إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة-
بدأ ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" جولة في العديد من الدول العربية، بهدف واضح هو عكس العزلة والنبذ الذي واجهه منذ اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي حين أنه من الواضح أن جولة ولي العهد كانت تهدف ببساطة إلى غسل يديه من الجريمة، بيد أن بعض زياراته قد تعطلت بسبب الاحتجاجات والمعارضة الجماهيرية لوجوده.
وبدأ "بن سلمان" جولته في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل حضور قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
وشملت "جولة التناقض"، التي يراها الكثيرون بمثابة طلب للغفران والشرعية والتضامن، محطات في الإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس ومصر والجزائر والأردن وموريتانيا.
وعندما أعلنت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن الدول المدرجة في جولة "بن سلمان"، خرج عشرات التونسيين إلى الشوارع احتجاجا، حيث أشار العديد منهم على وسائل التواصل الاجتماعية على أنه "ضيف غير مرغوب فيه".
وقد أدان الصحفيون التونسيون "بن سلمان" باعتباره "مشتبها به" في قتل "خاشقجي".
وقد أظهرت إهانة "بن سلمان" في المنافذ الإخبارية العربية، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وعامة الناس، مصداقيته المتضررة.
وكانت الضغوط العامة على الحكومة التونسية مكثفة بما يكفي لإجبارها على إخفاء أخبار زيارة "بن سلمان"، وهي خطوة أخرى أظهرت ضعف مكانته، وقد زار ولي العهد السعودي تونس دون إعلان رسمي، باستثناء تغطية الإعلام السعودي.
وعند وصول "بن سلمان" في كل بلد، احتجت الحشود على زيارته بصور دموية لأطفال اليمن والصحفي السعودي "خاشقجي" على الملصقات.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تم إطلاق عليه اسم "أبومنشار"، وشملت المنشورات الأخرى المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لعلم المملكة العربية السعودية تحتوي على المنشار بدلا من السيف الأبيض التقليدي.
ويشير كلا المثالين إلى السلاح المختار المستخدم للتخلص من جثة "خاشقجي".
وبعد زيارته لتونس، قام محللون وكتاب سعوديون بتدقيق مختلف التبرعات والقروض التي منحها "بن سلمان" لتونس، من أجل إخفاء الهدف الحقيقي وراء جولته.
وشملت الجولة أداة سياسية سعودية متكررة، ألا وهي شراء تحالف الدول الأخرى. وقد منحه الرئيس "السبسي" وساما تونسيا رفيعا، في شكل ميدالية تحمل التاج التونسي، وفي المقابل، منح "بن سلمان" النظام التونسي قروضا بقيمة نصف مليار دولار.
وبشكل عام، كانت ردود المملكة على النقد غير متوقعة، وفي أغسطس/آب، وبعد أن قامت وزيرة الخارجية الكندية بالتغريد داعية الرياض للإفراج عن ناشطي وناشطات الحقوق المدنية المعتقلين، قامت المملكة بطرد السفير الكندي السابق "دينيس هوراك"، وعلقت الصفقات التجارية والاستثمارية الجديدة مع كندا.
وبالمقابل، حتى في خضم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها بسبب "خاشقجي"، أظهرت المملكة أنها تفضل ابتزاز بعض الدول للحصول على الدعم من خلال التهديد بإلغاء المنح والقروض وأشكال الدعم المالي الأخرى التي قدمتها المملكة من قبل.
وعلى المسرح العالمي، اختلفت المواقف تجاه زيارات "بن سلمان" بشكل كبير. وفي المغرب، على سبيل المثال، رفض الملك "محمد السادس" مقابلته، ثم شكر الشعب المغربي ملكهم على "قول لا للقاتل".
وخوفا من الاحتجاجات والإحراج الداخلي، لم تعلن الأردن، مثل تونس، عن مواعيد زيارته ولا الزيارة نفسها عبر القنوات الرسمية، وأفاد موقع "آمون" الإخباري أن "بن سلمان" سيصل إلى الأردن في 3 ديسمبر/كانون الأول، لكن، وفقا لما ذكرته صحيفة "جنوب الصين الصباحية"، وصل ولي العهد إلى الجزائر في ذلك اليوم.
وفي تناقض صارخ مع تونس والمغرب، ذهبت مصر والبحرين إلى أبعد مدى لمنح "بن سلمان" ترحيبا حارا.
وعندما زار "بن سلمان" مصر، قامت القنوات الحكومية ببث حضوره، ونشرت الصحف هذه الزيارة تحت شعار موحد: "عرض الحب في استقبال بن سلمان في القاهرة".
لكن الصحفي "وائل قنديل" علق بعبارات قاطعة: "هنا القاهرة، هنا عبدالفتاح السيسي، الوجهة الأرخص للسياحة والسياسة بعد إراقة الدماء"، وأضاف: "رأيت المنشار يلتقي بالمنشار".
وقد عكس حفل الاستقبال الممتاز لـ"بن سلمان" "عدم التدخل" المتبادل بين الزعيمين فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
وبينما لم توافق الحكومات العربية على الضغوط العامة لرفض زيارة "بن سلمان"، لم يقتصر الاستياء على الدول العربية، وتابعت الاستياءات "بن سلمان" أيضا في زيارته لمجموعة العشرين، حيث كان قادة العالم مترددين حتى في التحدث إليه.
وكان "بن سلمان" من بين أول المسؤولين الذين وصلوا إلى الأرجنتين، غير أن مشاركته في القمة ربما كانت أكثر الوجوه حساسية وإحراجا لجميع القادة المشاركين، نظرا للاضطرابات العالمية التي أثارها اغتيال "خاشقجي".
وكانت "هيومن رايتس ووتش" قد قدمت طلبا إلى المدعي الفيدرالي الأرجنتيني قبل ٤ أيام من قمة مجموعة العشرين، حددت فيه النتائج العامة التي توصلت إليها بشأن تورط "بن سلمان" في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب ضد المدنيين في اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.
وورد في الطلب أيضا تفاصيل عن "التواطؤ المحتمل في مزاعم خطيرة تتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب إساءة معاملة المواطنين السعوديين، بما في ذلك مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
وطلب قاضٍ أرجنتيني من وزارة الخارجية الأرجنتينية الحصول على معلومات من اليمن وتركيا ومنظمة العفو الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من أجل اتخاذ إجراءات قانونية ضد "بن سلمان".
وقد صرحت "هيومن رايتس ووتش" أنها قد ترفع دعوى على ولي العهد السعودي في بلدان أخرى.
ولقد كانت المملكة بعيدة نسبيا عن انتقادات الدول العربية لعقود من الزمن، بسبب حقيقة أن الدولة الخليجية موطن لاثنين من أقدس المواقع للمسلمين، مكة والمدينة، وقدرة المملكة المالية على شراء التحالفات.
ومع ذلك، في تحول غير عادي للأحداث، انتهك المواطنون في عدد من الدول العربية هذا التقليد، ورفضوا "كنس أحدث جرائم ولي العهد أسفل السجادة".