ملفات » قضية جمال خاشقجي

التسريبات وارتداداتها الأمريكية

في 2018/12/04

حسن البراري- الشرق القطرية-

يبدو أن السلاح الأخير بيد القوى الأمريكية التي تضغط على الرئيس دونالد ترامب لاتخاذ موقف يتماهى مع القيم الأمريكية بخصوص القيادة السعودية هو ما سربته وكالة الاستخبارات الأمريكية لصحيفة وول ستريت جورنال.

تفيد التسريبات أن ولي العهد السعودي أجرى اتصالات مكثفة مع سعود القحطاني قبيل وبعد تنفيذ جريمة اغتيال جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله. وفي ذلك دلالة كبيرة على ضلوعه بالجريمة.

تبريرات الرئيس ترامب لتجاهل القضية برمتها هي واهية من وجهة نظر الرأي العام الأمريكي والصحافة وكبار أعضاء الكونغرس، فلا يكاد يمر يوم واحد دون حديث عن الجريمة ودون التأكيد على ضرورة قيام الولايات المتحدة بما يتناسب مع قيمها، فالمسألة بالنسبة لهم باتت أكبر بكثير من أن يتم التستر عليها بهذه الطريقة.

صحيح أن الولايات المتحدة تاريخيا قدمت مصالحها على أي قيمة أخرى، والتحالف التاريخي مع السعودية استمر لعقود طويلة بالرغم من اختلاف الثقافة السياسية للبلدين، لكن ربما ولأول مرة يحدث هذا الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة إزاء العلاقة مع السعودية.

فبعد أن قلت أهمية النفط السعودي بالنسبة لأمريكا بدأنا نرصد انقسامات في الإدارة الأمريكية نفسها حول ما ينبغي القيام به مع السعودية بعد أن تعرضت الأخيرة لانكشاف كبير نتيجة لاغتيال خاشقجي.

حتى أصدقاء السعودية في الاعلام أمثال توماس فريدمان وديفيد اغناطيوس انقلبوا عليها، والأخير كتب مادة استقصائية مطولة قبل أيام يؤرخ فيها لتأسيس ما أسماها بفرقة النمور التي تعمل مع مكتب ولي العهد السعودية بهدف اخراس الخصوم واختطافهم وقتلهم إن لزم الأمر.

ويكشف ديفيد إغناطيوس عن صراع شديد بين اجنحة العائلة الحاكمة في الرياض وبخاصة بين محمد بن سلمان وأولاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

سبق لهؤلاء الكتّاب أن غضوا الطرف عن الكثير من ممارسات السعودية، لكن الطريقة البشعة التي تمت بها تصفية جمال خاشقجي والحرب في اليمن والتيقن أكثر من طبيعة شخصية ولي العهد السعودي هي أمور دفعت الكاتبين وغيرهما إلى إعادة النظر في الموقف من الدولة السعودية.

أخطر ما في الأمر أن الانطباع العام الذي يفيد بأن ولي العهد السعودي يتمتع ببنية ذهنية تتسم بالمقامرة آخذ في التجذر، وهذه وكالة الاستخبارات الأمريكية تصل إلى نتيجة أن العلاقة الاستراتيجية مع السعودية تتطلب أن يكون على رأس القيادة السعودية من يتمتع بالحكمة.

وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الاستخلاص الأهم أمريكيا يتمحور حول عدم أهلية محمد بن سلمان لتولي السلطة بعد والده.

لذلك بتقديري ستستمر عزلة الرئيس ترامب الذي ما زال يعوّل على عامل الوقت والدعم الكبير الذي يتلقاه من لوبي إسرائيل، وما أن يتولى الديمقراطيون مجلس النواب بعد شهر ونيف حتى تبدأ التحقيقات.

وتوعد آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي الجديد، بفتح تحقيقا سينعكس بشكل سلبي على الرئيس نفسه الذي يتهمه البعض بأن تأييده لمحمد بن سلمان إنما هو مدفوع بأجندات شخصية لا علاقة لها بمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية.

وعليه، يبدو أن قلة من اركان الإدارة من يصدق تبريرات الرئيس ترامب في دفاعه المستميت عن محمد بن سلمان. فغالبية المراقبين في الولايات المتحدة يعتقدون أن ترامب لا يريد للحقيقة أن تنجلي حتى لا يجد نفسه محاصرا من كل صوب لاتخاذ موقف إزاء محمد بن سلمان.

بتقديري أن العائلة الحاكمة في السعودية تراقب المشهد الأمريكي عن كثب، وإذا ما تبين أن حليفهم الأساسي - ترامب - لن يقوى على الصمود أمام إصرار الكونغرس فقد تلجأ العائلة إلى خيارات أخرى من بينها إعادة ترتيب البيت السعودي وما يستلزمه ذلك من قص اجنحة ولي العهد الطامح والمندفع.