ملفات » قضية جمال خاشقجي

على العالم أن يتوقف عن شراء النفط السعودي

في 2018/11/15

بيتر سينجر - بروجكت سنديكيت- ترجمة شادي خليفة -

ركز مقتل "جمال خاشقجي" بالقنصلية السعودية في إسطنبول الاهتمام على النظام السعودي، خاصة على زعيمه الفعلي، ولي العهد "محمد بن سلمان".

ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن الحكومة التركية استمرت في الضغط وأبقت القضية في دائرة الضوء العالمية.

وفي البداية، قال المسؤولون السعوديون إن "خاشقجي" غادر القنصلية. لكن مع كشف الحكومة التركية عن تفاصيل مروعة عن جريمة القتل، أقروا أخيرا بأنه مات لديهم، مدعين أن وفاته كانت نتيجة غير مقصودة لعراك بالأيدي.

والآن، بعد أن قدم المسؤولون الأتراك أدلة إلى مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبيل"، قال المدعي العام السعودي إن هناك مؤشرات على أن وفاة "خاشقجي" كانت متعمدة.

وبحسب المدعي العام في إسطنبول، "عرفان فيدان"، فقد تم خنق "خاشقجي" فور دخوله القنصلية مباشرة، وتم تقطيع جثته.

وفي أعقاب مقتل "خاشقجي"، أوقفت ألمانيا مبيعاتها للأسلحة إلى السعوديين، ودعت حلفاءها إلى القيام بالمثل. وانسحب مسؤولون حكوميون من عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة، من منتدى استثماري كبير تم عقده في الرياض.

وكذلك فعل عدد من المسؤولين التنفيذيين للشركات، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيين لـ "جي بي مورجان" و"بلاك روك".

ومع ذلك، يتناقض الرد القوي على جريمة القتل الوحشية التي ارتكبت بحق "خاشقجي" بشكل صارخ مع اللامبالاة النسبية التي أظهرها الغرب تجاه ضحايا التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.

وقتلت الغارات الجوية السعودية آلاف المدنيين، بمن فيهم الأطفال الذين لقوا حتفهم عندما قصفت طائرات التحالف الحافلات المدرسية ناهيك عن الملايين من المعرضين للمجاعة واسعة الانتشار التي تجتاح اليمن.

وتنتشر المجاعة أيضا نتيجة الإجراءات السعودية، والتي تتلخص في الحصار والقيود على الواردات، وغيرها من التدابير، بما في ذلك حجب الرواتب لنحو مليون موظف في الخدمة المدنية. ووجد تحليل أجرته "مارثا موندي" من كلية لندن للاقتصاد أدلة على أن الغارات الجوية للتحالف تستهدف عن قصد إنتاج الأغذية وتوزيعها في المناطق التي يحتلها خصومها.

وكتب "خاشقجي" بنفسه بشكل مؤثر عن وفيات الأطفال في اليمن، وقال إن المملكة العربية السعودية لا تستطيع أن تحتل مكانة أخلاقية عالية في الوقت الذي تشن فيه هذه الحرب.

وفي الشهر الماضي، أخبر "مارك لوكوك"، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مجلس الأمن الدولي أن 8 ملايين يمني يعتمدون الآن على المعونات الغذائية الطارئة، وأن العدد قد يصل إلى 14 مليونا، أو نصف سكان البلاد.

وقال "لوك" إن هذه المجاعة ستكون "أكبر بكثير من أي شيء شهده خلال حياته العملية في هذا المجال".

وعلى الرغم من المساعدات الغذائية، تنتشر صور من اليمن تظهر الأطفال ليس لديهم سوى الجلد والعظم، والبعض منهم يموتون جوعا.

وقالت "مكية مهدي"، التي تعمل في عيادة صحية في اليمن مكتظة بالأطفال الذين يعانون الهزال، لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، إنها فوجئت بأن قضية "خاشقجي" تحظى باهتمام كبير في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الأطفال اليمنيين. وقالت: "لا أحد يعيرهم أي اهتمام".

وحقيقة أن "خاشقجي" كان صحفيا يكتب لـ"واشنطن بوست" لا شك في أنها تفسر الاهتمام الكبير بموته. وتعد قصته أيضا مثالا على ما يسمى بـ "تأثير الضحية القابل للتحديد"، والتي تقول إن مصير فرد واحد يمكن تحديده يؤدي إلى إثارة مشاعر الناس وتحريكها للعمل أكثر مما تفعله الأعداد الكبيرة من الضحايا.

وربما يفتح قتل "خاشقجي" أعيننا على الأنشطة الإجرامية الأخرى للنظام السعودي.

ولعقود من الزمن، كان السعوديون يستخدمون المال الذي ندفعه لهم مقابل النفط لكبت شعبهم ونشر الأفكار المتشددة، حيث أنفق السعوديون مليارات الدولارات على الدعاية التي تهدف إلى تحويل المجتمعات الإسلامية المتسامحة والمعتدلة في بلدان أخرى إلى متشددين. ويُعتقد أن السعوديين قدموا معظم تمويل "القاعدة"، وأن أكثر المقاتلين الأجانب للمجموعة في العراق جاءوا من المملكة.

ولا يعد إيقاف مبيعات الأسلحة إلى السعودية سوى خطوة أولى. ولكبح جماح المملكة، نحتاج إلى التوقف عن شراء نفطها، ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى الشفافية في صناعة النفط. ويجب أن نطالب بأن تكشف كل شركة نفط كبرى للجمهور عن مصادر نفطها، ومن ثم يمكننا أن نتحكم في أي أنواع النفط يختار العملاء شراءها.

وإذا حدث ذلك، ربما لا يكون "جمال خاشقجي" قد مات سدى.