ملفات » قضية جمال خاشقجي

كيف أثر مقتل خاشقجي على موازين القوى داخل النظام السعودي؟

في 2019/01/24

كريستين ديوان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن- ترجمة شادي خليفة -

تمثل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إلى الرياض، التي تزامنت مع مرور 100 يوم على مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، فرصة لتبيان كيف غير الغضب الدولي من الحادثة المشهد الداخلي السعودي.

وليس هناك الكثير من الأدلة على محاسبة النخبة السعودية المتورطة. وفي أي من الروايات السعودية المتغيرة، لم يتم تحميل ولي العهد "محمد بن سلمان" أي مسؤولية عن قتل "خاشقجي". وحتى كبار مساعدي ولي العهد الذين تورطوا في العملية يبدو أنه تم تبرأتهم، وأصبح "سعود القحطاني"، مستشار الديوان الملكي للشؤون الإعلامية، واللواء "أحمد العسيري"، نائب رئيس المخابرات السعودية، خارج دائرة الملاحقة القضائية.

وبدون ضغوط أكبر من إدارة الرئيس "دونالد ترامب"، من غير المحتمل أن يتغير هذا الوضع. وكان إدراج "القحطاني" ضمن الـ 17 سعوديا الذين أقرت وزارة الخزانة الأمريكية بتورطهم نقطة تباين بين البلدين، وبوصفه مساعدا لولي العهد اتهم القحطاني بالتورط في سلسلة من الإجراءات التعسفية شملت الاحتجاز، وتهديد النقاد البارزين ورجال الأعمال والمنافسين الملكيين، فضلا عن الإقالة القسرية لرئيس وزراء لبنان. وبالتالي، يعد مصيره مقياسا للمطالب الدولية والمقاومة السعودية لها.

ولكن بصرف النظر عن المسؤولية القانونية، فسوف يكون هناك حساب داخل المؤسسة السعودية حول قضية "خاشقجي" وتأثيرها على المكانة الدولية للمملكة العربية السعودية. ويمكن استخلاص آثار الحدث من إدراج أعضاء سابقين بالديوان الملكي في التعديل الوزاري الأخير، وفي مجموعة من المراسيم الملكية التي أعادت تنظيم وكالات الاستخبارات والديوان الملكي نفسه. ويشير هذا إلى عملية طارئة لإضفاء الطابع المؤسسي على المشهد الوطني الجديد، مع إعادة توزيع الأدوار داخل ملكية أكثر مركزية. وفي نهاية المطاف، على الرغم من ذلك، فإن احتكار السلطة في أيدي "محمد بن سلمان" يقف ضد أي جهود لاحتواء أكثر دوافعه وتصرفاته إثارة للقلق.

توحيد المملكة تحت راية الملك "سلمان"

كانت فترة أول عامين من حكم الملك "سلمان بن عبد العزيز" متمركزة على تأمين خلافة نجله. وبحلول عام 2017، كان فرع "آل سلمان" من العائلة المالكة قد قام بتهميش المنافسين الملكيين عبر عملية ترهيب وإعادة تنظيم حكومية، أطاح فيها بالقواعد الراسخة للأقدمية وتقاسم السلطة. وقد استولى "بن سلمان"، بمساعدة والده، على أماكن كبار العائلة، في حين عين التكنوقراط ومكن لزمرة من المستشارين غير الملكيين، والعديد منهم أصدقاء الطفولة، ليكونون بمثابة أبطال برنامجه القومي وأدوات إنفاذ حكمه. وتتضح هذه العملية في إعادة هيكلة الاستخبارات السعودية، والديوان الملكي كذلك.

وفي عهد الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، كانت سلطة الاستخبارات إلى حد كبير في يدي اثنين من الأمراء. وعلى رأس وزارة الداخلية، أشرف "محمد بن نايف" على كل من الاستخبارات الداخلية ومكافحة الإرهاب. وتمت السيطرة على جهاز المخابرات السعودي، المعروف رسمياً باسم رئاسة المخابرات العامة، من قبل "بندر بن سلطان"، بعد الربيع العربي. وفي العام الأخيرة من عهد الملك "عبد الله"، كان الجهاز تحت قيادة "خالد بن بندر". وكان "بندر بن سلطان" أيضا رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي، الذي أنشأه الملك "عبد الله" عام 2005. وقد عمل "محمد بن نايف" كنائب لرئيس المجلس الذي كان مكلفا بتنسيق الأمن القومي والمخابرات والسياسة الخارجية.

