ياسمين فاروق- معهد كارنيغي-
أعلن وزير سعودي أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيحضر قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين هذا الشهر.
وهذه ستكون أوّل رحلة له منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي في حضور قادة تركيا والولايات المتحدة. وسيتعيّن على الأمير أن يُصلح ذات البين مع مسألة إخفاق خاشقجي، وأن يذكّر شركاءه بأنّ السعودية يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وهنا، قد تكون سورية أحد أوراقه.
كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد أكّد في آذار/مارس الماضي أنّ ولي العهد عرض على الرئيس السوري بشّار الأسد تمويل إعادة الإعمار وتطبيع العلاقات الثنائية، في مقابل ابتعاد سورية عن إيران. وبعد ثلاثة أيام، صرّح ولي العهد أنّ "بشار باقٍ" وأنّ مشكلة الرياض كانت بالفعل تحالف سورية مع إيران. مع ذلك، ثمة عائقان رئيسان يجعلان الطلاق السوري- الإيراني مستبعداً:
أوّلاً، عكس الأسد سياسة والده المُتمثلة في الموازنة بين العلاقات السورية مع السعودية وإيران حتى قبل العام 2011. وبعد حرب الخليج العام 1991، كان حافظ الأسد أرسى علاقة شخصية مع ولي العهد حينها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ما وفّر الدعم السعودي المالي والسياسي له. وفي حين كانت الرياض أوّل وجهة عربية لبشار كرئيس، فإنّ حرب العراق في العام 2003 خلقت مدخلاً لإيران لتوسيع نطاق انتشارها في منطقة مقّسمة بين تحالف تتزعمه إيران وسورية، وآخر بقيادة الولايات المتحدة والسعودية. ثمّ عمّقت الحروب اللاحقة في لبنان وغزة المواجهة. فردّ بشّار بتوقيعه مذكرات دفاعية جديدة مع إيران وفتح بلاده أمام النفوذ الإيراني. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلتها دول الخليج في تلك السنوات لإبعاد سورية عن إيران.
ثانياً، لم يكن بشار يثق إطلاقاً بالسعودية للدفاع عن سورية ضد التهديدات المنطلقة من الولايات المتحدة، وكان نظامه يؤمن دائماً بأنّ المملكة "مشلولة" بسبب تحالفها مع واشنطن. واليوم، تتواءم السياسات السعودية والأميركية في الشرق الأوسط، حتى في مايتعلّق بمطالبة بشار بالتضحية بتحالف عمره 28 عاماً مع إيران؛ وهو تحالف زوّده بالنفط والقروض والمساعدات، والأهم من ذلك خلال الصراع السوري، قدّم له عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الذين لاتستطيع السعودية الحلول مكانهم. فحتى لو أراد الأسد قطع علاقته مع إيران، من الصعب تصوّر كيف يمكنه الإقدام على ذلك الآن.
لهذا السبب لن يتجّه المسعى السعودي المرتبط بسورية في هذا الصدد. ومع ذلك، يجب على الرياض مواصلة انخراطها الحالي في سورية والدفع لتشكيل نظام سوري يستعيد، على الأقل، موازنة حافظ الأسد بين تحالف سورية مع إيران وبين علاقاتها مع السعودية. ولدى الرياض الوسائل للعمل على كل من الجبهتَيْن الدولية والعربية للوصول إلى هذا الهدف.
على الصعيد الدولي، حثّت كل من الولايات المتحدة وروسيا السعودية على اتّخاذ مزيد من الخطوات في سورية. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2018، زار مبعوثا واشنطن وموسكو العاصمة السعودية على التوالي، وطلبا من المملكة المشاركة في ما أطلق عليه "الحل السياسي" للصراع. يتعيّن على السعودية مواصلة التزامها بالتحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال مشاركتها في قيادة مجموعة العمل المعنية بمكافحة تمويل الدولة الإسلامية في العراق والشام (CIFG). كما أنّها عضو رئيس في مجموعات عمل الاتصالات وتحقيق الاستقرار التابعة للتحالف، وساهمت مؤخراً بمبلغ 100 مليون دولار لإعادة الاستقرار إلى سورية. كما أنها عضو في المجموعة الدولية المصغرة حول سورية، التي أكد خطاب الملك السعودي سلمان بن بعد العزيز في 19 تشرين الثاني/نوفمبر تبنّي بلاده لأهدافها.
