الخليج الجديد-
"هناك خطر كبير من تقديم اتهامات ضده، ولا يعني كونه رأس الدولة أن يستفيد من الحصانة"..
بهذه الكلمات أكدت رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية "سارة ليا ويتسون" أن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ربما يواجه مصير الاعتقال إذا ما توجه إلى الأرجنتين لحضور قمة مجموعة العشرين في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان، الخميس، فإن مواجهة "بن سلمان" لهكذا خطر يعود إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية (Universal Jurisdiction) الذي يسمح لمدعي العموم في أي بلد بالسعي لاعتقال الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية والتعذيب أو الإعدام خارج نطاق القضاء، بصرف النظر عن مكان ارتكاب تلك الجرائم.
ولفت التقرير إلى أن مبدأ الولاية القضائية العالمية بدأ العمل به في الأرجنتين بالفعل في قضايا تتعلق بفلسطين والحرب الأهلية الإسبانية، والإبادة الجماعية للأرمن.
وبينما أكدت الصحيفة البريطانية أن جماعات حقوق الإنسان في العاصمة (بيونس آيرس) ليس لديها خطط للمطالبة باعتقال "بن سلمان"، أشارت إلى أن محامين يمكنهم أن يوجهوا الاتهام له في قضية اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" بمحكمة أوروبية، ويطالبوا بالقبض عليه عبر الإنتربول في الأرجنتين.
لحظة الحقيقة
واعتبرت الغارديان أن حضور ولي العهد السعودي قمة العشرين يقدم لزعماء العالم لحظة الحقيقة التي يفضلون تجنبها.
فرغم أن القوى الغربية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، سعيدة بمواصلة مبيعات الأسلحة للرياض رغم المذبحة في اليمن والتهديد بأسوأ مجاعة شهدها العالم، ورغم استمرار هذه المبيعات بمليارات الدولارات، ودون هوادة، حتى بعد الاحتجاج الدولي على مقتل "خاشقجي"، إلا أن التقاط الصور مع "بن سلمان" في الأرجنتين سيكون بمثابة كابوس سياسي لمعظم الزعماء في قمة العشرين، بحسب الغارديان.
ووصف المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، والزميل الحالي بمعهد بروكينغز للأبحاث "بروس ريدل"، تلك اللحظة بالمهمة، قائلا: "إنه ولي عهد لا يمثل خاشقجي سوى جزء واحد من سياساته المتهورة والخطيرة في جميع أنحاء المنطقة".
وأضاف: "ننظر الآن إلى الخطر الذي يهدد الملايين في اليمن، فهل سيفعل قادة المجتمع الدولي أي شيء إزاء ذلك؟"
موقف ترامب
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أوضح "ترامب" أن أيا من ذلك لا يثنيه عن استمرار المبيعات، في واحد من أكثر تصريحات السياسة الخارجية استثنائية في تاريخ الرئاسة الأمريكية.
وبإثارة الشكوك حول تقييمات الاستخبارات الأمريكية حول مقتل "خاشقجي"، التي رويت على نطاق واسع، وإلقاء اللوم بالكامل في الصراع اليمني على إيران، رهن "ترامب" المصالح القومية الأمريكية للرياض، بحسب الصحيفة البريطانية.
ورغم أن المملكة السعودية طالما تم النظر إليها كدولة عميلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أن "ترامب" حول ذلك رأسا على عقب.
فمن خلال تسويغ دعمه غير المشروط لمبيعات الأسلحة (المبالغ فيها بشدة) وللتأثير السعودي على سعر النفط العالمي، قدم الرئيس الأمريكي الولايات المتحدة على أنها هي العميل.
واقتبس "ترامب" حيثيات هذه التسويغات (فقدان مبيعات ووظائف أمريكية لصالح روسيا والصين، وارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، وتوصيف خاشقجي باعتباره عدو للدولة السعودية وعضو بجماعة الإخوان المسلمين) نصا من تهديدات "بن سلمان" لمستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" في مكالمة هاتفية، بحسب ما نقلته الغارديان عن مصادر وصفتها بالمطلعة.
وفي هذا الإطار، أعلن "ترامب" أنه سيكون سعيدا بمصافحة "بن سلمان" في حال حضوره قمة العشرين، لكن رغبة الرئيس الأمريكي قد تكون هي الاستثناء.
حضور القمة
فرئيس تركيا "رجب طيب أردوغان" من المقرر حضوره القمة أيضا، ويمكنه استخدامها كمنصة للمطالبة بالمساءلة عن مقتل "خاشقجي"، بحسب الصحيفة البريطانية، التي أشارت إلى أن حزبه (العدالة والتنمية) سخر من تصريح "ترامب" الداعم لـ"بن سلمان" واصفا إياه بأنه مضحك.
ومن المرجح أن تبقى المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" بعيدة عن ولي العهد السعودي، بعد أن قطعت بالفعل مبيعات الأسلحة الألمانية (محدودة للغاية) للمملكة وأصدرت حظر سفر أوروبي ضد 18 سعوديا يشتبه في تورطهم باغتيال "خاشقجي".
لكن تبدو المعضلة أعمق بالنسبة لرئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" ورئيس فرنسا "إيمانويل ماكرون"، إذ لا تزال حكومتيهما تبيعان الأسلحة للسعوديين، الذين يستخدمونها في اليمن، وسيكون التركيز على أخلاقية هذه المبيعات مركزا خلال تجاورهما مع "بن سلمان" في القمة، وكلاهما لا يحظى بشعبية داخلية كافية بالفعل.
وإزاء ذلك، يرى وكيل وزارة الخارجية البريطانية السابق للشؤون السياسية "نيكولاس بيرنز" أن "ترامب" والقادة السلطويين سيستقبلون "بن سلمان" بحرارة في بوينس آيرس، مشيرا إلى أن "الأمر سيكون متروكًا لكل من ميركل وماكرون وماي ليكونوا أبطال الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون ويتجنبوا احتضانه".
يؤكد المضيفون الأرجنتينيون لقمة العشرين أن ولي العهد السعودي لا يزال ضمن قائمة الحضور "لكنه قد يعيد النظر في الأمر"، فالمخاطر ليست سياسية ودبلوماسية فقط، حسبما أوردته الغارديان في تقريرها.
لذا عبرت "سارة ليا ويتسون" عن أملها في وجود بقية شجعان على ظهر الكوكب ينصحون "بن سلمان" بأن ذهابه إلى قمة العشرين ليس من مصلحته.