الخليج أونلاين-
شهر واحد فقط صبت أحداثه جام غضبها على 3 دول عربية يضيع فيها كل من يحاول أن يعبر عن رأيه أو ينتقد نظام الملك والرئيس، إنها السعودية والإمارات ومصر.
هذا الثلاثي العربي الذي يشترك في حصار قطر منذ عام ونصف العام، اجتمع أيضاً على سياسات القمع والملاحقة للنشاط وأصحاب الرأي، فضلاً عن التدخل في شؤون الدول الأخرى.
قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، والباحث الإيطالي الراحل جوليو ريجيني، كلها قضايا ضج بها العالم، خاصة خلال الشهر الماضي.
السعودية X خاشقجي
مع تصاعد الاعتقالات في السعودية إلى ذروتها عقب وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد، حزم خاشقجي أمتعته وحمل عقله وأفكاره المعارضة وذهب بعيداً عن الممكلة، محاولاً الحفاظ على حياته.
في واشنطن استقر خاشقجي، ولم يمضِ عام واحد حتى أصبح حديث العالم، بعد أن أقدم فريق اغتيال سعودي على قتله في قنصلية الرياض بمدينة إسطنبول التركية يوم 2 أكتوبر.
هذا التاريخ كان الأقوى في سجل الحرب على الرأي المعارض، حيث كشف عورة السعودية التي امتلأت سجونها بمعتقلي الرأي والنشطاء والدعاة، والأمراء أيضاً، وكل من يسير في فلك بعيد عن الملك وحاشيته.
خاشقجي الذي لم يكن من الحاشية، لم يعجبه المنهج الذي سار عليه محمد بن سلمان في ملاحقة وقمع الناشطين، وطريقته كذلك في تغيير الصورة النمطية للمجتمع السعودي الذي يصف نفسه بالمحافظ.
والصحفي السعودي كان واحداً من هذا المجتمع المحافظ، لكنه وجد نفسه مهاجراً قسراً إلى الولايات المتحدة حتى لا يدفع حياته ثمناً في "دولة الرجل الواحد".
وعلى الرغم من ذلك لم يأمن خاشقجي مكر ملاحقيه الذين تؤكد تقارير أنهم أعدوا خطة لإسكات صوته، بإشراف وتعليمات جهات عليا في العائلة الحاكمة، وعلى رأسها ولي العهد وأعوانه ومستشاروه.
خاشقجي والآلاف من قبله كانوا ضحية آرائهم، فبعضهم قُتل وآخرون وجدوا نفسهم في غياهب السجون، وفي دائرة الملاحقة والإقامة الجبرية والمنع من السفر.
كل تلك الانتهاكات وضعت السعودية في زاوية حرجة زادت حدتها بعد تاريخ 2 أكتوبر، حين تحرك العالم بأسره للمطالبة بكشف ملابسات جريمة خاشقجي والمسؤول عن عملية القتل التي جرت في ظروف تخدش مشاعر الإنسانية.
ونقمت دول عربية وغربية، ومنظمات حقوق إنسان دولية، ومسؤولون ونوّاب أمريكيون، على السعودية التي تقود أيضاً حرباً في اليمن ضد مليشيا الحوثي، والتي بدأها بن سلمان بعدما أصبح وزيراً للدفاع.
الأمر لم يقتصر على نقمات بل امتد إلى مطالبات بمحاكمة الرجل الذي يحكم السعودية فعلياً ويتحكم فيها داخلياً وخارجياً، مهمّشاً والده الملك سلمان بن عبد العزيز.
الإمارات X هيدجز
قصة الباحث والأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز بدأت في 5 مايو 2018، عندما اعتقلته السلطات الإماراتية، وهو طالب دكتوراه في جامعة "درم" البريطانية؛ بتهمة "التجسس" أثناء زيارة أجراها إلى البلاد لدراسة تأثيرات "الربيع العربي".
وبعد مطالبات استمرت 7 أشهر تخللها علاقات متأزمة بين أبوظبي ولندن، أصرت الإمارات على موقفها، فقضت محكمة في نوفمبر الماضي بالسجن المؤبد على الباحث البريطاني، في حين اعتبرت خارجية بريطانيا أن ذلك سيكون له تداعيات.
وأصدرت محكمة استئناف أبوظبي الاتحادية حكماً بالمؤبد على هيدجز، بعد إدانته بـ"التجسس وتزويد جهات خارجية بمعلومات أمنية واستخباراتية حساسة"، على حد قول أبوظبي.
بعد تلك الخطوة الإماراتية، توالت الإدانات الحقوقية والرسمية الصادرة عن بريطانيا، إذ عبّرت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، عن خيبة أمل بلادها إزاءالحكم، وقالت: "نناقش الأمر مع السلطات الإماراتية على أعلى مستوى".
