ملفات » قضية جمال خاشقجي

أنقرة والدوحة والمعادلة السعودية الحرجة

في 2018/12/11

مهنا الحبيل- الوطن القطرية-

انعقدت اللجنة التركية القطرية الاستراتيجية العليا، في إسطنبول الاثنين الماضي، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، ويأتي هذا الاجتماع في ذروة قوة العلاقات الثنائية بين الحليفين الإقليميين.

وبعد مرحلة صعبة عاشتها المنطقة، خسرت فيها الثورة المصرية والسورية، أمام الثورة المضادة التي حُمّل الطرفان فيها شراكة الدفع لرياح الربيع العربي.

غير أن التطور الدرامي الكبير، بعد قضية اغتيال الشهيد جمال خاشقجي، والاعتراف السعودي الرسمي بمسؤوليته الجنائية، والذي لا يزال يتصاعد في مسار المسؤولية السياسية، وأثر ثقافة العمل السادي النازي الذي مارس الجريمة، في الرأي العام العالمي، وجدل النظام الدولي وخاصة في أميركا وأوروبا، غير المقتنع مطلقاً، بانتفاء المسؤولية السياسية عن ولي العهد السعودي.

في ظل استمرار آثار الحدث على الواقع الإعلامي، وخضوع السعودية لأول مرة في تاريخها، لهذا الحصار والاستياء البالغ، لمكانتها العربية والإقليمية ومذهبها الوهابي، الذي استُخدم في عهد الربيع الأميركي لخمسة عقود متتالية، للترويج لموقعها السياسي وتزكية الأسرة الحاكمة ومشروعها القومي الخاص.

وأخضعت عبره مؤسسات إسلامية كبرى، وتم من خلاله اختراق فكري لحركة الإخوان المسلمين. والذي تحوّلت ثقافتها بعد النفوذ الوهابي السعودي، إلى انغلاق سلفي لم يكن يعهد في مدرستها، حين كانت ترفع منهاج الإحياء الإسلامي، وكان امتدادها ينتعش في العالم السني الأشعري.

غير أن المواجهة السعودية القوية مع الجماعة، بعد الربيع العربي، ثم في العهد الأخير، أسقط هذه العلاقة والمساحة الفكرية المشتركة، بين جناح الوهابية القوي في بعض مناطق وشخصيات الاخوان وبين النظام السعودي.

وبالتالي جاءت قضية جمال لتعزّز الانفصال، والمواجهة السياسية بين الجماعة والنظام السعودي، ولكن هذه المرة كانت القوة الناعمة لصالح الإخوان، رغم أن الجناح الوهابي في الجماعة لا يزال مؤثراً في حصار الفكر الإسلامي، والمجتمع العربي في المشرق والمغرب العربي والمهجر، وتغيّره أو انحساره لصالح المدرسة السنية الأصيلة في الإخوان، سيحتاج وقتاً ليس بالقصير.

أما على الصعيد العربي، فإنه لم يكن من المعتاد مطلقاً، أن تُحشد القوى السياسية والنقابية حتى بعد الربيع العربي، لإطلاق حملة شعبية كبرى، ترفض زيارة ولي العهد السعودي، كما جرى في تونس، أو أن مصر معقل الثورة المضادة، التي دعمت الرياض سلطتها العسكرية، لسحق ثورة يناير، يُصدر فيها الإعلاميون بياناً لرفض الزيارة.

لكن ذلك كلّه لا يُنهي الملف ولا يحسمه، فالموقف الأميركي الأخير، لا يمكن الجزم به، رغم أن دفع المؤسسات واضح جداً ضد ولي العهد، وأن أعضاء الكونغرس يشجعون أنقرة لمواجهة مفتوحة مع ولي العهد السعودي، والضغط عليه لتحميله مسؤولية اغتيال الشهيد خاشقجي.

ورغم أن هذا الأمر يُستخدم للضغط على ترامب من خصومه داخل الجمهوريين ومن الحزب الديمقراطي، غير أن ذلك لا يعني بالمطلق إمكانية أن ينهى المشهد السعودي، بناءً على ما يروجه أعضاء الكونغرس.

ولا حتّى الجزم بأن ذلك هو موقف المؤسسات النهائي، أي تحييد ولي العهد، وضمان استلام عمه الأمير أحمد السلطة، فالوضع في السعودية حرج جداً ومعقّد، ولا يوجد ضمانات كافية لانتقال السلطة خارج نفوذ ولي العهد السعودي، وعليه فإن تعامل واشنطن مع بقائه وارد.