نيويورك تايمز-
"العلاقة بين المملكة الغارقة في النفط والولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير".. قدمت هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز هذه الخلاصة، في افتتاحيتها المنشورة اليوم الجمعة، مشيرة إلى أن الحقيقة في جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" قد لا تكون معروفة للأبد إذا نجح المدعي العام السعودي في الحصول على عقوبة الإعدام ضد خمسة من المشتبه بهم.
وأوضحت الافتتاحية أن تنفيذ حكم الإعدام بحق المشتبه بهم يعني القضاء على الشهود الرئيسيين للجريمة، لافتة إلى أن السعودية تحاول إغلاق القضية بهذه الطريقة.
وأضافت أن الرواية السعودية الأخيرة لجريمة الاغتيال تضمن تبرئة ولي العهد وحاكم المملكة الفعلي "محمد بن سلمان"، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية "عادل الجبير" للصحفيين في الرياض، قائلا: "صاحب السمو الملكي لا علاقة له بهذه القضية".
وفي السياق، أشارت الصحيفة إلى أن العقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأمريكية بحق 17 سعوديا، على خلفية جريمة اغتيال "خاشقجي"، لا ترتفع إلى مستوى الأمير (بن سلمان) ولا لأولئك الأكثر قربا منه.
إقناع لطيف
وفي تنفيدها للرواية السعودية، ذكرت الافتتاحية أنه من الصعب تصديق أن طائرة محملة بوكلاء أمن ومختص في الطب الشرعي قطعت كامل الطريق لإسطنبول فقط من أجل إقناع "خاشقجي" بلطف كي يعود إلى المملكة.
ونوهت نيويورك تايمز إلى أن تأثير قضية "خاشقجي" ليس ببساطة وضع آل سعود في موقف دفاعي جراء الغضب من جريمة الاغتيال وإعطاء فرصة لتوجيه الرياض نحو الأهداف الأمريكية، إذ أن الاغتيال ومحاولات تغطيته المثيرة للشفقة تركت الإمبراطور (ولي العهد) عاريا.
فمنذ تأسيس المملكة، أغمضت الولايات المتحدة والقوى الغربية المتعطشة للنفط ودولارات الاستثمار السعودية أعينها إلى حدٍ كبير عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك قمع النساء وحرية التعبير والاعتقاد.
ولم يقتصر هذا النهج ضيق الأفق على السعودية، فقد تعامل الغرب مع الاتحاد السوفيتي وعشرات من الأنظمة الاستبدادية الأخرى لمنع الحرب وضمان إمدادات النفط والمواد الخام الأخرى، ولمكافحة الإرهاب في العقود الأخيرة.
هزيمة ذاتية
لكن الأمير محمد (بن سلمان) ذهب بعيدا على جبهات كثيرة جدا، بحسب الصحيفة الأمريكية التي ضربت المثل بحملته لاحتواء إيران، وشن حرب غير مدروسة في اليمن، أسفرت عن كارثة إنسانية تواطأت فيها الولايات المتحدة كمزود للأسلحة والدعم العسكري، إضافة إلى حصاره لقطر، واحتجازه رئيس وزراء لبنان (سعد الحريري).
وإزاء ذلك، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن هكذا سياسات مثلت "هزيمة ذاتية" للسعودية جعلتها نتيجة الهزيمة الذاتية تبدو الخطر الإقليمي الرئيسي، وليس إيران.
وفي داخل المملكة، بدأ الأمير (بن سلمان) ما بدا للوهلة الأولى أنها إصلاحات اجتماعية واقتصادية واعدة، بما في ذلك رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، لكنه احتجز أيضا مجموعة من أبناء عمه الأمراء وغيرهم من المليارديرات لتوطيد سلطته، وقمع المنشقين، وصولا إلى قتل "خاشقجي".
محاباة ترامب
وخلال أغلب فترة حكمه السيئة، استمر الأمير محمد (بن سلمان) في التمتع بمحاباة الرئيس "دونالد ترامب" وصهره "جاريد كوشنر"، الذي تولى ملف الشرق الأوسط بالبيت الأبيض رغم افتقاره الواضح للمؤهلات.
كلاهما رأى الأمير الشاب كحليف ضد إيران، وكمشتر لأسلحة أمريكية لا حدود لها، ولذا كان تصريح "ترامب" بأن اغتيال "خاشقجي" لن يؤثر على مبيعات الأسلحة المربحة من بين ردود أفعاله الأولى على الجريمة.
ولفتت هيئة تحرير نيويورك تايمز إلى أن "ترامب" رشح سفيرا في الرياض أخيرا، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ تولي الرئيس الأمريكي منصبه، وعلقت على ذلك بأن "الطريقة الأكثر شيوعا لإظهار الاستياء هي سحب السفير، وليس تعيينه".
لكن افتتاحية الصحيفة الأمريكية استدركت بالإشارة إلى أن الجنرال المتقاعد ذي المعرفة الواسعة بالشرق الأوسط " جون أبي زيد" يمثل خيارا جيدا كسفير لدى الرياض، وعبرت عن أملها في أن ينير البيت الأبيض بشأن السعوديين.
فرصة للتصحيح
وأكدت الافتتاحية أن تأثير قضية "خاشقجي" يعطي إدارة "ترامب" نفوذاً كبيراً على نظام سعودي ضعيف، سواء من حيث إنهاء الحرب الكارثية باليمن، أو بوقف حصار قطر، والمساعدة في صنع السلام في (إسرائيل) والحفاظ على أسعار النفط مستقرة، واستبدل ولي العهد (بن سلمان) بوريث أقل اندفاعًا وخطورة.
ومع ذلك، فإن مطالب من هذا القبيل ستكون نفاقا إن لم تكن مصحوبة بإنهاء انتهاك المملكة الوقح لحقوق الإنسان الأساسية، بحسب تعبير نيويورك تايمز، التي أكدت أن جريمة اغتيال "خاشقجي" لم تكن بدايته، ويجب أن تكون نهايته.