ملفات » قضية جمال خاشقجي

لماذا تتقارب دول الخليج مع النظام السوري؟

في 2018/11/22

جو ماكارون- المركز العربي واشنطن دي سي- ترجمة شادي خليفة -

منذ سبتمبر/أيلول، كانت هناك مؤشرات متزايدة على وجود تقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي والنظام السوري، وهو اتجاه عززته التطورات الإقليمية الأخيرة.

وفي حين أن علاقات الخليج والنظام السوري بعيدة كل البعد عن التطبيع الكامل، لكن التحركات الرمزية تظهر كيف أن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تعيد معايرة مقاربتها تجاه الصراع السوري.

ويبقى السؤال المفتوح حول ما إذا سيكون لها أي تأثير على سوريا وعلى نفوذ مجلس التعاون الخليجي هناك.

وفي العامين الماضيين، أضعفت سلسلة من التطورات تأثير دول الخليج العربي في سوريا.

وأوقفت عملية "أستانا" لإنشاء مناطق "خفض التصعيد" في سوريا، واتفاق وقف إطلاق النار الأمريكي الروسي لعام 2017، تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا، وقد خفض هذان التطوران قدرة مجلس التعاون الخليجي على التأثير في الصراع من خلال دعم المعارضة المسلحة.

وقد تبدل الانسجام القصير بين المملكة العربية السعودية وقطر عام 2012، مباشرة بعد بداية الربيع العربي، بمصادمات المصالح في سوريا وخارجها منذ عام 2013.

وعلاوة على ذلك، أدى الحصار الذي فرضته السعودية على قطر، الذي بدأ في يونيو/حزيران 2017، إلى إضعاف نفوذ مجلس التعاون الخليجي في سوريا، حيث تحول التركيز إلى تداعيات أزمة المجلس.

علامات مختلطة من التقارب

تتقدم الخطوات التدريجية لدول مجلس التعاون الخليجي نحو التطبيع مع دمشق بخطى ثابتة.

أولا، في 29 سبتمبر/أيلول، كان هناك احتضان حميمي بين وزير الخارجية البحريني، "خالد بن أحمد آل خليفة"، ونظيره السوري "وليد المعلم"، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ثم تحدث "آل خليفة" عن استعادة الدور العربي في سوريا، وكشف أنه التقى المعلم "عدة مرات في الأعوام الأخيرة في الأمم المتحدة، ولكن هذه المرة تم التقاطها بواسطة الكاميرا".

ومع ذلك، كان من الواضح أن البحرين أرادت من وزير الخارجية أن يظهر هذا التحرك الرمزي أمام الكاميرا لكسر الجليد وفتح الحوار حول إعادة علاقات بلاده تدريجيا مع النظام السوري.

وقبل ذلك، في 29 أغسطس/آب، أبدى وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" لهجة إيجابية خلال اجتماع مع نظيره الروسي، "سيرجي لافروف"، قائلا إنه ينبغي تكثيف الجهود لضمان عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم، وأن الرياض سوف تساعد على توحيد صفوف المعارضة السورية.

ووصف "المعلم" تصريحات "الجبير" بأنها "تغيير ملموس" في موقف الرياض.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، مزح "المعلم" مع الصحفيين أثناء اختتام مؤتمر صحفي، قائلا إنه لا يهتم بالتعليق على مقتل الكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، والذي أدى إلى ضغط دولي على القيادة السعودية.

ورأى النظام السوري في اغتيال "خاشقجي" فرصة لمجاملة السعوديين من أجل تسريع وتيرة إعادة العلاقات مع الرياض.

ومع ذلك، قد تكون هناك بعض الاختلافات في الرأي داخل النظام حول ما قد يعنيه هذا لعلاقات دمشق مع طهران.

وقد بدا هذا الاختلاف واضحا في كل من دمشق والرياض في 17 أكتوبر/تشرين الأول، عندما اشتبك السفيران السعودي والسوري لدى الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن.

وبعد أن أكد السفير السعودي "عبدالله المعلمي" أن النظام السوري يعيق محادثات السلام، اتهم نظيره السوري "بشار الجعفري" النظام السعودي بدعم الإرهاب، وأثار مقتل "جمال خاشقجي".

علاوة على ذلك، علق السفير السعودي في الأردن، "خالد بن تركي آل سعود"، في 11 أكتوبر/تشرين الأول، على قيام روسيا بتوريد نظام الصواريخ "إس-300" إلى سوريا، قائلا إن "المشكلة ليست في وجود نظام الصواريخ، لكن المشكلة في وجود النظام السوري".

لكن هذه اللهجة السعودية العامة ضد النظام السوري لم تكن ثابتة في الأسابيع الأخيرة.

