الخليج أونلاين-
تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في قضايا قتل أشخاص لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، كالمسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسؤولية التغطية عنها، أو مسؤولية التشجيع عليها، وهو ما ينطبق على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وتصنف المحاكم الدولية جرائم القتل، وانتهاكات الحرب، باعتبارها جرائم ضد القانون الدولي الإنساني، حيث يمكن محاسبة مرتكبيها بالمحاكم الدولية، حتى لو كان المتورط فيها ملكاً، أو رئيساً لدولة، أو يشغل منصباً مهماً، وفق ما تنص عليه قوانينها.
وفي حال نُصِّب بن سلمان ملكاً للسعودية، فإن ذلك لن يحميه من تقديم دعاوى ضده أمام المحكمة الدولية بتهم ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وفقاً للمادة الـ15 من نظام روما الأساسي الذي ترتب عليه تأسيس المحكمة الجنائية، والذي يتيح التحقيق في أي انتهاك منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، أو القتل العمد.
ووفق قوانين المحكمة الدولية، يمكن محاكمة بن سلمان حتى لو أصبح ملكاً، بسبب قيادته التحالف العربي باليمن، والذي تسبب في مقتل أكثر من 50 ألف طفل، إمَّا بالغارات الجوية، وإما بالأمراض والمجاعة وسوء الأوضاع الإنسانية التي تسبب فيها التدخل السعودي باليمن.
وتضع المحاكم الدولية انتهاكات تحالف السعودية في اليمن تحت تهمة "ارتكابه جرائم حرب"، وهو ما يتيح تقديم بن سلمان للمحاكمة أمام "الجنائية الدولية"، بسبب سقوط آلاف الضحايا الأبرياء.
وتتيح قوانين المحكمة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمن بالأمم المتحدة، رفع قضية ضد شخصية اعتبارية، أو مسؤول كبير بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وتختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وتعني -حسب تعريف ميثاق روما- القتل أو التسبب في أذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكاً كلياً أو جزئياً، وهو ما ينطبق على بن سلمان الذي ارتكب العديد من تلك الجرئم.
وفي حال قُدِّم بن سلمان إلى المحاكمة الدولية، وثبت ارتكابه جرائم قتل، وجرائم حرب، سيُحكم عليه بالسجن عدداً محدداً من السنوات أقصاها 30 سنة، أو السجن المؤبد، وفق المادة الـ77 من نظام روما للمحكمة.
ويُعد الرئيس السوداني عمر البشير أول رئيس عربي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية عام 2008، تتصل بجرائم قتل واضطهاد في إقليم دارفور.
السفير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية ستيفن راب يؤكد أن بن سلمان يمكن محاكمته دولياً في حال كانت التقارير عن ارتكابه جريمة قتل خاشقجي دقيقة، والتي يمكن تصنيفها وفق القانون الدولي باعتبارها إحدى جرائم الحرب.
ويقول راب في حديث سابق لصحيفة "واشنطن بوست": إنه "يمكن إقامة دعوى في المحاكم المدنية ضد بن سلمان، وفق تهم جنائية تستند إلى القانون الدولي".
ويضيف: "هذا النوع من الأفعال يعطي حقوقاً للضحايا وغيرهم، لإثارة هذه القضية في الهيئات الدولية، وقد تفتح إمكانيات التقاضي الخاص، ويمكن أن تُرفع الدعوى في دولة ثالثة، ويمكن تقديم الملاحقات الجنائية ضد بن سلمان وغيره من المسؤولين السعوديين تحت بند اتفاقيات الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب".
كذلك، من خلال مبدأ الولاية القضائية العالمية، بإمكان أي دولة عضوة في الاتفاقيات الدولية الخاصة بجرائم الحرب والقتل، ومن ضمنها الولايات المتحدة، إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، والسعي للحصول على أمر من السعودية بمقاضاة المتهمين أو تسليمهم.
ومن الأمثلة الحديثة في ذلك؛ الدعوى التي رفعتها بلجيكا على السنغال، والتي طالبت فيها بتسليم حسين هبر، الرئيس التشادي السابق، لمحاكمته في جرائم ضد الإنسانية.
بدورها، نقلت صحيفة "الغادريان" البريطانية عن مسؤولة بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن بن سلمان لا يتمتع بحصانة، لأنه ليس رئيس دولة.
وأكدت "الغارديان" في تقرير لها، الجمعة (23 نوفمبر)، أن الإنتربول يستطيع إلقاء القبض على ولي العهد السعودي في أثناء مشاركته بقمة العشرية المزمع عقدها في الأرجنتين.
وتقول الصحيفة: "قد يواجه بن سلمان خطراً قانونياً بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للادعاء العام في أي بلد بطلب اعتقال الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية، أو التعذيب أو الإعدام خارج نطاق القانون، بصرف النظر عن مكان ارتكاب تلك الجرائم".
عقوبات مغلَّظة
تأكيدات السفير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، بخصوص إمكانية ملاحقة بن سلمان حتى لو أصبح ملكاً، تعززها أكشاي كومار، نائبة مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إذ أكدت أن ولي العهد السعودي تجب محاسبته بتهم ارتكابه جرائم باليمن.
وبيّنت كومار في تصريح سابق لها، أن من بين صلاحيات مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات مغلَّظة على المسؤولين عن القصف العشوائي والحصار غير القانوني اللذين يمنعان وصول السلع الأساسية للسكان المدنيين في اليمن.
كذلك، يؤكد الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست" جوش روجين، أن بن سلمان لن يكون بمنأى عن المحاكم الدولية، خاصةً مع وجود العديد من الطرق التي يمكن من خلالها معاقبته على قتله خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
ويقول روجين: إنه "بموجب القانون الدولي والقانون الأمريكي، حتى لو لم يكن بالإمكان إثبات أن بن سلمان عرف بمقتل خاشقجي، فإنه سيظلّ مسؤولاً عن قتله، لأنه مسؤول عن القتلة. فعلى سبيل المثال، حكمت المحاكم الفيدرالية الأمريكية في عام 1995 على وزير الدفاع الغواتيمالي، هيكتور جراماجو، بالمسؤولية عن جرائم اغتصاب وتعذيب تعرّضت لها ديانا أورتيز على يد القوات الخاضعة لسيطرته".
وحققت المحكمة الجنائية الدولية في أول قضية لتوماس لوبانغا زعيم إحدى المليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث قيل إنه جنَّد أطفالاً قاصرين واستخدمهم في الحرب.