ملفات » قضية جمال خاشقجي

ما وراء التغييرات الحكومية الأخيرة بالسعودية

في 2019/01/02

منتدى الخليج العربي- ترجمة شادي خليفة- الخليج الجديد

يمكن القول إن الهدف من التغييرات الأخيرة في الحكومة السعودية هو إظهار أن ولي العهد يتخذ خطوات لتحسين أداء المملكة. وتعد هذه الخطوة الأحدث فقط في سلسلة طويلة من عمليات إعادة التنظيم السابقة، وهي استراتيجية داخلية متكررة يستخدمها "محمد بن سلمان"؛ لضمان عدم وجود أي شخصية ذات تأثير عميق قد تتحدى سلطته في النهاية. لكن الفارق بين هذا التعديل والتغييرات السابقة هو قضية "جمال خاشقجي"، التي جلبت تدقيقا دوليا في سلوك ولي العهد والمسؤولين الأقرب إليه. وقد تكون إحدى الرسائل السياسية المقصودة من التعديل هي إظهار أن "بن سلمان" يتخذ خطوات ملموسة لضمان عدم تكرار حادث "خاشقجي". وبينما تشمل التغييرات قيادة وزارات مهمة، لا ينبغي المبالغة في تقدير الأثر الفعلي لعملية الإصلاح. ورغم أن بعض المعلقين نظروا إلى التغييرات الأخيرة باعتبارها محاولة لتعزيز السلطة، إلا أن نجاح ولي العهد السابق في تأمين سلطته يجعل أي جهود إضافية زائدة عن الحاجة. وتهدف التغييرات الأخيرة في المقام الأول إلى تأمين ثقة الجمهور في أعقاب الفضيحة الدولية.

وبخلاف التوقيت المعتاد للإعلانات من هذا النوع في الصباح الباكر، تم بث المراسيم الملكية للعاهل السعودي بعد ظهر الخميس بتوقيت السعودية. وتضمنت المراسيم نحو 40 قرارا ملكيا أوجزت التعديل الحكومي والتعيينات الجديدة وإنشاء كيانات جديدة. وكان التغيير الملحوظ هو استبدال وزير الخارجية "عادل الجبير"؛ حيث حل محله "إبراهيم العساف". وقد خدم الأخير كوزير للمالية لمدة عقدين، وكان من بين المعتقلين والمحتجزين في فندق "ريتز كارلتون" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بتهم تتعلق بـ"الفساد". لكن "الجبير" لم يخرج تماما من وزارة الخارجية؛ حيث تم تعيينه وزير الدولة للشؤون الخارجية، وهو تغيير قد يشير إلى احتمال تراجع المغامرات السعودية، خاصة في سوريا واليمن.

وداخل الأسرة المالكة نفسها، تم تخفيض منصب الأمير "محمد بن نواف بن عبدالعزيز" من موقعه كسفير في المملكة المتحدة، وهو المنصب الذي شغله منذ 2005، إلى مستشار لدى الديوان الملكي. وجدير بالذكر أن الأمير "محمد بن نواف" ظهر في فيديو انتشر في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى جانب الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، الذي كان يطلب من المتظاهرين في لندن إلقاء اللوم في قضايا المنطقة على الملك وولي العهد، وليس على أسرة "آل سعود" كلها. وكان العديد من الناس ينظرون إلى الأمير "أحمد" كمنافس لـ"بن سلمان" بعد إدانة العالم لقتل "خاشقجي". وبمجرد حصوله على ضمانات لسلامته من كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عاد الأمير "أحمد" إلى السعودية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، بعد أعوام من المنفى الاختياري. وقد تكون العلاقة الودية بين الأمير "أحمد"، الذي قد لا يزال يشكل تحديا لـ"بن سلمان"، والسفير السابق "محمد بن نواف"، أحد الأسباب وراء خفض منصبه.

ولم يقتصر الأمر على المناصب الخارجية؛ حيث تم استبدال أمير منطقة عسير ليحل محله الأمير "تركي بن ​​طلال بن عبدالعزيز"، الأخ غير الشقيق للملياردير السعودي "الوليد بن طلال". وقد يرغب "بن سلمان" بذلك، في الحفاظ على علاقة جيدة مع فرع "طلال"، رغم من الشق الذي حدث عند اعتقال "الوليد". وتم اختيار "سلطان بن سلمان"، الأخ غير الشقيق لـ"محمد بن سلمان"، لرئاسة الهيئة السعودية للفضاء، التي تم إنشاؤها حديثا. ويعد مثل هذا الموقع ملائما للأمير "سلطان"، الذي كان أول رائد فضاء عربي، بعد أن شارك في رحلة لاستكشاف الفضاء عام 1985.

وعلى المستوى الأمني، تم اختيار "مساعد العيبان" مستشارا للأمن القومي. وفي حين أن "العيبان" هو ابن أول رئيس لوكالة المخابرات العامة السعودية، فقد صنع لنفسه اسما حين ساعد في هندسة مبادرة مجلس التعاون الخليجي لليمن عام 2012، والقرار الذي أدى للأزمة الخليجية عام 2014. وكان "العيبان"، الذي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، مستشارا موثوقا به في البلاط الملكي منذ عهد الملك "عبدالله". وقد يلعب "العيبان" دورا هاما في حل العثرات الإقليمية المحيطة بالمملكة، من سياستها الخارجية المتهورة، إلى أزمة مجلس التعاون الخليجي.

وكانت المرأة الوحيدة بين التعيينات الجديدة هي "إيمان المطيري"، التي ستكون مساعدا لوزير التجارة والاستثمار. وتتمتع "المطيري" بخلفية في الكيمياء الحيوية، وكانت تعمل في السابق مستشارا لوزير التجارة والاستثمار. وإلى جانب هيئة الفضاء، تشمل الكيانات الجديدة ديوان مجلس الوزراء، الذي سيشمل منصب الأمانة العامة، فضلا عن مكتب الخبراء، ومجموعة من الكيانات ذات الصلة بمجلس الوزراء.

وابتداء من صعود والده إلى العرش عام 2015، كان "بن سلمان" هو المهندس الفعلي لجميع التعيينات الملكية. ودفع الأمير الشاب والده لعزل الأمراء الأقوياء ومنحه سلطة مطلقة على صنع القرار في البلاد. وخلافا للرأي العام، لا يعكس التعديل الأخير بالضرورة أي تشديد آخر لقبضته على السلطة؛ حيث نجح "بن سلمان" بالفعل في تحييد المنافسين البارزين. وباستثناء "بن نواف"، فإن كل من تمت الإطاحة به في هذا التعديل كان في الأصل معينا من قبل "بن سلمان". ويترك هذا الواقع بعد ذلك فضيحة "خاشقجي" كدافع محتمل للتغييرات الأخيرة؛ حيث يسعى "بن سلمان" للإشارة إلى أنه يتخذ إجراءات لتصحيح أي سياسات أدت إلى ما يُنظر إليه الآن على أنه بقعة سوداء في فترة ولايته.