الخليج أونلاين-
بعد أسابيع من الروايات المتضاربة، ومن إنكار إلى اعتراف إلى تخبّط، وصلت السعودية إلى الحلقة الثامنة من مسلسل تبرير أفظع جريمة للعام الجاري، في محاولة لإبعاد التهمة عن الآمر الحقيقي بقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
ففي الرواية الجديدة، التي خرجت بها النيابة العامة السعودية، حُدّد بشكل رسمي الشخص الذي أعطى الأمر بقتل خاشقجي، وكشفت عن سيناريو متكامل لما جرى وفق تحقيقاتها، لكن لا يُعرف ما إذا كان ذلك سيُقنع الرأي العام العالمي، أم أنها ستكون عرضة للتشكيك كحال أخواتها السبع.
واليوم الخميس (15 نوفمبر 2018)، أفادت النيابة السعودية بأن "نائب رئيس الاستخبارات السابق، أحمد عسيري، أمر قائد المهمة بإعادة المواطن خاشقجي، يوم 20 أكتوبر 2018، إلى السعودية، بالإقناع أولاً، ثم بالقوة إن لم يستجب".
وقالت في بيان رسمي صدر عنها: إن "قائد المهمة" -الذي لم تحدّد اسمه- "شكّل فريقاً من 15 شخصاً لتنفيذ ما أُوكل إليه، ووزّعهم على ثلاث مجموعات؛ تفاوضية واستخباراتية ولوجستية". وهذا يمكن وضعه في زاوية إزاحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن المشهد.
وبالعودة إلى قرارات الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، التي أصدرها بعد 18 يوماً من الجريمة وأقال فيها عسيري، نجد أنه قطع الشك باليقين، بشأن تسريبات "الخليج أونلاين" وصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية؛ حول الدفع به كـ"كبش فداء"، إلى جانب المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني.
وفي 20 أكتوبر الماضي، أصدر العاهل السعودي أمراً ملكياً بإعفاء كلٍّ من القحطاني وعسيري من منصبيهما، وتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد "لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق".
وأقرّت السعودية رسمياً بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها في مدينة إسطنبول، وذلك في الوقت الذي كانت تصرّ فيه، على مدى 18 يوماً، أنه لم يُقتل وأنه خرج من القنصلية حياً.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، في حينه، عن النائب العام قوله: "إن التحقيقات الأولية في موضوع المواطن جمال خاشقجي أظهرت وفاته في شجار وقع داخل القنصلية"، مشيراً إلى أن "التحقيقات مستمرّة مع الموقوفين على ذمة القضية، والبالغ عددهم حتى الآن 18 شخصاً، جميعهم من الجنسية السعودية".
وقال القحطاني في أول تغريدة له بعد إقالته من منصبه، وهو الذي يوصف بـ"وزير الذباب الإلكتروني"، الذي يقود الجيش الإلكتروني السعودي:
تأكيد صحة تسريبات "الخليج أونلاين"
وكانت مصادر دبلوماسية غربيّة كشفت أن ولي عهد السعودية طلب مساعدة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد؛ لمحاولة الخروج "المشرّف" من أزمة اغتيال الصحفي خاشقجي.
المصادر، التي كانت قد تحدّثت لـ"الخليج أونلاين"، أكّدت وجود محادثات على أعلى مستوى بين القيادتين السعودية والإماراتية ومسؤولين غربيين، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية؛ لثنيهم عن اتهام بن سلمان بإعطاء أوامر اغتيال خاشقجي بطريقة وحشيّة داخل القنصلية، في وقت لا يزال ولي عهد المملكة رافضاً تقديم تنازلات لتركيا قد تبعد الاتهامات عنه.
وتشدّد المصادر، التي طلبت عدم كشف هويتها، على أن الجانبين، السعودي والإماراتي، اتّفقا على "تقديم أكباش فداء"، من المرجَّح أن يكون على رأسهم المستشار بالديوان الملكي، سعود القحطاني، واتهامهه بالإشراف على هذه العمليّة دون علم القيادة السعودية.
كذلك أكّدت مصادر سعودية لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في وقت سابق، أن المملكة تخطّط للدفع بنائب رئيس الاستخبارات العامة، اللواء عسيري، كـ"كبش فداء" في قضية مقتل خاشقجي.
ونقلت الصحيفة عن ثلاث مصادر لم تسمّها، قولها: إن "شخصاً مقرّباً من البيت الأبيض أُبلغ بفحوى الخطة السعودية لحل أزمة خاشقجي، وأُعطي اسم اللواء عسيري".
والعام الماضي، رُقّي عسيري إلى وظيفته الحالية في مجال الاستخبارات.
المصادر التي وصفتها "نيويورك تايمز" بـ"المطّلعة على الخطة السعودية" كانت قد توقّعت أن عسيري كان يسعى لإثبات نفسه استخبارياً في قضية خاشقجي.
