ويليام هارتونغ- لوب لوج- ترجمة شادي خليفة -
أثار اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، على يد النظام السعودي، مطالبات بإعادة التفكير في العلاقات الأمريكية السعودية بشكل عام، والعلاقات العسكرية على وجه الخصوص.
ويشير تصريح الرئيس "ترامب" بأنه لن يوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة، حتى لو كانت مسؤولة عن قتل "خاشقجي"، بشكل مخيف، إلى أن الأرباح المالية والعدد القليل من الوظائف لها الأسبقية على الحاجة إلى محاسبة نظام قاتل.
ولا توجد فائدة اقتصادية، مهما كانت كبيرة، يمكن أن تبرر الاستمرار في تسليح نظام لم يقتل صحفيا بأبشع الطرق التي يمكن تخيلها فحسب، بل قتل الآلاف من المدنيين في هجمات تفجيرية عشوائية في اليمن، كثير منها بالقنابل والطائرات التي زودته بها الولايات المتحدة.
الحجج الاقتصادية
ولكن إذا كان لابد من تفعيل الحجج الاقتصادية، فيجب أن ندقق في الأمور قليلا.
ادعى الرئيس الأمريكي أن هناك مجموعة كبيرة من الوظائف التي ستتدفق من صفقة الأسلحة التي أبرمتها الإدارة مع الرياض بقيمة 110 مليارات دولار، وقدر أنها ستصل إلى "أكثر من مليون"، وفي إحدى الحالات تكلم عن تقديره لتوفير 400 ألف وظيفة في غضون أسابيع قليلة.
ولكي نكون منصفين، يبدو أن رقم مليون وظيفة كان من المفترض أن يتضمن بعض الصفقات التجارية بالإضافة إلى مبيعات الأسلحة المزعومة، لكن تصريحات " ترامب" الغامضة حول الموضوع تجعل من الصعب معرفة ذلك بدقة.
ويعد رقم 110 مليارات دولار، الذي يتم ترويجه في كثير من الأحيان كصفقة واحدة، مبالغا فيه بشدة.
وأصدر البيت الأبيض قائمة بصفقات تصل قيمتها إلى 110 مليارات دولار، لكن معظمها إما تم إخطار الكونغرس بها خلال إدارة "أوباما"، أو كانت توقعات بعيدة المدى لمستقبل المبيعات المحتملة التي من غير المرجح أن تحدث في وقت قريب.
وفي الأرقام الدقيقة، تقدر وزارة الخارجية أن النظام السعودي أبرم صفقات "مبدئية" للأسلحة الجديدة ومعدات الدعم بقيمة 14.5 مليار دولار فقط منذ تولى الرئيس "ترامب" منصبه، وهو رقم يزيد قليلا على 10% من الرقم البالغ 110 مليارات دولار الذي تروجه الإدارة.
وهناك طريقة أخرى للنظر إلى القضية، وهي أن الكونغرس تلقى إخطارات عن مبيعات أسلحة جديدة محتملة إلى المملكة العربية السعودية بقيمة 20 مليار دولار منذ تولي الرئيس "ترامب" السلطة.
وكان هناك أيضا ما يقرب من ملياري دولار في صفقات مرخصة من قبل وزارة الخارجية، أي بإجمالي مبلغ 22 مليار دولار.
ولم يصل معظم هذه الصفقات إلى مراحلها النهائية، ولا تزال الصفقة الأكبر، وهي صفقة بقيمة 13.5 مليار دولار لمنظومة الدفاع الصاروخي "ثاد" من "لوكهيد مارتن"، قيد المناقشة.
وتستند جميع مبيعات الأسلحة السعودية الرئيسية إلى الترتيبات التي تمت خلال أعوام "أوباما"، عندما أبلغت تلك الإدارة الكونغرس بتقديم 117 مليار دولار من عروض الأسلحة للسعودية على مدار 8 أعوام قضاها في منصبه.
وخلال تلك الأعوام الثمانية نفسها، كانت هناك اتفاقيات رسمية بقيمة 65 مليار دولار فقط تم توقيعها مع المملكة، تم تنفيذ 18 مليار دولار منها بشكل مؤكد.