بإمكان السعودية فعل المزيد بسهولة لبناء قاعدة اجتماعية لنفوذها المتنامي بين الطوائف السورية خارج سيطرة نظام الأسد. إذ أنّ الرياض هي مقر بعض أعضاء المعارضة السورية ورجال الأعمال السوريين البارزين، وقد زعمت أنّها تستضيف أكثر من 400 ألف لاجئ سوري. كما أنّ لها نفوذاً بين الجماعات الإسلامية "المعتدلة" داخل سورية، والتي يمكن أن تكون مقبولة لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ثمّ أنها تتعرّض إلى ضغوط روسية للتصالح مع النظام. ويعمل "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" (KSRelief)، وهو الذراع الإنساني للسياسة الخارجية للمملكة، أساساً في شمال سورية وفي البلدان المجاورة، حيث يقوم بتوزيع المساعدات والتمويل وتنفيذ المشاريع في قطاعات التعليم والصحة والبنى التحتية والتدريب المهني.
على الجبهة العربية، بدأ الأسد يتباهى حول تطبيع علاقات سورية مع دول عربية. وبمساعدة العقوبات الأميركية ضدّ الشركاء الاقتصاديين لنظام الأسد، يمكن للرياض ممارسة الضغوط على هؤلاء الشركاء واستخدام ذلك للدفع باتجاه تحقيق انتقال سياسي شامل وعادل في سورية، والعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين. وإذا لم تتمكّن الرياض من منع الدول العربية من إقامة علاقات تجارية مع الأسد، فإنّها بحاجة إلى ضمان ألا تسمح هذه الأعمال بإعادة الإعمار في المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام لأنّ ذلك سيعزّز استقراره.
تزيد العقوبات الاقتصادية الحالية على إيران وحقيقة أنّ الولايات المتحدة تسيطر على المناطق المنتجة للنفط في سورية، الحاجة السورية والروسية إلى التدخل الاقتصادي العربي في البلاد. وقد يعني النفوذ الذي يخلقه هذا أنّ الانتقال السياسي في سورية ليس بعيد المنال كما يعتقد البعض.
يمكن أن تستفيد السعودية من العمل مع مصر والإمارات العربية المتحدة في هذا الصدد. فالبلدان متحالفان مع الولايات المتحدة والسعودية، ولديهما صلات يسعى إليها الأسد، فضلاً عن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في سورية. لم تكن مصر، وبدرجة أقل الإمارات، متورّطتَيْن مثل السعودية في الصراع السوري، ومن المحتمل أن تتمكنا من هندسة المظلّة الذهبية للأسد إذا ما أصبح رحيله ثمناً لتسوية سياسية. فمصر هي الدولة العربية الأقل تهديداً لنظام الأسد والشعب السوري وإيران وروسيا. وقبل كل شيء، فإنّ القاهرة وأبو ظبي والرياض، على الأقل علانية، في حالة حرب مع أحد أعداء بشار، أي جماعة الإخوان المسلمين.*
يجب ألا تسعى السعودية إلى دفع القوات الأميركية في سورية إلى مواجهة عسكرية مع إيران أو نشر قوات سعودية في البلاد. إذ أنّ الوجود العسكري السعودي سيعيق الجهود العربية لتحقيق الاستقرار في سورية، والحد من فرص السعودية في تحدّي نفوذ إيران هناك. بدلاً من ذلك، الآن هو الوقت المناسب للعمل السياسي السعودي. فمن المحتمل أن يجتمع أعضاء المجموعة المصغّرة قريباً، بعد قمة مجموعة العشرين وقبل بدء مبعوث الأمم المتحدة الجديد عمله في سورية. ينبغي على الرياض أن تستغل الاجتماع لمناقشة خطوات في سبيل اتخاذ إجراءات إضافية في سورية. ويتعيّن أن تكون هذه الخطوات أكثر واقعية ليكون تأثيرها أكبر.