وكالات-
تتزايد الضغوط على الأسرة المالكة في السعودية، مع تكشُّف معطيات جديدة حول ظروف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، آخرها تسريبات وكالة المخابرات الأمريكية. ما يجعل خطاب الملك سلمان أمام مجلس الشوري محط أنظار المراقبين.
فيما تتزايد الضغوط على المملكة العربية السعودية على خلفية قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، أُعلن في الرياض رسميا أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سيفتتح غداً الاثنين أَعْمَال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، بخطاب "يتضمن سياسة المملكة العربِية السعودية الداخِلِية والخارجية".
وفي إشاراتهم حول مضمون الخطاب اكتفى مسؤولون سعوديون بتصريحات حول قضايا تقليدية تتناولها خطب الملك السعودي عادة، فيما ينتظر مراقبون الإشارات أو التلميحات التي قد يتضمنها الخطاب الذي يأتي في فترة حساسة وفي ظل اتهامات غير مسبوقة في تاريخ العائلة المالكة في السعودية، على خلفية قضية مقتل خاشقجي. ولاسيما بعد تسريبات عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تلقي بالمسؤولية على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عملية الإغتيال التي تمت في الثاني من اكتوبر تشرين أول الماضي وبشكل بشع داخل القنصلية السعودية باسطنبول.
وقال رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ في تصريح صحفي اليوم الاحد إن "مجلس الشورى يتطلع لهذا الخطاب الذي يأتي كل عام نبراساً لأعمال المجلس". وأشار إلى أن السعودية قد أصبحت مثالاً يحتذى في تحقيق النمو الشامل من خلال رؤية المملكة 2030 وما تضمنته من خطط طموحة تهدف لبناء المواطن السعودي وتعزز إسهامه التنموي.
من جهته، قال نائب رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن سالم المعطاني، في تصريح صحفي، إن الخطاب الملكي "سيبين ملامح السياسة الخارجية والداخلية للمملكة، ومواقفها من مختلف القضايا الراهنة على الساحتين العربية والدولية ويحدد الأهداف والبرامج والغايات التي تطمح الدولة إلى تحقيقها دلالة على ما يمثله مجلس الشورى من حضور على المستوى الوطني بوصفه منطلق للقرارات المؤثرة إيجاباً والداعمة لتحقيق تطلعاته وتوجيهاته ".
وأوضح المعطاني أن السعودية تشهد حراكاً على مختلف المستويات التنموية من خلال رؤية المملكة2030، وتشهد حراكاً ثقافياً تسعى الرؤية من خلاله وفقاً لاستراتيجيتها إلى الرقي بهذا الوطن وأبنائه للإسهام في صناعة الإنسان السعودي القادر على مواجهة متطلبات الحياة وظروفها على تعددها واتساعها.
إدارة ترامب في موقف حرج
وفيما جدد الاتحاد الأوروبي وعواصم أوروبية كبيرة ضمنها برلين، دعوتهم إلى تحقيق شفاف وشامل حول ظروف مقتل الصحفي السعودي خاشقجي، بدا أن إدارة الرئيس ترامب تواجه ضغوطا متزايدة، في ظل إستمرار الغموض حول نقطتين على الأقل في ملف التحقيقات: مصير جثة خاشقجي ومن أمر بتقله.
فبعد أن غيرت السعودية روايتها الرسمية مرارا بشأن عملية القتل، حيث نفت في البداية أي معرفة لها بمكان وجود خاشقجي قبل أن تشير لاحقا إلى أنه توفي جراء شجار و"اشتباك بالأيدي" عقب خلاف بينه وبين أشخاص التقاهم في القنصلية. وفي وقت سابق هذا الأسبوع، أبعدت النيابة العامة السعودية الشبهات تماما عن ولي العهد في ما يتعلق بالقضية. يبدو أن التسريبات التي نشرتها صحف أمريكية نافذة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وتعالي الأصوات داخل الكوننغرس والموجهة ضد ولي العهد السعودي، جعلت إدارة الرئيس ترامب في بحث متواصل عن تعديل في موقفها ومحاولة لربح الوقت بحثا عن مخرج.
