القدس العربي-
لا حاجة للبحث عن أي أسرار تكتنف الجولة العربية التي باشرها ولي العهد السعودي مؤخراً، ولا التفكير في الأسباب البعيدة أو القريبة التي تجعله يخرج من الوكر إلى العراء في هذه المرحلة بالذات، وإلى بلدان مثل الإمارات ومصر، أو إلى محفل دولي مثل قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس.
وإذا كان من سرّ وحيد في هذه الجولة فإنه أسماء المحطات التي ستشملها، وهذا بدوره تفصيل مفضوح شبه معلن رغم التكتم الشديد الذي يحاط به.
فمن البديهي أن يزور بن سلمان تلك الأنظمة التي تتحالف مع سياسات المملكة، أو تخضع لها، أو تنخرط معها في مشاريع عسكرية وأمنية وسياسية واستثمارية، على شاكلة «تحالف المحمدين»، بن سلمان السعودي وبن زايد الإماراتي، ومغامراتهما في اليمن وليبيا، وما يسديانه من خدمات في التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وممارسة شتى الضغوط لتمرير «صفقة القرن».
هنالك أيضاً تلك الأنظمة التي تتعيش على ملايين الرياض، وسبق لها أن باعت للمملكة الأرض والتاريخ وليس السيادة الوطنية والقرار المستقل فقط، على غرار حاكم مصر عبد الفتاح السيسي.
لكن بن سلمان يعرف أن الشعوب العربية في غالبية البلدان التي يحلم بأن يطأها واقعة تحت نير العسف والاستبداد وأجهزة القمع المتمرسة في كم الأفواه وقهر الإرادات، وإلا فإن كل شبر في أية عاصمة عربية سوف يتفجر ضده، رفضاً واستنكاراً وغضباً واحتجاجاً.
ولأن بلداً مثل تونس يتلمس طريقه بتوأدة نحو تجربة شابة في الديمقراطية والتعدد وامتلاك حق الرأي والتعبير، رُفعت لافتات تقول «لا أهلاً ولا سهلاً»، ليس ضد حامل المنشار الذي أودى بحياة الصحافي السعودي جمال خاشقجي فقط، ولكن أيضاً ضد «جلاد النساء» الذي يزعم قيادة مسيرة «إصلاحية» في المملكة، ويدّعي امتلاك «رؤية» للمستقبل.
حتى في مصر، حيث باتت أجهزة السيسي أشد شراسة من أسوأ عقود أنور السادات وحسني مبارك، لم يتلكأ الكتّاب والصحافيون وممثلو الرأي العام عن إسماع الصوت غير المرحّب بولي العهد.
وكان امتلاء مواقع التواصل الاجتماعي بصورة حامل المنشار التي صارت تمثل بن سلمان خير تمثيل، وصورة أهرامات مصر وقد توشحت بالعلم السعودي، بمثابة طرائق في الرد بالغة السخرية والمرارة ابتدعتها مخيلة السخط الشعبي التلقائية.
وفي قمة بوينس آيرس سوف يرى بن سلمان بأم العين تعبيرات شعبية شتى رافضة لزيارته ومشمئزة من حضوره، فالرأي العام هناك أكثر انعتاقا من أن يسكت عن جريمة شنيعة مثل تلك التي أمر بن سلمان بتنفيذها وأودت بحياة خاشقجي.
وبصرف النظر عن المصالح الاقتصادية التي قد تتيح لقاء ولي العهد بهذا أو ذاك من الزعماء المشاركين في القمة، فالأرجح أنه لن يجد عضيداً سوى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سوف لن يتأخر في تسطير الفاتورة ومواصلة هوايته في «حَلْب» خزائن المملكة.
لكن فاتورة إجماع الشارع الشعبي على رفض الحكام القتلة تبقى من طراز آخر، لا يصرفه التاريخ بالدولار.