القدس العربي-
انتظر الكثيرون داخل المملكة العربية السعودية وخارجها أن يتوفر جديد في خطاب العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، خاصة أن المملكة تعيش مأزقاً عصيباً يشمل أصعدة دبلوماسية وسياسية وقانونية وأخلاقية، على خلفية مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقد اكتسب الانتظار صفة أشد ترقباً بعد التسريبات الأخيرة التي نسبتها الصحافة الأمريكية إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأشارت بأصبع الاتهام إلى ولي العهد "محمد بن سلمان".
ولقد خاب فأل المنتظرين لأن خادم الحرمين الشريفين هو آخر من يتوجب انتظاره للنطق بحقيقة تدين ولي عهده وابنه المفضل، وهو الذي أتى به خلافاً لأعراف التولية المتبعة، وعلى نقيض الترتيبات ذاتها التي أقرّها الملك "سلمان" نفسه بعد وفاة سلفه الملك "عبدالله".
وكل ما جاد به الملك على رعيته كان جملة عامة جوفاء مفادها أن المملكة "تأسست على نهج إسلامي يرتكز على إرساء العدل، ونعتز بجهود رجال القضاء والنيابة العامة في أداء الأمانة الملقاة على عاتقهم، ونؤكد أن هذه البلاد لن تحيد عن تطبيق شرع الله، ولن تأخذها في الحق لومة لائم".
فأين الحق والحقيقة إذا كانت الرواية السعودية حول مقتل "خاشقجي" انتقلت من النكران التام، إلى الاعتراف بمقتله أثناء شجار بالأيدي، إلى إلصاق التهمة بعدد من أدوات التنفيذ، وصولاً إلى التشديد على أن ولي العهد "خط أحمر" خارج أي اتهام؟
وأين النهج الإسلامي والالتزام بالأركان الأبسط في شرع الله حين يغفل الملك "سلمان" أي إشارة إلى الجريمة في خطابه، فلا يتوقف عند الطريقة الوحشية التي اعتمدها القتلة في التخلص من جثمان مواطن مسلم، ولا يعبأ حتى بالترحم على روحه أو تقديم العزاء إلى أسرته؟
لكن خيبة الأمل لم تقتصر على هذا، بل إن الملك "سلمان" اختار أن يزكي ولي عهده عن طريق امتداح دوره في تنمية المملكة وفقاً لما يسمى "رؤية 2030"، ومن موقعه كرئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وكان لافتاً أن يقول الملك إن "المواطن السعودي هو المحرك الرئيسي للتنمية وأداتها الفاعلة"، وأن يتجنب في الوقت نفسه الخوض في واحدة من أبشع الجرائم بحق أحد أبرز مواطني المملكة.
ولن تكتمل الخيبة إلا بالاستماع إلى أقوال الملك حول السياسة الخارجية السعودية والملفات الإقليمية الحساسة، ففي حين أن ولي عهده منخرط في "صفقة القرن" الأمريكية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، يصرح الملك بأنها ستبقى "الأولى إلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة".
وإذْ يواصل ولي العهد مغامرته العسكرية الدموية في اليمن، يعلن الملك أن ذاك "لم يكن خياراً بل واجب"، وأما بصدد سوريا فإن الملك يكتفي اليوم بـ"حل سياسي يخرج سوريا من أزمتها ويبعد التنظيمات الإرهابية والتأثيرات الخارجية عنها، ويتيح عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم".
لكن حبل الإنكار قصير، ومثله حبال المماطلة والتستر، وهيهات أن يطمس الغربال قرص الشمس الساطعة.