فقد لفتت تصريحات الرئيس ترامب أنظار المراقبين، عندما قال بشأن المسؤولية عن جريمة قتل خاشقجي، بأن "تقريرا كاملا" حول "من فعل ذلك" سيصدر بحلول الإثنين أو الثلاثاء. وأوضح ترامب أثناء حديث مع الصحافيين في ماليبو بكاليفورنيا بعد تفقده الأضرار الناجمة عن حرائق الغابات، إن النتيجة التي توصلت إليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأن الأمير محمد بن سلمان مسؤول عن قتل خاشقجي "ممكنة". وهي لغة مختلفة تماما عن تصريحات سابقة للرئيس ترامب ومستشاره في الأمن القومي جون بولتون تستبعد تماما ضلوع ولي العهد السعودي في عملية القتل.
وأدلى ترامب بهذه التصريحات بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنها مازالت تعمل على تحديد المسؤول عن قتل خاشقجي. وما خلصت إليه وكالة المخابرات المركزية هو التقييم الأمريكي الأكثر حسما حتى اليوم الذي يربط، بشكل مباشر، الأمير محمد بن سلمان بجريمة القتل. كما أنه يناقض تأكيدات الحكومة السعودية بعدم ضلوع ولي العهد في الجريمة.
وتربط إدارة ترامب وخصوصا دوائر مقربة من الرئيس، من أبرزها صهره ومستشاره جاريد كوشنير علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي. كما لا يخفي الرئيس ترامب مراهنته على محمد بن سلمان كشريك في منطقة الشرق الأوسط.
مفعول تسريبات وكالة المخابرات الأمريكية
بيد أن تسريبات وكالة المخابرات الأمريكية حول مسؤولية ولي العهد السعودي في قضية خاشقجي، تلقي بظلال من التساؤلات حول مستقبل الوضع في السعودية في حال ظهور مؤشرات ملموسة على ضلوع مستوى عال في الأسرة الملكة في جريمة مقتل خاشقجي. ومن جهته سارع الأمير خالد بن سلمان سفير السعودية بواشنطن أمس السبت بنفي اتصاله هاتفيا بالصحفي جمال خاشقجي أو اقتراحه عليه الذهاب إلى تركيا "لأي سبب" وذلك بعد أن قالت صحيفة واشنطن بوست، نقلا عن أشخاص مطلعين على معلومات المخابرات الأمريكية، إنه فعل ذلك . وقال الأمير خالد على تويتر" أطلب من الحكومة الأمريكية نشر أي معلومات تتعلق بهذا الادعاء".
ويذكر أن الأمير خالد بن سلمان كان قد عاد إلى السعودية فور ظهور قضية خاشقجي ولم يعد إلى مقر عمله بالسفارة السعودية في واشنطن. وكان قد أدلى في وقت مبكر بتصريحات حول قضية خاشقجي أثارت جدلا، حيث أنه استبعد تماما وقوع الحادثة في مقر القنصلية السعودية باسطنبول. وليس الأمير السعودي وحده من وقع في ارتباك في التصريحات بل ايضا كبار المسؤولين الآخرين، ضمنهم وزير الخارجية عادل الجبير الذي صدرت عنه تصريحات متضاربة، وصولا إلى ولي العهد محمد بن سلمان الذي صرح في اليوم الثاني إثر مقتل خاشقجي، بأنه دخل مقر القنصلية لقضاء أمور إدارية وخرج من القنصلية.
Unfortunately the @washingtonpost did not print our full response. This is a serious accusation and should not be left to anonymous sources. Our full response was the following: pic.twitter.com/vo1JcNAswx
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) November 17, 2018
ويسيطر ولي العهد السعودي على مقاليد السلطة في البلاد، في ظل حكم والده الطاعن في السن، ومراقبة دور الأمراء الآخرين إثر حملة إعتقالات طالت العشرات منهم على خلفية قضايا فساد مالي.
وأظهرت طريقة ولي العهد السعودي خلال السنوات الأربع الأخيرة نزعة واضحة في الانفراد بالقرارات السياسية والحكم، وتراجع دور مراكز نفوذ تقليدية داخل أركان الحكم السعودي، ولا يُعرف بوضوح الدور المتبقي لهيئة البيعة التي تعنى باختيار ولي العهد وولي العهد. وكانت تقارير غربية قد تحدثت في الأيام الأخيرة عن اجتماع لهيئة البيعة في السعودية للنظر في تعيين ولي ولي للعهد، وتم تسريب اسم الأمير خالد بن سلمان. لكن تلك المعلومات لم تتأكد من مصادر رسمية سعودية.