ملفات » قضية جمال خاشقجي

بوادر شقاق سعودي أمريكي.. هل تصبح موسكو بديلا لواشنطن؟

في 2018/11/15

خالد سلامة- DW- عربية-

عقوبات أمريكية محتملة على السعودية على خلفية حرب اليمن وقضية خاشقجي. ما المدى الذي يمكن أن تصله العقوبات؟ وهل ستدفع الرياض إلى مزيد من الاتجاه شرقاً: صوب موسكو؟

في سماء العلاقة بين واشنطن والرياض تتلبد غيوم جديدة: مشرعون أمريكيون يتوقعون إجراء تصويت قبل نهاية العام الجاري على معاقبة السعودية بشأن حرب اليمن وقضية الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي. السناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قال اليوم الأربعاء (14 تشرين الثاني/نوفمبر 2018) إن "أعضاء مجلس الشيوخ يبحثون عن طريقة ما ليظهروا للسعودية ازدراءهم لما حدث مع الصحفي، ولكن أيضاً مخاوفهم بشأن الطريق، الذي ذهب إليه اليمن".

وأضاف كوركر "في حالة التوصل إلى صفقة أسلحة، سيكون من الصعب جدا أن نحميها من الإلغاء، على الأقل في مجلس الشيوخ". وذكر كوركر أن معاونيه طلبوا من وزيري الخارجية مايك بومبيو والدفاع جيم ماتيس ومديرة وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إيه) جينا هاسبل أن يأتوا إلى الكونغرس في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر لتقديم إفادة سرية للتصدي للمخاوف المتعلقة باليمن ومقتل خاشقجي.

صدام حسين "جديد"

المحلل السياسي المصري المقيم في الولايات المتحدة، حافظ الميرازي، يتحدث عن "اتفاق" أوروبي-أمريكي على ضرورة إنهاء الحرب في اليمن. وبالنسبة لقضية خاشقجي يرى الميرازي أن العقوبات قد تتطور من مجرد عقوبات على المتورطين السعوديين لتصل إلى أمور أبعد من ذلك، مضيفاً في حديث خاص بـ DW عربية أنه وخلال سنوات قد يتحول محمد بن سلمان لشخصية مثل صدام حسين في عين الغرب. إلا أنه يعود ويستدرك: "الاحتمال ما يزال بعيداً ومن المبكر التفكير في مثل هذا السيناريو، ولكنه يبقى قائماً".

واحتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي، لكنهم فقدوا أغلبيتهم في مجلس النواب لصالح الديمقراطيين. غير أن الجمهوريين سيظلون مسيطرين على مجلس النواب لحين دور الانعقاد الجديد للكونغرس في يناير/ كانون الثاني، وصوتوا يوم الثلاثاء لصالح وقف تشريع في إحدى اللجان، من شأنه أن ينهي الدعم الأمريكي للحرب في اليمن. وألمحت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي إلى أن الأمور قد تتغير عندما يسيطر الديمقراطيون على المجلس إن لم يكن قبل ذلك. وقالت في بيان "يتعين على الكونغرس اتخاذ إجراء حقيقي وفوري لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية المروعة"، في إشارة لحرب اليمن.

عودة الحرارة مع روسيا بعد جفاء

كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف بمملكة الحجاز ونجد (اسم السعودية قبل عام 1932) وبدأت العلاقات الدبلوماسية عام 1926. وعلى وقع التنافس البريطاني-الروسي على استثمار نفط المملكة وقضايا أخرى بدأت العلاقات تتسم بالبرود اعتباراً من الثلاثينات وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1938. في الحرب الباردة انحازت السعودية للمعسكر الغربي ضد الاتحاد السوفيتي وكان أعظم تجلٍ لهذا الانحياز الدعم السعودي للمقاتلين الأفغان في حربهم ضد موسكو في ثمانينات القرن العشرين.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أعيدت العلاقات بين البلدين وبدأت تدريجياً بالتحسن، غير أن غيوم التوتر ما كانت تغيب إلا لتعود من جديد؛ إذ اتهمت موسكو المملكة بدعم المقاتلين الشيشان ضدها. وفي عام 2003 زار ولي العهد الأسبق، والملك لاحقاً، عبدالله بن عبد العزيز، العاصمة الروسية. ولم تنقشع غيوم القطيعة نهائياً إلا في عام 2007 بعد زيارة الرئيس الشيشاني المقرب من موسكو رمضان قديروف للسعودية واحتفال الملك، عبدالله بن عبد العزيز، به على طريقة خاصة بإشراكه بمراسم غسل الكعبة. وبعد شهرين توجت العلاقات بزيارة بوتين التاريخية للرياض في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام. وفي الحرب الجورجية 2008 دعمت السعودية روسيا. وفي عام 2017 قام الملك سلمان على رأس وفد رفيع المستوى وضخم بزيارة العاصمة الروسية. ومؤخراً عبرت موسكو عن دعمها للرياض في أزمتها مع كندا قبل أشهر، وتجنبت موسكو انتقاد الرياض في قضية خاشقجي.

الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ في جامعة موسكو الحكومية، قسطنطين ترويفسيف، يرى في حديث خاص بـ DW عربية أن أي عقوبات أمريكية محتملة على الرياض ستعزز التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية في قطاع النفط في إطار التحالف الجديد المعروف باسم "أوبك بلس". أما حافظ الميرازي فلا يرى إمكانية تشكل لوبي نفطي قوي وفعال ضاغط على واشنطن: "الولايات المتحدة لديها اكتفاء ذاتي من النفط".

"أوبك بلس" هو تحالف بين دول منظمة أوبك والدول المنتجة من خارج المنظمة بزعامة روسيا. وأثبت التحالف وجوده رغم حداثة عهده؛ إذ ساهم في ضبط السوق النفطية. ويبلغ إنتاج السعودية وروسيا حوالي ربع الإنتاج العالمي من النفط.

ومع أن ترويفسيف يعتقد أن أي عقوبات محتملة ستزيد من فرص توريد منظومات الصواريخ الدفاعية إس 400 إلى المملكة، إضافة إلى توريد أسلحة أخرى، إلا أنه يستدرك: "الحديث عن أن روسيا بإمكانها إزاحة الولايات المتحدة في مجال سوق السلاح في المنطقة، ليس في محله في الوقت الحالي، ولكن بإمكان روسيا تعزيز صادراتها العسكرية بشكل كبير". ويتفق حافظ الميرازي مع الخبير الروسي ويقول: "استغناء السعودية عن السلاح الأمريكي والغربي صعب ولا يحدث بين عشية وضحاها، لأن كل المنظومة العسكرية والأمنية السعودية تعتمد على الولايات المتحدة ويحتاج تغييرها لعقد من الزمان".

وذكرت عدة مصادر صحفية أن حجم التبادل التجاري بين الرياض وموسكو بلغ عام 2016 نصف مليار دولار: الصادرات الروسية إلى الأسواق السعودية وصلت إلى نحو 350 مليون دولار، بينما كانت الصادرات السعودية إلى روسيا في العام ذاته نحو 150 مليون دولار. ويسعى البلدان لرفع حجم التبادل إلى مستوى عشرة مليار دولار خلال العقد المقبل، حسب ما ذكر موقع روسيا اليوم.

أما حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة فقد بلغ عام 2017 حوالي 36 مليار دولار، حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصادر رسمية. ويتعادل الميزان التجاري بين البلدين تقريبا، والكلام دائماً للوكالة السعودية.

وإقليمياً في الشرق الأوسط، يذهب ترويفسيف إلى أن روسيا "مهتمة" بإشراك المملكة في التسوية السورية، حيث أن السعودية فقدت مؤخراً "مفاتيح" التأثير على الوضع السوري على حد تعبيره.

علاقة استراتيجية أم زواج مصلحة؟

قبل نحو ثلاثة أسابيع، غرد السعودي ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية، داعياً إلى عدم الاعتماد على الغرب فقط "ففي الشرق آفاق واسعة"، حسب قوله. وجاء كلام التركي تعليقاً على مقاطعة شركات غربية وتخفيض مستوى تمثيلها في منتدى "دافوس في الصحراء" بالرياض.

هل تبلغ العلاقات بين موسكو والرياض مستوى علاقة استراتيجية أم لا تعدو أن تكون مجرد ضرورة تكتيكية؟ الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ في جامعة موسكو الحكومية، قسطنطين ترويفسيف، يدلي بدلوه: "حالياً يجب أن نكون حذيرين بشأن التعاون الاستراتيجي، لأننا نحتاج لمعرفة ما سيحدث في المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب"، ويسترسل أكثر بالقول إن التعاون طويل الأمد يعتمد على الوضع الداخلي للمملكة، وهو الآن خطير جداً، وقد "ينفجر" الوضع هناك في أي لحظة وقد يصبح أسوأ من سوريا، على حد تعبيره.

ومن جهته، يرى المحلل السياسي المصري حافظ الميرازي أن كل ما تفعله السعودية هي "مغازلة" روسيا لإيصال رسالة للولايات المتحدة بأنها قد تلجأ لموسكو.