فورين بوليسي- ترجمة محمد الجوهري-
رغم المطالبات المتكررة من حقوقيين وأطراف دولية بفتح تحقيق دولي بقيادة الأمم المتحدة حول جريمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي" بواسطة عملاء للحكومة السعودية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنه وبعد مرور نحو 3 أشهر، لم تظهر قيادة الأمم المتحدة ولا الدول الأعضاء الرئيسية على استعداد لإجراء مثل هذا التحقيق.
ما سبق كان خلاصة تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحت عنوان: "الابتعاد بعيدا بجريمة قتل"، تساءلت فيه عن سبب خفوت الحملة الدولية لتحميل السعودية رسميا مسؤولية مقتل "خاشفجي"، رغم بشاعة الجريمة وتأثيرها في الرأي العام العالمي، وارتباطها المباشر بحرية الصحافة والتعبير.
وقالت المجلة: "لم يقم مجلس الأمن، الذي لديه سلطة إجراء تحقيق، بعقد اجتماع واحد حول هذا الموضوع، وامتنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن اتخاذ إجراء مباشر، مشيرا إلى الحاجة إلى طلب رسمي من الدول الأعضاء الرئيسية، بما في ذلك تركيا".
وأضافت: "لكن بينما دعت أنقرة مرارا إلى إجراء تحقيق دولي، فإنها لم تطلب رسميا ذلك من الأمم المتحدة حتى الآن".
وبالتوازي مع ذلك، خفت الحديث في واشنطن عن الجريمة داخل الكونغرس، وتم التغلب على ضغوطه لمحاسبة المتورطين بمقتل "خاشقجي"، بمن فيهم ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، بسبب قضايا أخرى شغلت الولايات المتحدة حاليا، أبرزها مشكلة إغلاق الحكومة الأمريكية، حسب ما نقلت المجلة عن أحد المسؤولين بالكونغرس.
وأضاف ذلك المسؤول أن الإدارة الأمريكية الحالية لديها حساسية مزعجة من محاسبة السعوديين على أي شيء.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن التردد في إجراء تحقيق أممي بقضية "خاشقجي" يعكس عدم رغبة القوى الرئيسية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في تحدي السعودية وجعلها مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت المجلة إن الأمم المتحدة فتحت، في وقت سابق، تحقيقات في اغتيال سياسيين رفيعي المستوى مثل رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري"، والباكستانية "بينظير بوتو"، لكنها لم تفعل ذلك مع "خاشقجي".
ونقلت المجلة عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، "ديفيد كاي"، قوله: "لقد شعرت بخيبة أمل كبيرة لأن الدول لم تنضم إلى الدعوات لإجراء تحقيقات مستقلة بقضية قتل خاشقجي".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر "كاي"، واثنين من المقررين الآخرين لحقوق الإنسان، "أغنيس كالامار" و"بيرنار دوهايم"، نداءً إلى الأمم المتحدة للتحقيق في وفاة "خاشقجي".
وأضاف: "أجد أنه من المحبط أن هذا هو الهجوم الأكثر جرأة على الصحفي من قبل دولة وليس هناك أي إجراء".
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن أعضاء بالكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري طالبوا بتقديم دعوى رسمية أمريكية إلى الأمم المتحدة لفتح تحقيق بمقتل "خاشقجي"، لكن البيت الابيض أحبط تلك المطالبات.
ورغم ذلك، يدرس السيناتور الديمقراطي "إيد ماركي" توجيه رسالة تدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق.
وأعرب قادة مجلس النواب، بمن فيهم "إليوت إنجل"، الرئيس المقبل للجنة الشؤون الخارجية، عن التزامه بإجراء مراجعة "من أعلى إلى أسفل" لعلاقات الولايات المتحدة مع السعودية.
وقال أحد أعضاء الكونغرس الديمقراطيين في مجلس النواب: "من المحتمل أن نرى تشريعات من نوع ما تعبر على الأقل عن شعور الكونغرس بأنه يجب إجراء تحقيق دولي في جريمة قتل خاشقجي من قبل الأمم المتحدة أو أي شيء آخر".
وفي الوقت الحالي، أبدى أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك الولايات المتحدة، اهتماما ضئيلا بالتحقيق في القتل.
وقال مسؤول شؤون الأمم المتحدة في "هيومن رايتس ووتش، "لويس شاربونو": "لقد سقطت قضية خاشقجي من الصفحات الأولى للصحف والمواقع الإخبارية، لكننا لن ندعها تذهب"، وينبغي ألا تسمح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذا".
وأضاف أن أحد الخيارات سيكون أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف، الذي سيستأنف عمله في مارس/آذار المقبل، لفتح تحقيق.
وأعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الرئيسة التشيلية السابقة "ميشيل باشيليت"، عن دعمها لإجراء تحقيق دولي.
ومع ذلك، تقول المجلة، ليس هناك ما يضمن أن الدول الأعضاء في المجلس ستوافق على ذلك.
وقال "شاربونو" إن أفضل خيار هو أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بأخذ زمام المبادرة بنفسه وفتح تحقيق.
لكن "غوتيريش" يرفض ذلك حتى الآن.
وقال "ستيفان دوغريك"، كبير المتحدثين باسم "غوتيريش"، إن الأمين العام للأمم المتحدة سيحتاج إلى طلب من دولة عضو في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تفويض من هيئة تشريعية دولية، مثل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت المجلة عن قانونيين سابقين بالأمم المتحدة قولهم إن "غوتيريش" يمتلك سلطة واسعة لإطلاق بعثات تقصي الحقائق فى أمور تتعلق بالسلام والأمن الدوليين، بما فى ذلك قتل خاشقجى".
وأشارت إلى أن سلطة "غوتيريش" مستمدة من المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنح قادة الأمم المتحدة القوة الكاملة لإثارة أية مسألة أمام أعضاء الأمم المتحدة، وقد استخدم الأمناء العامون السابقون سلطاتهم لبدء تحقيقات في قصف (إسرائيل) لمجمع حفظ السلام التابع للأمم المتحدة في لبنان، واغتيال "بوتو"، والمذبحة الجماعية للمدنيين في سري لانكا.
وقد أنشأ الأمناء العموميين السابقين للأمم المتحدة لجانا للتحقيق في الأحداث في توغو وتيمور الشرقية وجورجيا وغينيا على أساس سلطتهم الشخصية.
لكن "غوتيريش" أثبت أنه متردد كثيرا في استخدام تلك السلطات.
وخلصت "فورين بوليسي" إلى أنه بالنسبة إلى الأمم المتحدة، فإن التحقيق في مقتل "خاشقجي" ينطوي على مخاطر كبيرة وآفاق ضئيلة للنجاح، فقد يقرر السعوديون عدم التعاون، ويمكنهم الانتقام بقطع مئات الملايين من الدولارات لدعم برامج الأمم المتحدة الإنسانية ومكافحة الإرهاب.