ملفات » قضية جمال خاشقجي

السعودية والتشظي الاستراتيجي

في 2019/01/09

حسن البراري - الشرق القطرية-

سياسة التنمر واختلاق أزمات وحروب "دون كيشوتية" نتيجتها خسارة صافية للسعودية وتشظ استراتيجي.

يرتكب النظام السعودي خطأ كبيرا بالاستمرار في لعبة شراء الوقت التي تفترض تراجع الاهتمام الدولي بالقضية.

الكونغرس يميز بين مصالح بلاده مع الدولة السعودية ومصالح ترامب الشخصية في إبقاء بن سلمان وإفلاته من المساءلة.

يعاني الفكر الاستراتيجي السعودي قصورا فتدفع السعودية ثمنا كان يمكن تجنبه لو امتلكت القيادة الحكمة والصبر والتروي.

مرة أخرى، تخفق المملكة العربية السعودية في نسج رواية قابلة للتحقق بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ويبدو أن كل مساحيق التجميل غير قادرة على إخفاء بشاعة من يحاولون التنصل من المسؤولية.

حتى الإدارة الأمريكية - التي استماتت في الدفاع عن وليّ العهد السعودي - تقول بأن ما تقوم به السعودية مؤخرا من محاكمة «للضالعين» في الجريمة لا يقنع أحدا، فالعملية القضائية لا ترقى لمستوى المصداقية وتحقيق المساءلة.

فواشنطن لم تتلق لغاية الآن رواية قابلة للتصديق، وحتى المسار القضائي الذي بدأت به السعودية يتعرض لموقف دولي مشكك بصدقه. وتقترح واشنطن أن الطريقة الوحيدة لطيّ ملف قضية خاشقجي تستلزم اجراء محاكمة شفافة وعادلة تحظى بقبول من قبل المجتمع الدولي.

سيعاني الرئيس دونالد ترامب الأمرين إن خذلته السعودية في قضية خاشقجي على وجه التحديد، فالرئيس الأمريكي بحاجة إلى طيّ الملف مرة وللأبد وهذا لن يتحقق من دون نجاح السعودية في تقديم رواية متماسكة ذات مصداقية، والبدء بمسار قضائي جاد وحقيقي.

بمعنى آخر لن يكون بوسع الرئيس دونالد ترامب مواجهة الانتقادات والإجراءات التي قد يتخذها الكونغرس إن بقيت صورة السعودية بهذه القتامة.

فشلت كل محاولات ترامب في إقناع الرأي العام الأمريكي والدولة العميقة بأن هناك منطقا استراتيجيا يدفع الرئيس ترامب للاستمرار بالتعامل مع السعودية.

فتحميل مجلس الشيوخ بالإجماع مسؤولية قتل خاشقجي لمحمد بن سلمان يشي بأن الكونغرس كما غيره يميز بين مصالح الولايات المتحدة مع الدولة السعودية ومصالح ترامب الشخصية في إبقاء محمد بن سلمان ومساعدته على الإفلات من المساءلة.

وعلى العكس مما أراد ترامب، قدم أعضاء بارزون في الكونغرس مقاربة مختلفة لمصالح الولايات المتحدة مع السعودية، فهذا ليندسي غراهام يجادل بأن مصالح الولايات المتحدة تستلزم إقامة علاقات استراتيجية مع السعودية غير أن قيادة محمد بن سلمان تلحق ضررا بالغا بالمصالح الامريكية.

يقوم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزيارة للمملكة العربية السعودية وسيناقش موضوع خاشقجي مع القيادة السعودية، ومن المنتظر أن يقدم لهم نصيحة أو تحذيرا واضحا يفيد بأن الفشل في اقناع الرأي العام العالمي بشفافية وعدالة ونزاهة الموقف السعودي سيكون له عواقب وخيمة على مكانة السعودية الدولية.

وكأن لسان حال الإدارة الأمريكية يقول بأن الموضوع لم يعد ضمن سيطرة الإدارة بعد أن اصطف المجتمع الدولي كاملا في تضامنه مع الضحية في المطالبة ليس فقط في محاكمة القتلة وإنما الشخص الذي أعطى الأمر في هذه الجريمة التي دبرت في ليل.

يرتكب النظام السعودي خطأ كبيرا في غض الطرف والاستمرار في لعبة شراء الوقت التي تفترض تراجع الاهتمام الدولي بهذه القضية وبعدها يعود العالم في علاقته مع السعودية إلى ما قبل الثاني من أكتوبر.

هذه فرضية خطرة لأنها قد تفضي إلى نتيجة معاكسة، فهذا هو الكونغرس الأمريكي يستعد للبدء بتحقيقات تتعلق بالسعودية، كما أن حليف محمد بن سلمان الرئيسي في واشنطن يتعرض لمضايقات كبيرة أهمها تشكيل لجان تحقيق في علاقة ترامب المالية مع روسيا والسعودية.

بمعنى آخر، قد يلجأ الرئيس الأمريكي في لحظة ما في الانحياز لبقائه السياسي ويطرح جانبا أي علاقة تلحق ضررا بفرص بقائه في سدة الحكم.

أكثر ما تحتاجه المملكة العربية السعودية هو تغيير سلوكها في الإقليم، فسياسة التنمر واختلاق الأزمات وحروب "دون كيشوتية" لن تفضي إلا إلى خسارة صافية للسعودية وتشظ في الفكر الاستراتيجي السعودي الذي بات يعاني قصورا واضحا تدفع السعودية ثمنا كان بالإمكان تجنبه لو امتلكت القيادة السعودية الحكمة والصبر والتروي.