأن تتهم أحداً، سوى المتورطين في الحادث. وما سوى ذلك فهو يعتبر اتهاماً سياسياً لا قيمة جنائية له"، يضيف المتحدث.
أمريكا "تستنزف" الجيوب!
حسب ما جاء في وكالة "بلومبرغ" للأنباء فإن مستشار الأمن القومي الأمريكي قال للصحفيين في سنغافورة، حيث يشارك في قمة إقليمية، إنه لم يسمع التسجيل بنفسه. ورداً على سؤال عما إذا كان التسجيل يشير إلى صلة ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي لبلاده بالحادثة، قال بولتون :"ليس ذلك هو الاستنتاج الذي خلُص إليه من استمعوا له، وبالتأكيد هذا ليس موقف الحكومة السعودية".
تصريح بولتون قد يؤكد أن أمريكا تحاول أن تبقى بعيدة عن الموضوع أو أن لا تتهم ابن سلمان، رغم تشديد بولتون على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد على ضرورة كشف كل الملابسات المتعلقة بالقضية.
في هذا الاتجاه، قال الخبير في الشؤون التركية محمد غياث سحلول إن هنالك تضارباً كبيراً فيما يدلي به ترامب ومن معه بالبيت الأبيض، فمرة يبرئون ابن سلمان ومرة يتهمونه. وحسب غياث سحلول فإن الموقف الأمريكي قد يكون استنزافاً مادياً لابن سلمان وربما عزله، فـ"الأوراق الرابحة تملكها تركيا ويحاول الأمريكيون نزعها منها، لكنهم لحد الآن لم ينجحوا إلا في استنزاف السعودية ماديا.."، يؤكد الخبير.
وعلى العكس من ذلك، يرى الخبير السعودي سليمان العقيلي أن الموقف الأمريكي اتسم بالحذر والترقب أمام الاندفاع التركي لتصعيد القضية الذي جر السعودية إلى أزمة دولية، وأضاف: "لم يساير الأمريكيون أنقرة في شهوتها للاستثمار السياسي لهذه القضية في عملية تصفية حسابات مع ولي العهد السعودي الذي كانت علاقته باردة بأردوغان بسبب انحياز أنقرة إلى الدوحة في الأزمة الخليجية".
إلا أن العقيلي يقول أيضا إن: "واشنطن ليست مستعدة لخسارة أي من حلفائها بالمنطقة بالخصوص السعودية الدولة المركزية في المنطقة ذات الوزن الاقتصادي والجيوسياسي".
صحيفة "واشنطن بوست"، كتبت في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أن "رد فعل الإدارة الأمريكية على القتل، حتى الآن، لم يكن أكثر من محاولة للتحكم في الأضرار، نيابة عن المؤلف المحتمل للعملية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان". فهل يعني هذا أن أمريكا تود الحفاظ على الأمير؟
الإجابة حسب الخبير السعودي العقيلي، جاءت بالنفي. فحسب رأيه، ولي العهد السعودي ليس بحاجة لحماية الولايات المتحدة، فهو تحميه الأسرة المالكة والشعب السعودي. وبرر موقف أمريكا مما يحدث بكون واشنطن صديقا سياسيا للرياض.
وبالرجوع إلى تصريحات جون بولتون اليوم التي أنزلت أصبع الاتهام عن الأمير بن سلمان، يفيد العقيلي أن "الولايات المتحدة والعالم كله ليس له مصلحة في تسييس هذه الجريمة وإعطائها أبعاداً أكبر من أبعادها الطبيعية، ما عدا أردوغان".
أما الخبير في الشأن التركي غياث سحلول فيرى أن القضية متشابكة فيما يخص الجانب التركي، ولا تعني بالضرورة عزل ابن سلمان وإنما لها أبعاد أخرى يمكن ملاحظتها من خلال المناشدة بوقف الحرب في اليمن مثلا.