ومن ضمن 4 شاحنات محملة بالبضائع السورية التي اجتازت معبر نصيب الحدودي مع الأردن للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول، استمرت اثنتان في طريقهما إلى السعودية.

ويبدو أن هناك مراجعة للنهج السعودي تجاه سوريا، والذي قد يستغرق وقتا أطول للتطور مقارنة مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وبالفعل، قد يصبح فتح معبر "نصيب" لمرور السلع رمزا للتقارب الاقتصادي الذي يتطلع إليه الكثيرون في سوريا ولبنان والأردن.

وعلى الرغم من وجود بعض المقاومة من جانب السعوديين، فإن هذا التحول في نهج مجلس التعاون الخليجي كان قيد الإعداد منذ بداية عام 2018.

وقبل بضعة أسابيع من لقاء "آل خليفة" مع "المعلم" في نيويورك، كانت هناك بعض المؤشرات على تحول محتمل في موقف مجلس التعاون الخليجي تجاه سوريا جاءت من أبوظبي.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، "أنور قرقاش"، في 8 سبتمبر/أيلول، إن إضعاف النفوذ العربي في سوريا يتطلب "مراجعة جدية وشاملة ودروس يجب تطبيقها مع بعض العقلانية، على الرغم من الطعم المر الذي قد تتركه هذه المراجعة".

علاوة على ذلك، يقال إن رجل أعمال إماراتي مقربا من العائلة الحاكمة في بلاده زار سوريا في أوائل أغسطس/آب، للتوسط بين دمشق وأبوظبي.

وفي الأسابيع الماضية، ازدادت الأحاديث في كل من الإعلام العربي والروسي بأن الإمارات قد تعيد قريبا فتح سفارتها في دمشق، التي تم إغلاقها في فبراير/شباط 2012، وإذا تأكد الخبر، فإن دولا خليجية وعربية أخرى قد تحذو حذوها.

وتأتي مؤشرات مماثلة من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وتتخذ الكويت خطوات ملموسة لإنهاء مشاركة مواطنيها في الصراع السوري، وأشارت مصادر إعلامية محلية إلى أن الحكومة الكويتية تخطط لتأمين عودة وملاحقة ما يقرب من 12 مواطنا لا يزالون يقاتلون في الميدان مع "هيئة تحرير الشام" في إدلب.

كما تواصل الكويت التعاون مع النظام السوري في ترحيل المواطنين السوريين الذين انتهكوا قانون الإقامة في الكويت.

وقد حافظت عُمان على علاقاتها مع النظام السوري خلال الحرب السورية، وقام "وليد المعلم" بزيارة إلى مسقط في مارس/آذار لفتح المبنى الجديد للسفارة السورية، وكانت هذه ثاني زيارة له إلى سلطنة عمان منذ عام 2015.

كما عدلت قطر من نبرتها فيما يتعلق بالنظام السوري، حيث غيرت أزمة مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت في يونيو/حزيران 2017، حسابات الدوحة الإقليمية وأولوياتها، وبحسب ما ورد، أبلغ الرئيس السوري "بشار الأسد" الصحفيين السوريين في دمشق بأن العلاقات مع قطر قد تم استئنافها على مستوى منخفض للغاية، وهو تطور لم تؤكده الدوحة علنا.

ويمكننا أن نعزو بوادر هذه المصالحة الخجولة بين مجلس التعاون الخليجي والنظام السوري بشكل رئيسي إلى نفوذ روسيا في سوريا.

ويشار إلى أن كل من المملكة العربية السعودية وقطر تتبنيان وجهة نظر "موسكو" بشكل متزايد، حيث تواصل السلطات الروسية حث دول مجلس التعاون الخليجي على المساعدة في عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم، وفي عملية إعادة الإعمار.

وقد استجابت بعض دول مجلس التعاون الخليجي لروسيا؛ بهدف الحصول على مقعد على الطاولة في محادثات السلام السورية.

بلا رؤية

وتؤكد جميع دول مجلس التعاون الخليجي في تصريحاتها العامة على أهمية إيجاد حل سياسي للصراع السوري، لكن يبدو أنها لا تملك رؤية واضحة أو مقاربة مشتركة.

وعلاوة على ذلك، من الواضح أنها جميعا استسلمت للدور الروسي في سوريا، وعلى الرغم من أن كل دولة من دول المجلس لديها وتيرتها الخاصة في التعامل مع النظام السوري، لكنه من الواضح أنها تسير جميعا في اتجاه نوع من المشاركة في دمشق.

