محمد المنشاوي- الجزيرة نت-
تتجه الأنظار اليوم نحو مجلس النواب الأميركي حيث ستقدم مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جينا هاسبل إحاطة لقادته ورؤساء لجان الأمن القومي فيه خلال جلسة مغلقة بشأن قضية مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وعشية الإفادة المنتظرة، عاد الرئيس دونالد ترامب وكرر -في حوار له مع وكالة رويترز- وقوفه إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رغم تقييم وكالة الاستخبارات المركزية بأنه أمر بقتل خاشقجي، ورغم مناشدات من أعضاء بمجلس الشيوخ له بالتنديد بالأمير محمد.
لا تخضع هاسبل لحسابات سياسية وحزبية وهي أرفع مسؤول أميركي استمع إلى التسجيلات الخاصة بعملية تعذيب وقتل خاشقجي بتركيا.
أهمية إفادة هاسبل
تنبع أهمية إفادة هاسبل بالأساس من طبيعة منصبها كمديرة لوكالة الاستخبارات المركزية والتي تتيح لها الاطلاع على أكثر التفاصيل الاستخباراتية تعقيدا، ويضيف كونها استخباراتية محترفة مزيدا من الاحترام عما يصدر منها.
وبسبب طبيعة عملها، نادرا ما تظهر مديرة "سي آي أي" في إفادات علنية، ومنذ بدء مهام عملها لم تتحدث هاسبل إلا في الجلسة المغلقة مع قادة مجلس الشيوخ عن نفس الموضوع.
وعلى العكس من المدير السابق مايك بومبيو، لا تخضع هاسبل للحسابات السياسية والولاءات الحزبية، كما أنها تعتبر أرفع مسؤولة أميركية استمعت مباشرة إلى التسجيلات الخاصة بعملية تعذيب وقتل خاشقجي في تركيا.
وكان أعضاء مجلس الشيوخ الثمانية رفضوا تحديد أو تفصيل ما أطلعتهم عليه هاسبل نظرا لسريته وخطورة كشف مصادر الوكالة وطرق جمعها للمعلومات، والتي تعتمد على رصد العديد من الاتصالات والرسائل إضافة لفحوى التسجيلات التركية.
كذلك تجيء إفادة هاسبل عقب زيارة رئيس الاستخبارات التركية إلى واشنطن والتي التقي فيها -إضافة لنظرائه- عددا كبيرا من أعضاء الكونغرس، وعرض فيها وجهة نظر بلاده فيما جرى.
كما تمثل الإحاطة المنتظرة أهمية من زاوية أخرى، إذ تعد تراجعا إضافيا من البيت الأبيض الذي لم يتحمس لهذه الإفادات وحاول تعطيلها عندما ظهر وزيرا الدفاع جيمس ماتيس والخارجية بومبيو في إفادة مجلس الشيوخ دون هاسبل، وهو ما سبب غضبا واسعا في الكونغرس.
ويزيد من غضب البيت الأبيض ردود أفعال الأعضاء ممن استمعوا في مجلس الشيوخ لإفادة هاسبل قبل أسبوعين، وقد أجمعوا على أنها تؤكد تورط محمد بن سلمان في عملية قتل مواطنه الصحفي.
خطوات قادمة
جدير بالذكر أنه -وبحلول الأول من يناير/كانون الثاني القادم- ستتغير خريطة مجلس النواب حيث ستؤول الأغلبية للحزب الديمقراطي، وهو ما يستتبع تولي أعضاء ديمقراطيين رئاسة كل لجان المجلس.
وتعهد عدد من رؤساء اللجان بفتح تحقيقات إضافية وأكثر شفافية حول علاقات محتملة بين ترامب وعائلة الرئيس مع السعودية.
كما ستتضمن تشكيلة مجلس النواب الجديد دخول وجوه جديدة تتمثل في 100 عضو جديد من أصل 435 عضوا. وهكذا جاءت إفادة هاسبل في وقت سيخرج فيه ما يقرب من ربع الأعضاء من المجلس بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
ومع تزايد الهوة بين الرئيس وأجهزة الاستخبارات التي زاد من عمقها موقفه الرافض لإدانة بن سلمان، لا يستبعد خبراء أميركيون كثر استمرار عملية التسريبات التي تصدر من مسؤولين في "سي آي آي" لمضاعفة الضغط على الرئيس لاتخاذ موقف أكثر تشددا تجاه ولي العهد السعودي.
وكان لتسريبات الوكالة -لعدد من الصحف الأميركية عن خلاصة تقرير الوكالة عن مسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل خاشقجي- أثر كبير في إضعاف حجج ترامب الذي يحاول التستر على ضلوع بن سلمان في عملية القتل.
وبهذا لخصوص ذكر النائب آدم شيف الرئيس القادم للجنة الاستخبارات بمجلس النواب أن "رفض ترامب لتقييم أجهزة الاستخبارات لا ينبع من اعتبارات تتعلق بمنهج وأسلوب عملها أو طرق جمع المعلومات وتحليلها، بل لأنه يريدهم أن يتبنوا موقفا مختلفا".
وسيعد رد فعل الأعضاء ممن سيلتقون هاسبل بمثابة مؤشر هام في تحديد الخطوات القامة للكونغرس بخصوص التشريعات المقترحة على خلفية مقتل خاشقجي.
وإذا ما تبنى أعضاء مجلس النواب موقفا صارما - مثل الذي تبناه أقرانهم من مجلس الشيوخ عقب الاستماع لإفادة هاسبل- سيضاعف ذلك من الضغوط على البيت الأبيض لتعديل موقفه، خاصة مع استعداد الكونغرس للتصويت بداية العام الجديد على تشريعين:
أولهما يحظر تصدير السلاح للسعودية، والثاني يوقف الدعم الأميركي العسكري للتحالف السعودي الإماراتي بحرب اليمن.
وكان جاريد كوشنر مستشار الرئيس وصهره - والذي تجمعه علاقات قوية بولي العهد السعودي- قد ذكر لمحطة فوكس الإخبارية أمس الأول أن "الاستخبارات الأميركية ما زالت تجري تقييمات لحادث خاشقجي".
واعتبر بعض الخبراء أن تكرار كوشنر لنفس العبارة التي يكررها ترامب تترك مساحة أمام البيت الأبيض للتراجع عن موقفه الرافض لإدانة بن سلمان في جريمة قتل الصحفي.