ملفات » قضية جمال خاشقجي

ترامب بين حرائق كاليفورنيا وحرائق الرياض

في 2018/11/21

ماجد محمد الأنصاري- الشرق القطرية-

تواجه الإدارة الأميركية اليوم تبعات حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا، التي تشكل تحدياً للإدارة، التي قللت الإنفاق في مجال مواجهة مثل هذه الحرائق ومسبباتها.

ولكن وحتى وهو يقوم بجولة للاطلاع على آثار الدمار في كاليفورنيا، تلاحق ترامب الأسئلة حول الحريق الجديد الذي أشعلته الرياض، والذي لا يبدو أنه سينطفئ قريباً: جريمة اغتيال خاشقجي.

تطور الأحداث في قضية خاشقجي، رحمه الله، يضيق الخناق أكثر وأكثر على الرياض وعلى واشنطن؛ فكل السيناريوهات التي تعامل بها الأميركيون مع الموقف لمحاولة دفن القضية أو تجاوزها أو على الأقل إبعاد ولي العهد السعودي عنها باءت بالفشل.

وأخيراً تسربت إلى وسائل الإعلام نتائج تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والذي يقطع الشك باليقين أميركياً في أن ولي العهد السعودي هو المسؤول عن مقتل خاشقجي، طبعاً بعد ذلك مباشرة ظهرت ثلاثة تصريحات.

ترامب صرح أولاً وخلفه مشهد الدمار الناتج عن حرائق كاليفورنيا بأنه من «الممكن» أن يكون بن سلمان مسؤولاً ولكن الوقت مبكر لاستنتاج ذلك، حيث سيتلقى تقريراً نهائيًا خلال يومين حول القضية التي تحولت لحريق سيلتهم المتورطين كما التهمت الحرائق الولاية الأميركية.

التصريح الثاني جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية التي قالت إن المسألة لم تحسم بعد وإن الإدارة الأميركية لم تتخذ موقفاً نهائياً من القضية.

عاد ترامب بعدها وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز ليؤكد أن بن سلمان حليف مهم وأنه يعتقد أن هناك حول بن سلمان من أمر بقتل خاشقجي ليتماهى مرة أخرى مع الموقف السعودي!

هذه التصريحات بعد التسريب الاستخباراتي يشير إلى أن واشنطن ما زالت تبحث عن سيناريو لإنهاء الأزمة دون خسارة بن سلمان كحليف، ولكن هل هذا فعلاً ما تريده واشنطن، وهل هناك اتفاق أميركي حول هذا الموقف؟

الإدارة الأميركية ومنذ اليوم الأول لترامب متشظية بشكل كبير، هناك نزاع بين مراكز القوى المختلفة ليس على مستوى المواقف كما هي العادة بل على مستوى المنطلقات؛ يبدو أحياناً أن البيت الأبيض غير مهتم بالمصالح الإستراتيجية!

ويركز على المكاسب السياسية المحدودة التي تشكل انتصارات إعلامية للرئيس وخاصة ضمن قاعدته الانتخابية، بينما تتحرك الخارجية والاستخبارات والمؤسسة العسكرية والخزانة الأميركية من منطلق استراتيجي يرغب في المحافظة على الشراكات والمكاسب الأميركية الأساسية عالمياً.

هذا الانشقاق الرئيسي والذي تتفرع منه مواقف متشظية أخرى بدا واضحاً في تعامل الإدارة مع قضية خاشقجي، بينما يدفع كوشنر وبولتون نحو حماية بن سلمان تدفع المؤسسات ومعها المشرعون الأميركيون نحو التخلص منه أو على الأقل تحييده عبر هذه الأزمة.

بطبيعة الحال لا موقف مبدئيا أميركيا من موضوع خاشقجي، فالولايات المتحدة تحمي نصف طغاة العالم على الأقل من الذين ارتكبوا جرائم أكبر من هذه بكثير!

موقف الطرفين في واشنطن نابع من ضغط داخلي إعلامي وسياسي للتعامل مع القضية ما يجعلها معضلة للرئيس الأميركي الذي يريد أن يترشح بعد أقل من عامين لفترة رئاسية ثانية، كما يمثل الموقف فرصة للمؤسسات لتمرير أجندتها في التعامل مع بن سلمان وتحييد ممارساته التي تضر بالمصالح الأميركية.

لذلك ومنذ يوم الأزمة الأول قال مسؤولون أميركيون صراحة إنه سيتم استخدام الأزمة للضغط على الرياض للانسحاب من اليمن والتصالح مع قطر، الرياض من ناحيتها لم توفر لداعميها القلائل في واشنطن أي فرصة للدفاع عنها.

الطريقة الساذجة التي ارتكبت فيها الجريمة والتناقض المحرج في التصريحات حولها تمثل وقوداً لخصوم بن سلمان في واشنطن في مواجهة الفريق المدافع عنه، ونقطة الانكسار ستكون حين يصبح العبء السياسي الذي يشكله بن سلمان على ترامب أكبر من المكاسب الاقتصادية التي تتحقق من خلاله.

إذن ماذا تريد واشنطن؟ ربما الأفضل أن نسأل عن المتاح أمام واشنطن؟

المؤسسات الأميركية تريد من خلال هذه الأزمة أن تعيد الرياض إلى سلوكها الكلاسيكي وهو التحرك الخارجي المحدود بحدود المصالح والبرامج الأميركية والتخلي عن التأثير الصلب على القرار العربي والاكتفاء بتوظيف القوة الناعمة والوفرة الاقتصادية للدفع بأجندتها.

أما البيت الأبيض فيريد مخرجاً من الأزمة يحفظ للإدارة ماء وجهها ولواشنطن وهي القوة التي تقود العالم. المتاح الآن هو أحد سيناريوهات ثلاثة:

السيناريو الأول أن ينجح الزمن في دفع الاهتمام بعيداً عن القضية وبالتالي يمكن كنسها تحت السجادة كما يقال، وهذا السيناريو يصعبه التعامل التركي مع المسألة والذي ينفث المزيد من النار في القضية كلما خمدت عبر نشر الأخبار بشكل مدروس وقتاً وكماً.

السيناريو الثاني هو رفع سقف العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية بحيث تطول ولي العهد نفسه أو السعودية بشكل عام ولكن بحيث لا تشكل العقوبات تحدياً أمام الاستثمارات السعودية في واشنطن وخاصة المرتبطة بعقود السلاح، وهذا السيناريو هو الأفضل أميركياً ولكنه لن يكون مقبولاً سعودياً إلا كحل أخير.

السيناريو الثالث هو أن تتخلى واشنطن عن بن سلمان وتدفع باتجاه عزله دولياً، وهذا السيناريو هو الأمثل تركياً.

لكن واشنطن المؤسسات والبيت الأبيض لا تريد هذا الأمر لأنه يخدش في العلاقة الاستراتيجية مع الرياض باعتبارها حليف واشنطن الإقليمي الرئيسي وحليفها الأقوى في سوق النفط الدولية.

خلال أيام سيتضح أين ستذهب الأمور ولكن ما لا شك فيه هو أن نهاية القضية لن تكون على هوى الرياض أو البيت الأبيض، ما نراقبه الآن هو من ستلتهمه نيران الجريمة.