وأوضحت ماي خلال كلمة لها أمام البرلمان البريطاني، تزامنت مع إطلاق الحكم، أن وزير الخارجية البريطاني طلب مقابلة نظيره الإماراتي لبحث القضية.
وقال وزير الخارجية البريطاني، جريمي هانت: إن "تعامل السلطات الإماراتية مع القضية ستكون له تداعيات على العلاقات بين البلدين. ونحثهم على إعادة النظر في القضية".
وفي داخل أقبية سجون الإمارات، كان ماثيو يعيش فصلاً آخر من القمع والتعذيب، إذ كشفت دانييلا تيخادا، زوجة الأكاديمي البريطاني تفاصيل ما تعرّض له خلال 6 أشهر من الاعتقال، مؤكّدة أنه تعرّض لاستجواب قاسٍ وتعذيب داخل حبس انفرادي.
ووصفت لصحيفة "الغارديان" حالته الصعبة: "لقد تم كسره تماماً خلال الحبس، كان محبوساً داخل حبس انفرادي، وينام على الأرض، ولا يُسمح له بالاستحمام إلا مرة كل أسبوعين".
وبعد تصاعد حدة الموقف البريطاني، خضعت الإمارات وأطلقت سراح هيدجز الذي يستعد حالياً لمقاضاة أبوظبي التي تواجه انتقادات دولية بسببب قمعها للنشطاء داخلياً، وانتهاكات في السجون التابعة لها باليمن.
مصر X ريجيني
بعد نحو عامين عادت إلى الواجهة قضية طالب الدكتوراه والباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي اختفى في مصر مطلع العام 2016، ووجد جثة هامدة ملطخة بآثار التعذيب على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي.
قصة ريجيني بدأت بعد يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2016، حيث لم يظهر مرة أخرى إلا مقتولاً في الثالث من فبراير العام نفسه، وعلى جثمانه آثار تعذيب استمر أياماً.
وبعدها بيوم واحد جرى تسليم الجثة إلى السلطات الإيطالية، فأعلن بعدها المدعي العام في إيطاليا أن الباحث تعرض إلى "تعذيب وحشي"، وتشير العلامات على جثته إلى تعرضه لانتهاكات أخطر كثيراً من التي تحدث عنها تقرير الطب الشرعي بمصر.
الروايات تعددت في قضية مقتل الرجل، إذ قال الرائد أحمد أبو بكر، مؤسس ما يعرف باسم "الجيش الإلكتروني" (صفحة على موقع فيسبوك): "إن ريجيني كان جاسوساً للمخابرات البريطانية زرعته وسط منظمات المجتمع المدني المصري".
لكن هذه الرواية وضعها آخرون تحت بند "المزاعم"، وبمرور الأيام بات واضحاً أن ريجيني تعرض للتعذيب والقتل، وتحدثت صحف إيطالية وغربية عن تورط شخصيات أمنية مصرية في الجريمة.
ومع إصرار إيطاليا على الوصول إلى حقيقة ما جرى مع مواطنها، عقدت لجنة الاستخبارات والأمن القومي بالبرلمان الإيطالي جلسة لمناقشة الأزمة، وقالت: إن "مصر تحاول إخفاء الحقيقة في قضية مقتل ريجيني وتعذيبه".
وفي خضم الأحداث المتواترة منذ 2016 تأزمت العلاقات بين مصر وإيطاليا التي تقول إن ملفات القضية احتوت على تحقيقات مع مسؤولين من رجال الأمن المصريين أجروا تحريات عن ريجيني قبل مقتله.
وعام 2016 أيضاً كشف الموقع الحقوقي "ريجينيليكس" عن دور المخابرات العامة المصرية بشكل عام في قضية مقتل الطالب الايطالي، وكشف أيضاً عن دور نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي(ضابط مخابرات) في نفس القضية.
وأضاف الموقع في تقريره: "لقد مر السيسي على مر السنين من إدارة الاستخبارات العسكرية إلى ترؤُّس وزارة الدفاع، وتحت قيادته تمت إطاحة الرئيس (الأسبق) محمد مرسي، إنه ضابط محاط بضباط، حتى في المنزل".
وأضاف: "القضية الأكثر لفتاً تتعلق بنجله محمود، مورث سلطة الأب، والطريق الذي سلكه حتى الآن لا يدع مجالاً للشك، وهو الآن مسؤول في المخابرات العامة، أقوى قسم في المخابرات المصرية، يهتم بالأمن الداخلي ومكافحة التجسس".
الموقع استطرد في تقريره مبيناً "أنها فقط مسألة وقت قبل وصوله إلى أعلى منصب في سلسلة القيادة، كان الأب في الماضي مدير المخابرات العسكرية، ليس من الصعب أن نعتقد أن نجل السيسي كان على علم بتحركات ريجيني حتى قبل اختفائه".