مركز كارنيغي للشرق الاوسط-
مشاركة محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين ستزيد الطين بلّة. ففي خضم المؤشرات التي تشي بضلوعه في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ستُطلق مشاركته رسالة واضحة إلى العالم الذي ينتظر تحقيق العدالة الفعلية، قد تُفسَّر بأنها تطمين من قِبَل الشركاء الاقتصاديين والسياسيين المقرّبين من السعودية بأن النظام السعودي عموماً ومحمد بن سلمان خصوصاً سيخرجان سالمَين من هذه الأزمة ذات الأبعاد الدولية.
مع ذلك، سيلطّخ حضور بن سلمان سمعة كل الدول المشاركة في القمة، ويُظهر أنهم غضّوا الطرف عن عملية انتهاك صارخ للأعراف وحقوق الإنسان، كما سيؤكّد هذا الحضور على إفلاته من العقوبات، ماسيحثّه على مواصلة خنق الأصوات المعارضة، وحتى اغتيال منتقديه في الخارج. علاوةً على ذلك، تدلّ هذه الخطوة على أن كل ما تنضح به الجهات الاقتصادية الكُبرى في العالم عن انتهاج سياسة خارجية شهمة وأخلاقية، ما هو إلا ادّعاءات فارغة لا أساس لها، وأن هذه الجهات لن تتوانى عن الانخراط في مسرحية ساخرة تشكّل انزلاقاً حادّاً نحو براغماتية خطرة.
ستحمل مشاركة محمد بن سلمان في قمة الأرجنتين دلالات كُبرى، لأنها ستُظهر أنه أصبح خارج دائرة الخطر، وأن وسائل الإعلام الأميركي الليبراليية واليسارية الهوى لم تتمكّن من تحقيق هدفها المتمثّل في إزاحته من منصبه كوليّ للعهد. أما بالنسبة إلى معظم دول العالم، فلم يعد نبأ مقتل خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي خبراً جديداً أو مثيراً للاهتمام، ولم تعد تتناوله سوى مقالات الرأي الساذجة والواهمة في صحيفة "واشنطن بوست" على سبيل المثال، في وقتٍ لاتزال الولايات المتحدة– كما المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا- من الدول الأكثر تصديراً للسلاح إلى المملكة. لذا، ثمة مبرّر لهذا الشجب، على الرغم من عبثيّته، نظراً إلى أن هذه الدول هي التي اخترعت، إذا جاز التعبير، عمليتَي الاحتجاز والترحيل غير القانونيين. إذن، ستعطي مشاركة محمد بن سلمان في قمة الأرجنتين العالم أجمع انطباعاً بأن آل سعود استثمروا الغالي والنفيس في وليّ العهد الشاب، وأنه مهيّأ ليكون ملكاً ويصون إرث الأسرة ومستقبلها.
سيكون حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين بالغ الأهمية، بالنسبة إلى مراقبي أحداث الشرق الأوسط، لأسباب متنوّعة، بعضها قد يبدو تافهاً، لكن العديد منها مهم، وبخاصة في ظل الظروف الراهنة. فعلى أقل تقدير، سيكشف هذا الحضور عن أن الأمير يشعر بالأمان، وبأنه لن يحصل أي انقلاب عائلي ضدّه أثناء غيابه. وكما في السابق، سيكون مرتدياً اللباس العربي التقليدي بدلاً من البذلة الرسمية الغربية. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: مع من سيلتقي على انفراد ومن سيبقى على مسافة منه؟ أين سيقف في الصورة الرسمية وإلى جانب من؟ سألت أحد المسؤولين الدبلوماسيين السابقين المخضرمين كيف سيتعامل المسؤولون مع هذا التحدي، وجاء ردّه مقتضباً ودبلوماسياً بامتياز: "بحذر". أما بالنسبة إلى ممثلي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وتركيا، سيكون مثيراً للاهتمام مراقبة الحلول المتاحة لهذه المسألة.
أما في ما يتعلق بالمراقبين غير الشرق أوسطيين، فلن يكون لحضور الأمير أهمية كبرى. إذ إنه لا ضرورة لتواجد محمد بن سلمان، باستثناء اغتنام فرصة الظهور على الساحة العالمية، إذ كانت المملكة ممثّلة، في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في هامبورغ العام 2017، بوزير المالية السابق إبراهيم العساف، بصفته وزير دولة.
سيحتّل هذا الحدث أهمية كبيرة، باعتبار أنه سيمثّل الاختبار الدولي الأول لمحمد بن سلمان منذ مقتل جمال خاشقجي. فقد أقدم الأمير مؤخراً على خفض ظهوره العلني بواقع النصف، سواء في السعودية أو في العالم العربي، حتى أن لقاءاته كانت تقتصر على القادة الأصدقاء الذين أظهرت بلادهم دعمها العلني له غداة عملية القتل. لكن الوضع سيكون مختلفاً بشكل جذري خلال قمة مجموعة العشرين، بدءاً من تواجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بوينس آيرس.
سيصبّ محمد بن سلمان جلّ تركيزه على ثلاثة أهداف لتعزيز موقعه بشكل أكبر: الأول، دحض الشكوك الإعلامية الدولية حول مستقبله كولي للعهد؛ والثاني، مقابلة قادة العالم الذين لم يتمكنوا أو لم يريدوا استضافته في عواصمهم؛ والثالث، استكمال حملته الإعلامية المحلية وتوثيقها بالصور لتؤكد انتصاره والسعودية على "المؤامرة الدولية" التي أعقبت مقتل خاشقجي.