ملفات » قضية جمال خاشقجي

ابنتا خاشقجي لواشنطن بوست: نعد بأن ضوءه لن يتلاشى

في 2018/11/24

واشنطن بوست- ترجمة محمد عبدالله -

كان "جمال خاشقجي" رجلا عميقا، ولكن بالنسبة لنا، بناته، كان ببساطة "أبي"، كانت عائلتنا فخورة دائماً بعمله، وقد فهمنا الروعة والعظمة التي كان ينظر بها الناس إليه، لكن في حياتنا كان أبا فقط، رجل محبّ ذو قلب كبير.

أحببناه عندما كان يأخذنا في نهاية كل أسبوع إلى محلات بيع الكتب، أحببنا النظر في جواز سفره، واستطلاع مواقع جديدة من خلال صفحاته المغطاة بأختام الخروج والدخول، وأحببنا أن نطالع سنوات المجلات والصحف التي كانت تحيط بمكتبه.

عندما كنا أطفالًا، كنا نعرف أيضًا والدنا كمسافر، لقد أخذه عمله إلى كل مكان، لكنه كان يعود إلينا دائما مع هدايا وقصص رائعة، كنا نبقى في الليالي نتساءل أين كان وماذا كان يفعل، ولكننا كنا واثقين أنه بغض النظر عن المدة التي سيغيبها عنا، سنراه مرة أخرى، ونعانقه.

كنا نعرف من سن مبكرة أن عمل أبي يتجاوز مداه ما هو أبعد من عائلتنا، وأنه كان رجلا مهما، تؤثر كلماته في الناس على مسافة بعيدة.

طوال حياتنا، كان من الشائع أن يوقفنا الناس في الشارع لمصافحة أبي، ليعبروا عن تقديرهم له. كان والدنا أكثر من مجرد شخصية عامة بالنسبة للكثيرين، فقد لمس عمله حياتهم بقوة وكان له صدى معهم ومازال.

لقد نشأنا في ظل حب آبائنا للمعرفة، أخذونا إلى عدد لا يحصى من المتاحف والمواقع التاريخية، فينما كان يقود أبانا سيارته من جدة إلى المدينة، كان يشير إلى مناطق مختلفة ويخبرنا عن أهميتها التاريخية.

لقد أحاط والدنا نفسه بالكتب، وكان يحلم دائمًا بالحصول على المزيد، وكان يستوعب الأفكار المختلفة التي يقرأها، ولكن حبه للكتب علمه أن يشكل أفكاره الخاصة، وعلمنا أن نفعل الشيء نفسه.

كانت حياته عبارة عن سلسلة من التحولات والانعطافات غير المتوقعة، وكنا جميعًا في نفس الرحلة، وبغض النظر عما كان يحدث، كان متفائلا، ورأى كل تحد كفرصة جديدة.

كان لدى والدنا بالتأكيد جانب براغماتي، ولكن في أحلامه وطموحاته كان يسعى دائما إلى الحصول على نسخة خيالية من الواقع، وهذا ما ألهمه طبيعته النقدية. وكان من المهم للغاية بالنسبة له أن يتكلم، وأن يشاركه الآخرون آرائه، لإجراء مناقشات صريحة حولها.

لم تكن الكتابة مجرد وظيفة، بل كانت واجبا بالنسبة له ؛ وكان متأصلة في جوهر هويته، ولقد جعلته الكتابة حيا، فها هي كلماته تحافظ على روحه معنا، ونحن ممتنون لذلك، يقولون: "هنا كان رجل عاش الحياة حقا على أكمل وجه."

عندما كنا في فيرجينيا خلال شهر رمضان، أظهر لنا والدنا العالم الذي بناه لنفسه خلال العام الماضي، قدمنا للأصدقاء الذين رحبوا به، وأطلعنا على الأماكن التي يرتادها، ومع أنه كان مرتاحا في محيطه، لكنه كان يتحدث دائما عن شوقه لرؤية منزله وعائلته وأحبائه.

كما أخبرنا عن اليوم الذي غادر فيه المملكة العربية السعودية، وهو يقف خارج عتبة داره، متسائلا عما إذا كان سيعود مرة أخرى، فبينما صنع والدنا حياة جديدة لنفسه في الولايات المتحدة، كان حزينا على المنزل الذي غادره.

وخلال كل مساعيه وسفراته، لم يترك أبداً الأمل لبلاده، لأنه في الحقيقة لم يكن معارضا، فإذا كانت الكتابة متأصلة في هويته، فإن كونه سعوديًا كان جزءًا من نفس الهوية.

وبعد أحداث 2 أكتوبر/تشرين الأول، زارت عائلتنا منزل أبي في فرجينيا، أصعب جزء كان رؤية كرسيه الفارغ، كان غيابه يصم الآذان. يمكننا أن نراه جالسا هناك، نظارات على جبهته، يقرأ ويكتب، عندما نظرنا إلى متعلقاته، عرفنا أنه اختار الكتابة بلا كلل على أمل أنه عندما يعود إلى المملكة، قد يكون هناك مكان أفضل له ولجميع السعوديين.

هذا ليس تأبينا، لأن ذلك من شأنه أن يمنح حالة من النهاية والإغلاق، بل هذا وعد بأن نوره لن يتلاشى أبداً، وأن يتم الحفاظ على إرثه في داخلنا،  قال والدنا: "البعض يغادر ليبقى" وهو ما نراه اليوم، نشعر بأننا قد أنعم الله علينا بروحه الأخلاقية، واحترامه للمعرفة، والحقيقة، ومحبته.