وكان خاشقجي قد اختفى بعد دخول قنصلية بلاده، في 2 أكتوبر الجاري، في حين قالت أنقرة إن لديها تسجيلات تؤكّد مقتله داخل مبنى القنصلية بعد وقت قصير من دخوله، بينما لجأت السعودية للنفي واختلاق روايات مضلّلة عبر إعلامها حول مقتله.
انتهاء دور القحطاني
وبالرجوع للقحطاني، يُعدّ الرجل اليد اليمنى لولي العهد السعودي، ومستشاره الأقرب في الكثير من القضايا الكبرى، إذ يعتمد عليه بن سلمان في تصفية خصومه.
وأحد أدلّة قرب القحطاني من ولي العهد واعتماد الأخير عليه، ما كشفه الكاتب الصحفي البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال له، نُشر في 25 يوليو 2017، على موقع ميدل إيست إي البريطاني.
قال هيرست: إن "صحيفتي وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز، بالإضافة إلى وكالة رويترز، نشرت تقارير تفيد بأن محمد بن نايف أُطيح به من منصبه كوليّ للعهد بسبب إدمانه على العقاقير المسكّنة للآلام، ولم تُشر (تلك الصحف) إلى المصدر الحقيقي لهذه المعلومات".
وذكر هيرست، نقلاً عن مصدر، أن قصة إدمان ولي العهد السعودي السابق، محمد بن نايف، مجرد حكاية سعودية لتدمير سمعته، مؤكداً أن من سرَّب هذه المعلومات هو المستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني، الذي نظّم لقاءً مع الصحفيين بهذا الشأن "لتشويه سمعة بن نايف وتقديمه كمدمن مخدرات".
الكاتب البريطاني أوضح أن القحطاني "أصبح أكثر من عين وأذن لولي العهد الحالي بن سلمان في الديوان الملكي"، مؤكّداً أن القحطاني يعمل على إجراء اتصالات بالصحفيين السعوديين "لإخبارهم أنهم ممنوعون من الكتابة أو التغريد، وهو نفس العمل المُظلم الذي كان يمارسه خالد التويجري في عهد الملك عبد الله".
في فبراير 2017، فضح الكاتب السعودي، ومؤسِّس صحيفة الوئام، تركي الروقي، القحطاني، وقال في مقال له نشره على صفحته بـ"تويتر": إن "ثقافة هذا الرجل كانت التشهير بخصومه مستخدماً وسائل إعلام يُفترض أن تستغلّ كل مساحة لنقل صورة إيجابية عن البلد والحكومة".
وأوضح الروقي أن القحطاني يقوم بعمل "وزير الإعلام الخفيّ"، وأحياناً يمارس أدواراً أخرى من قبيل "مدير الاستخبارات"، متّهماً إياه بالقيام بأعمال تشابه أعمال الشبكات الأجنبية الموجَّهة ضد الداخل السعودي.
الروقي أضاف قائلاً: "أعلم بأني لست الوحيد الذي تضرّر من تصرّفاته ولن أكون الأخير".
وأكد أن القحطاني يملك جيشاً من المخترقين "الهاكرز"، ويتعامل مع شركة متخصصة بالعراق، ويستهدف المواقع بالتهكير والتشهير وتشويه سمعة الكثير من المواطنين.
واستطرد يقول: "لقد تمادى الرجل كثيراً، وذهب ضحيّته الكثير من شباب البلد".
ماذا حدث بين القحطاني وخاشقجي؟
قال صديقان مقرّبان من الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وفق ما نقلت صحيفة Washington post، إنَّه تلقّى مكالمتين هاتفيتين على الأقل من القحطاني، ينقل فيها رسائل ودّية نيابة عن ولي العهد، في ما يبدو أنه محاولة لتطمينه أو استدراجه أو تحييده.
في إحدى المكالمتين التي أُجريت في سبتمبر من العام الماضي 2017، قال القحطاني إنَّ محمد بن سلمان "سعيد للغاية" لرؤية خاشقجي ينشر رسالةً تُشيد بالمملكة بعد إعلان الحكومة السماح للنساء بقيادة السيارات، وفقاً لما ذكره أحد الصديقين، الذي كان مع خاشقجي في ذلك الوقت، وقال إن نبرة المكالمة كانت لطيفة، لكنَّ خاشقجي قال للقحطاني كذلك إنَّه سيشيد بالحكومة عندما تُحدث "تطوّرات إيجابية، وسأنتقدها حين تقع أشياء سيئة".
وأمضى خاشقجي بقية المكالمة مدافعاً عن منتقدي النظام الذين سُجنوا مؤخراً.
وقال صديقٌ آخر من أصدقاء خاشقجي إنَّ أحد رجال الأعمال المُقرَّبين من العائلة المالكة السعودية حاول التودُّد إليه عدة مرات. وأضاف الصديق أنَّ رجل الأعمال -الذي لم يذكر خاشقجي اسمه- بدا حريصاً على رؤية خاشقجي كلما زار واشنطن، وأخبره أنه سيعمل مع السلطات السعودية لترتيب عودته.