صحيفة وول ستريت جورنال- ترجمة محمد الجوهري-
قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن مبادرة سرية تدعمها الولايات المتحدة لإقامة علاقات أوثق بين السعودية و(إسرائيل)، باتت تواجه "نكسة" حاليا، بعد تورط ولي العهد "محمد بن سلمان"، الذي قاد هذه الجهود، في اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي".
وأضافت الصحيفة، أن اثنين من مستشاري ولي العهد المقربين خسرا مناصبهما أيضا، بسبب الاشتباه في تورطهما بعملية الاغتيال، (سعود القحطاني وأحمد عسيري)، وهما كانا يؤديان أدوارا رئيسية في ترتيب اتصالات الكواليس للتقارب بين الرياض و(تل أبيب).
ونقلت "وول ستريت" عن أشخاص، قالت إنهم مطلعون على الوضع، قولهم إن قدرات "بن سلمان" على المناورة ضد خصومه ومنافسيه المحتملين ضعفت، وتراجعت شهيته عن المخاطرة في شؤون السياسة الخارجية للمملكة، مثل محاولة التقارب مع (إسرائيل)، خصم المملكة وعدوها القديم، والتي يمكن أن يسبب محاولة التقارب العلني معها الآن ردات فعل داخلية وإقليمية أخرى.
وقال مسؤول حكومي سعودي بارز، إن "الأمور تراجعت بالتأكيد بعد مقتل خاشقجي، وآخر شيء تريده المملكة هو أن يخرج الآن ولي العهد ويسبب ردة فعل أخرى".
"القحطاني" و"العسيري"
وأشارت الصحيفة إلى أن "سعود القحطاني"، قبل تهميشه، ساعد في تمهيد الطريق لعلاقات أكثر سلاسة بين السعودية و(إسرائيل)، حيث أصدر توجيهات للصحافة السعودية بالمساعدة في تخفيف الصورة الذهنية السلبية لـ(إسرائيل) في عيون الرأي العام، حيث تم تصوير البلاد منذ فترة طويلة على أنها العدو الصهيوني.
كما شارك "القحطاني" في شراء المملكة تكنولوجيا مراقبة متطورة من شركات إسرائيلية، كما قال مسؤولون سعوديون، وتزامن ذلك مع دوره في مراقبة المنتقدين وخنق المعارضة في المملكة العربية السعودية، والتي شملت اختراق الاتصالات الإلكترونية".
وقال مسؤول سعودي إن "سعود القحطاني"، سعى إلى الحصول على برمجيات صادرة عن شركة "NSO Group" الإسرائيلية المتخصصة في مجال برامج التجسس وشركة "Q Cyber Technology" التابعة لها، والتي بدأت بتقديم أدوات المراقبة الإلكترونية للمملكة في العام الماضي، في صفقة قيمتها 55 مليون دولار.
وكان "أحمد العسيري"، نائب رئيس الاستخبارات السابق، هو أكبر مسؤول سعودي يسافر إلى (إسرائيل) في مناسبات عدة قبل أن يفقد وظيفته أيضاً بسبب تورطه في مقتل "خاشقجي"، وفقا لما ذكره أفراد مطلعين.
وقالت "وول ستريت" إن "القحطاني" و"عسيري" لم يستجيبا لطلباتها بالتعليق على تلك الأنباء، وكذلك لم يرد المتحدث الرسمي باسم الحكومة السعودية، والمتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية على الأمر.
وأضافت أن الملك السعودي "سلمان بن عبدالعزيز"، الذي قام بدور أكثر نشاطا في الحكومة في أعقاب أزمة "خاشقجي"، كان أكثر تضرراً من العلاقات الدافئة مع (إسرائيل) أكثر من ابنه البالغ من العمر 33 عاماً.
واعتبرت أن النكسة التي أصابت ملف التقارب بين السعودية و(إسرائيل)، تشكك أيضا في عملية إعادة التنظيم الأوسع في المنطقة، التي تعتبرها إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حاسمة لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك احتواء إيران وحل الصراع المستمر منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومع ذلك، والكلام للصحيفة، فمن المرجح أن تستمر العلاقات السعودية - الإسرائيلية على الرغم من النكسات بسبب المصالح التجارية والأمنية المشتركة.
ودللت الصحيفة على ذلك بالقول: "شاهد الزوار في العام الماضي عرضًا ثلاثي الأبعاد خلال معرض في مدينة نيوم السعودية المستقبلية، وهي مدينة مستوحاة من التكنولوجيا مستقبليا خططت الشركات الإسرائيلية للاستثمار فيها".
وأضافت: "تعتبر الشركات الإسرائيلية السعودية سوقا مربحة لمنتجاتها المتعلقة بالأمن السيبراني، وتدرس الحكومة في الرياض استثمار ما لا يقل عن 100 مليون دولار في شركات تكنولوجية إسرائيلية مختلفة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الصفقة".
وتابعت: "لكن منذ مقتل خاشقجي، تباطأت المفاوضات حول تلك الصفقة، لكن الاتصالات مستمرة"، كما قال بعض هؤلاء.
تاريخ مضطرب
وسردت الصحيفة بعضا من صفحات تاريخ، قالت إنه مضطرب بين (إسرائيل) ودول الخليج منذ فترة طويلة، لكنه تحول في الآونة الأخيرة إلى الإيجابية.