وترسل الرياض إشارات متضاربة إلى سوريا، ويبدو أنها لم تستقر على نهج واضح، نظرا لأن تقاربها مع روسيا يتطلب بعض المرونة، ومع ذلك، فإن التحالف الاستراتيجي السعودي مع الولايات المتحدة يتطلب أيضا بعض الضغوط المستمرة على نظام "الأسد" للتنازل.

وإذا كانت الإمارات والبحرين تقودان الطريق لاستعادة العلاقات مع النظام السوري، فإن هذا سيخفف من الضغوط على الرياض لاتخاذ الخطوة الأولى نحو التطبيع.

ومع ذلك، فإن السعودية، وإلى حد ما قطر، سيكون عليهما أن توازنا بين أي خطوات للتطبيع مع النظام مع صلاتهما بالمعارضة السورية.

وإذا عادت الرياض للتقارب مع دمشق، فقد تضعف علاقاتها مع المعارضة السورية، وقد يدفع هذا النظام السوري لتجاهل المعارضة السورية واختيار التعامل مباشرة مع الرياض، وهذا قد يغير ميزان القوى، كما قد يدفع المعارضة السورية للتجمع حول تركيا بدلا من ذلك.

ويرى قادة دول مجلس التعاون الخليجي في أن إعادة العلاقات مع دمشق، وتوفير التمويل الخليجي لإعادة إعمار سوريا، من شأنه أن يعزز نفوذهم في سوريا ما بعد الحرب، ويحتمل أن يوفر توازنا مع النفوذ الإيراني.

 ولكن بغض النظر عن الخطوات التي قد تتخذها دول مجلس التعاون الخليجي تجاه التطبيع مع النظام السوري، فإن تأثيرها سوف يظل محدودا على الأرجح.

 ويبقى النفوذ الوحيد الذي تستطيع دول المجلس طرحه على الطاولة هو ارتباطها بالمعارضة السورية في المنفى، والتمويل المحتمل لإعادة الإعمار، وهما سلعتان قد لا تكونان كافيتان لإقناع روسيا، في المقابل، بالتنازل عن سوريا.

وقد لا يكون ردع النظام الإيراني في سوريا في متناول دول المجلس، على الأقل في المدى القصير.

العواقب المحتملة

قد تسرع التطورات في الأسابيع الأخيرة وتيرة إعادة العلاقات بين النظام السوري وبعض دول مجلس التعاون الخليجي.

ومنذ مقتل "خاشقجي"، وجدت كل من الرياض ودمشق مساحة مشتركة للعمل ضد تركيا، في حين أنهما لا تزالان يختلفان حول إيران.

ومن المرجح أن ترحب روسيا بعودة مجلس التعاون الخليجي إلى سوريا، ليس فقط لموازنة النفوذ الإيراني، وإنما أيضا لإضعاف الدعوات إلى رحيل "بشار الأسد".

علاوة على ذلك، فإن إعادة العلاقات بين المجلس ودمشق قد تهدئ مخاوف الولايات المتحدة بشأن احتكار روسيا للتطورات في سوريا، حيث قد يكون لهذه الدول بعض التأثير على محادثات السلام المستقبلية.

وإذا فشلت المصالحة بين الرياض والدوحة، فقد يصبح التقارب السعودي مع دمشق أكثر احتمالا، بينما ستواصل قطر تحالفها مع تركيا.

ومن المتوقع أن تواصل الإمارات والبحرين وسلطنة عمان خطواتها نحو تطبيع العلاقات مع دمشق، في حين قد تكون الكويت آخر دول المجلس التي تفعل ذلك؛ لتجنب أي رد فعل شعبي في الداخل.

لكن بالنسبة لـ"الأسد"، فهو في وضع مربح من كلا الجانبين، لأن دول مجلس التعاون لم تعد تطالب بمغادرته.

ولدى الولايات المتحدة أوراق محدودة للمساومة في هذه المعادلة، وقد يؤدي الدور السعودي في كل من شمال سوريا ودمشق إلى تعقيد الجهود الأمريكية في البلاد.

وسوف يضمن استمرار أزمة مجلس التعاون الخليجي تقسيم المعارضة السورية بين أولئك المتحالفين مع تركيا والمتحالفين مع المملكة العربية السعودية.

وسوف تستفيد روسيا والنظام السوري غالبا من هذه الديناميات الجديدة، وسيستمر النفوذ الأمريكي في الصراع السوري في الانخفاض.

ومع عدم وجود استراتيجية أو مشاركة أمريكية واضحة، سيسمح ذلك لبعض الحلفاء العرب بالارتقاء بأدوارهم في سوريا.

وفي حين قد تكون عودة مجلس التعاون الخليجي إلى سوريا حتمية، يجب أن يكون هناك نهج مشترك متماسك ومتناسق يخدم مصالح الشعب السوري على المدى الطويل.