ويرجع التناقض بين العروض والاتفاقيات وبين المبيعات الفعلية إلى حقيقة أن عددا كبيرا من العروض لا تتحول إلى اتفاقيات أو مبيعات.
بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يتم تنفيذ الصفقات المكتملة على مدار أعوام عديدة.
وأخيرا، يتم تقليل قيمة بعض الصفقات بين وقت العرض الأولي والاتفاق النهائي.
مبالغات "ترامب"
في ضوء ذلك، تبقى الجدوى الاقتصادية لمبيعات الأسلحة إلى السعودية مشكوكا فيها في أفضل الأحوال في الوقت الذي توجد فيها حقيقة كبرى لا تقبل الجدل، وهي أن الجيش السعودي يعتمد بشدة على الأسلحة والدعم الأمريكيين، ولا يمكنه العمل بفعالية بدونها.
ويعود أصل ثلثي عدد الطائرات القتالية المقدرة بـ365 طائرة في الترسانة السعودية إلى الولايات المتحدة.
ومن الجدير بالذكر هنا التأكيد على أن إدارة "ترامب" لم تقك بإبرام "صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار" مع المملكة العربية السعودية، لكن صفقة الرئيس "ترامب" الضخمة مع السعودية هي مزيج من العروض التي تمت الموافقة عليها خلال إدارة "أوباما"، وبعض العروض الجديدة، وعشرات المليارات من صفقات المضاربة غير المؤكدة، لكن الصفقات الفعلية الي تم تنفيذها منذ تولي الرئيس "ترامب" منصبه تبلغ ما مجموعه 14.5 مليار دولار فقط.
وقد يكون لمبيعات الأسلحة بعض الجدوى الاقتصادية، ولكنها ليست ضخمة كما يصور "ترامب"، حيث تدعم مبيعات الأسلحة السعودية عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة، وليس مئات الآلاف أو "مليون"، كما ادعى الرئيس "ترامب".
ويبلغ متوسط قيمة شحنات الأسلحة التي أرسلتها واشنطن فعليا إلى الرياض نحو 2.5 مليار دولار سنويا، وهو ما يكفي لدعم ما بين 20 إلى 40 ألف وظيفة فقط، بعضها في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من هذه الوظائف لن تكون مهددة إذا تم إلغاء صفقات محددة، وسيتم تحويل العديد من العمال المشاركين في إنتاج الأسلحة للسعودية إلى مشاريع أخرى من قبل الشركات التي لديها تراكمات متتالية من العقود الحالية مع البنتاغون.
وتذهب العديد من الوظائف التي تم خلقها بواسطة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية نفسها، وسينخفض تأثير الوظائف التي قد توفرها مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية بفعل الخطة الاقتصادية السعودية الجديدة تهدف إلى إنتاج 50% من مبيعات الأسلحة داخل المملكة نفسها.
وقد تعهدت شركات أمريكية مثل "رايثيون" و"لوكهيد مارتن" و"بوينغ" بتلبية هذا الهدف.
الخلاصة هنا أن تجارة الأسلحة الأمريكية السعودية تؤثر تأثيرا هامشيا على الاقتصاد الأمريكي.
وحتى مع أعلى تقدير بـ40 ألف وظيفة في الولايات المتحدة متعلقة بصفقات الأسلحة السعودية، فإن هذا الرقم يمثل أقل من 0.003 من القوة العاملة في الولايات المتحدة، التي تبلغ أكثر من 160 مليون شخص.
يعد قطع الأسلحة والدعم الأمريكيين أفضل وسيلة للضغط من أجل إنهاء الحرب في اليمن.
ويضغط مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين من كلا المجلسين من أجل وضع حد لمبيعات الأسلحة والدعم العسكري للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن.
وقد حان الوقت للمضي قدما في هذه الجهود، خاصة بعدما تعهدت الإدارة بالسعي لوقف إطلاق النار هناك وإنهاء تزويد الولايات المتحدة للطائرات السعودية بالوقود.