أليف عبدالله أوغلو - الخليج أونلاين-
يلحظ المتابع للتحركات السعودية المتلاحقة محاولاتها الحثيثة لمحو آثار جريمة اغتيال الإعلامي جمال خاشقجي البشعة، التي طبعت تفاصيلها في أذهان جمهور واسع في العالم، وأصبحت ترتبط بشكل مباشر بولي العهد محمد بن سلمان، الذي نفذت فرقة الاغتيال القريبة منه العملية داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
فقد لجأت الرياض- في حملة دعائية بدت مدروسة- إلى طريقة "استغلالية" لبراءة الأطفال، للتخفيف من الصورة الدموية التي التصقت بولي العهد المثير لجدل، وذلك من خلال نشر مشاهد مناقضة تماماً لقسوة الجريمة وبشاعتها، وذلك من خلال ظهور المسؤول الأول عن القضية، محمد بن سلمان (لكونه الحاكم الفعلي للبلاد)، مع أطفال بأعمار صغيرة يتودد إليهم، في مشهد قال كثيرون عنه إنه "تمثيل".
صورتان متناقضتان يظهر فيهما بن سلمان، بين أبيض لا شائبة فيه، وأسود كاحل لا يرى منه شيء.
ومنذ توليه منصبه كولي لولي العهد، وتوسيع صلاحياته في عام 2015، بدا لابن سلمان جوانب مظلمة حاربتها منظمات دولية وعربية ودول غربية، مطالبة بمحاكمته إثر الجرائم الداخلية والخارجية التي تورط بها.
آخر هذه الانتهاكات كانت اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، والذي تورط به بشكل كبير فريق من المقربين منه، ما أدى إلى انتقادات واسعة عمت العالم.
ففي الجانب المظلم من صورته، اشتهر بن سلمان بالعديد من الألقاب عربياً ودولياً؛ ومنها: "الزعيم الديكتاتوري"، "الدب الداشر"، "أبو منشار"، وقيل عنه إنه "متهور"، و"طائش"، و"مريض نفسي"، و"عدواني".
تأتي هذه الأوصاف عقب تورطه بجرائم ارتكبت بمشاركة بلاده بالحرب اليمنية، التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين وما زالت تهدد الملايين، بالإضافة لحملة الاعتقالات التي شنها ضد المعارضين السعوديين، والتي كمم فيها الأفواه.
وطالبت العديد من المنظمات والدول بن سلمان بالكفّ عن هذه الانتهاكات، كما ظهرت مطالبة بعقد محاكمة دولية له، ومطالبات أخرى بتنحيته عن منصبه، وعدم توليه للعرش في السعودية.
وبعد تأزم الأوضاع مؤخراً ضد بن سلمان إثر اغتيال خاشقجي، والصورة السوداء التي رسمت حوله في الإعلام العربي والغربي، حاول الإعلام السعودي تبييض هذه الصورة باستغلال الأطفال.
ففي زيارات بن سلمان الداخلية الأخيرة بالسعودية، والتي سعى من خلالها إلى التواصل المباشر مع الشعب السعودي، وأن يفتتح المشاريع التي تخدم رؤية المملكة 2030، ظهر في العديد من الصور ومعه أطفال.
الطفل عبدالله العطوي يطلب من ولي العهد مرسدس
— قس بن ساعدة (@SF_SKD) November 20, 2018
ورد عليه (ابشر) على خشمي
.
لاتلوم الشعب في حب محمد
#محمد_بن_سلمان #الجوف_ترحب_بزياره_الملك pic.twitter.com/fCrdPqtvGj
كلمات قليلة بين بن سلمان وبعض الأطفال رافقتها ابتسامة وتقبيل، وتوجيه كلمات مثل "على خشمي"، و"أبشر"، ليظهر قريباً ودوداً، في محاولة لإظهار صورة مليئة بالأمل والحلم والمستقبل الواعد المشرق لهؤلاء الأطفال.
وبدا احتفال الأطفال به لافتاً، وركز عليه الإعلام السعودي بشكل كبير، ووصف جولته الداخلية بـ"التاريخية"، فيما رآها متابعون "تمثيليات".
حاولت جاهدا وصف هذا الفيديو
— أ/حمد #القوة_الضاربة (@0Strict) November 21, 2018
لسيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
لكن لم أجد حرفا يجتمع مع حرفٍ
لصياغتها .
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنَّبات
إذا سُقيتْ بَماءِ المَكرُماتِ
تقومُ إذا تَعهدها المُربي
عَلى سَاقِ الفَضيلةِ مُثمِراتِ pic.twitter.com/3JjvQ6XlcM
صور | #ولي_العهد خلال زيارته عائلة الرشودي في مدينة #بريدة#الإخبارية pic.twitter.com/K4VyuKPpKv
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) November 7, 2018
- فكّ الشيفرة وكشف المستور
من جهة أخرى يكشف الإعلام الغربي مزيداً من خبايا تورط بن سلمان بقضية قتل خاشقجي، ويفكّ شيفرة الجريمة التي حصلت في قنصلية السعودية بإسطنبول الشهر الماضي، وقتلت ومزّقت أحد رعايا بلاده.
بن سلمان نفى خمس مرات تورطه بهذه الجريمة البشعة والمروعة، وذلك خلال حديثه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق ما قال الأخير.
ولكن على الرغم من نفيه هو وأخيه خالد بن سلمان، ووزير خارجيته عادل الجبير، فإن الاستخبارات الأمريكية المركزية (سي آي إيه) كشفت المستور، وأكدت أنه قد أمر بقتل خاشقجي.
وفي الوقت الذي تجري فيه التحقيقات الدولية في هذه القضية التي أذهلت رؤساء الدول وأرفع مسؤولي العالم، يواصل بن سلمان والإعلام السعودي المحلي محاولاتهم في تلميع صورته وإظهار جانب مُنير منها.
آخر ما كُشف عنه في قضية خاشقجي نشرته صحيفة "حرييت" التركية، الخميس (22 نوفمبر)، والذي يفيد بأن الاستخبارات الأمريكية لديها تسجيل لولي العهد السعودي، يأمر فيه بـ"إسكات" خاشقجي "بأسرع ما يمكن".
الصحيفة ذكرت أن رئيسة الاستخبارات، جينا هاسبل، أشارت خلال زيارتها أنقرة، الشهر الماضي، إلى وجود مكالمة هاتفية، تم التنصت عليها، بين ولي العهد وشقيقه خالد، سفير المملكة لدى الولايات المتحدة، يعطي فيها بن سلمان أوامر باستهداف خاشقجي.
دائرة تضيق تدريجياً على بن سلمان، ويعرّي إعلام عالمي وعقوبات دولية روايات السعودية المتهربة من المسؤولية، فيما ينشغل ولي العهد "المُصلح" بالتسلية مع أطفال بلاده بعد أن حوّل حياة آبائهم؛ من ناشطين ودعاة، إلى "جحيم"، ويبقى التساؤل المطروح: هل ستنقذ براءة الأطفال سمعة بن سلمان؟