وجاء ذلك التاريخ على النحوالتالي:
1994: رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" يزور سلطنة عمان سرا في إطار جهود ما بعد أوسلو للبدء بتطبيع العلاقات بين (إسرائيل) والعالم العربي.
1995: رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة "شيمون بيريز" يستضيف وزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي" في القدس.
1996: (إسرائيل) وسلطنة عمان يوقعان اتفاقا لفتح مكاتب تجارية في كل منهما.
1996: رئيس الوزراء الإسرائيلي "شيمون بيريز" يزور عمان وقطر لفتح مكاتب تمثيل التجارة الإسرائيلية.
2000: بعد بداية الانتفاضة الثانية - الانتفاضة العربية الفلسطينية ضد (إسرائيل) في غزة والضفة الغربية - تعلق عُمان العلاقات وتغلق المكتب التجاري الإسرائيلي.
2002: يدعم 22 من القادة العرب اقتراحا قدمه ولي العهد السعودي، حينها، الأمير "عبدالله بن عبدالعزيز" بتطبيع العلاقات بين الدول العربية و(إسرائيل) مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
2009: يطلب مسؤولون قطريون من (إسرائيل) أن تغلق مكتب مصالحها في الدوحة، بسبب ارتفاع معدل الخسائر الفلسطينية في عملية "الرصاص المصبوب" في غزة.
2012: تواجه شركة النفط الحكومية السعودية "أرامكو" اختراقا مدمرا حيث تم تدمير 30 ألف جهاز كمبيوتر، ونسب المسؤولون الهجوم إلى إيران، وتحول السعوديون إلى شركات الإنترنت الإسرائيلية للمساعدة في الرد على الاعتداء.
2015: أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستفتتح مكتبا في أبوظبي لتمثيل الدولة في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
مارس/آذار 2018: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أن المملكة العربية السعودية منحت شركة طيران الهند الإذن بالتحليق فوق مجالها الجوي على الطرق بين تل أبيب والهند.
أكتوبر/تشرين الأول 2018: يسافر رئيس الوزراء "نتنياهو" إلى عمان، وهي أول زيارة علنية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى دول الخليج العربية.
نوفمبر/تشرين الثاني 2018: رئيس الوزراء "نتنياهو" يؤيد علنا ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بعد تورطه في مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
نوفمبر/تشرين الثاني 2018: وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف" تزور أبو ظبي في إطار وفد إسرائيلي للمشاركة في بطولة الجودو، ويتم تصويرها في زيارة لمسجد الشيخ زايد بأبوظبي، ووزير الاتصالات الإسرائيلي "أيوب قرا" يزور دبي لحضور مؤتمر للاتصالات، ووزير النقل الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" يزور عمان لحضور مؤتمر النقل الدولي وتقديم خطة لربط (إسرائيل) ودول الخليج بالسكك الحديدية.
وقالت الصحيفة إن السعودية تقاربت مع (إسرائيل) على الرغم من المخاطر السياسية الكبيرة التي تشهدها المملكة، ومن المنتظر أن يمنح هذا التقارب الدفء لدولة موبوءة على نطاق واسع في العالم العربي بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من دولة خاصة بهم.
وأشارت إلى أن مدير جهاز الموساد "يوسي كوهين" التقى مع مسؤولين سعوديين عدة مرات خلال العام الماضي، كما يقول أشخاص مطلعون على المسألة، بما في ذلك اجتماعا في يونيو/حزيران الماضي، مع كبار المسؤولين السعوديين برعاية أمريكية ضم أيضا ضباط مخابرات مصريين وأردنيين وفلسطينيين.
وتشترك (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل منتظم في تبادل المعلومات حول التهديدات المشتركة، معظمها عبر البحر الأحمر، وأيضا في الأمور الأخرى المتعلقة بإيران، وفقا لمطلعين.
وعندما فاز "ترامب" بالرئاسة في عام 2016، استولت (إسرائيل) والسعودية على البيت الأبيض لتعزيز الأهداف الإقليمية المشتركة، وقبل كل شيء كبح نفوذ إيران ووكلائها.
في السنة التالية، بعد أن أصبح الأمير "محمد بن سلمان" وريثا للعرش السعودي، ازدادت نسبة التواصل مع (إسرائيل).
وأضافت الصحيفة أن العلاقة المستفيضة أفادت كلا الجانبين، وفي أعقاب رد الفعل العالمي على مقتل "خاشقجي"، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" واحداً من زعماء العالم القلائل الذين قدموا دعم الأمير "محمد" على الرغم من استنتاج وكالة المخابرات المركزية بأنه كان قد أمر بقتل الصحفي السعودي.
وأشارت إلى أن السعودية بدأت بهدوء في إصدار تأشيرات خاصة لرجال أعمال إسرائيليين تسمح لهم بالسفر إلى المملكة، حسبما قال أشخاص مطلعون على العملية.
تلك الوثائق التي قدمتها حكومة السعودية، والتي تهدف إلى تسهيل الأعمال التجارية بين البلدين، تسمح للإسرائيليين بدخول المملكة دون إظهار جوازات سفر إسرائيلية.