وعند توليه العرش في يناير/كانون الثاني 2015، قام الملك "سلمان" على الفور بحل مجلس الأمن الوطني السعودي، واستبداله بهيئة جديدة، هي مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وجاء ذلك متزامنا مع إلغاء العديد من هيئات صنع القرار الاقتصادي، التي تم توحيدها في إطار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مما أدى فعليا إلى تركيز الأمن والشؤون الاقتصادية داخل هذين المجلسين. وتم تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية على غرار مجلس الأمن الوطني، لكن الأمير "بندر" تم استبعاده، ربما بسبب دوره غير الناجح في تنظيم المعارضين السوريين. وفي الوقت نفسه، تم استبدال خلفه في رئاسة المخابرات العامة لصالح ضابط عسكري غير ملكي.

وفي حين تولى "محمد بن نايف" في البداية رئاسة مجلس الشؤون السياسية والأمنية، حل محله فيما بعد "محمد بن سلمان"، الذي حل محله أيضا كولي للعهد في يونيو/حزيران 2017، ما ترك ولي العهد الشاب مسؤولا عن كل من المجالس الاقتصادية والأمنية. وفي العام نفسه، تم نقل سلطات مكافحة الإرهاب والسلطات الاستخباراتية الداخلية التابعة لوزارة الداخلية إلى رئاسة جديدة لأمن الدولة تقع داخل الديوان الملكي ويشرف عليها الملك. وفي وقت قصير بعد ذلك، قام الملك "سلمان" بتكثيف محافظ الاستخبارات في يد وريثه، أو في أيدي أعضاء من خارج العائلة المالكة لا يمثلون أي تحدٍ سياسي.

وكان هناك إعادة هيكلة مركزية للديوان الملكي أيضا. وابتداء من عهد الملك "عبد الله"، تم إلغاء ارتباط الديوان الملكي بمجلس الوزراء، وتم تعزيز سلطة الديوان الملكي الذي قاده "خالد التويجري"، مستشار الملك "عبد الله" المؤثر. وعندما تولى الملك "سلمان" السلطة، قام بالمثل بإلغاء ارتباط الديوان الملكي بولي العهد، مما أدى إلى إضعاف "محمد بن نايف"، وترك الديوان تحت سيطرة يد "بن سلمان. ومن داخل الديوان الملكي، ظهرت العديد من مبادرات ولي العهد، مثل وسائل الإعلام ومؤسسات الأمن السيبراني التي يشرف عليها "القحطاني"، ومنها تمت إدارة أجهزة المخابرات.

مأسسة الأمن القومي

أثر توطيد السلطة داخل فرع "آل سلمان" في نفس الوقت على مركزية الأمن والاستخبارات. وفي الوقت الذي بدأ فيه تبسيط عملية صنع القرار في عهد الملك "عبد الله"، تم تسريع هذه الوتيرة في عهد الملك "سلمان".

وبالنسبة للعواقب السلبية المحتملة لهذا التوجه، خاصة في ظل حاكم قليل الخبرة غير صبور لإظهار قوته في الداخل والخارج، فإن الأدلة أكثر من أن تحصى وشملت اختطاف رئيس الوزراء اللبناني، واحتجاز أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال البارزين، وسجن وتعذيب المدافعين عن حقوق المرأة، والقتل الوحشي لـ "خاشقجي". ويبدو أن الحاجة إلى معالجة عدم وجود قيود مؤسسية، وكذلك إثبات وجود مقاييس للمساءلة للشركاء الدوليين، هي ما يقود بعض التغييرات الأخيرة.

وكانت إحدى الاستجابات السعودية الأولى على الضغوط الدولية في فضيحة "خاشقجي" تشكيل لجنة وزارية لإعادة هيكلة وكالة المخابرات السعودية. وكان تعيين "بن سلمان" لرئاسة هذه اللجنة مؤشرا مبكرا على أن المملكة لن تسمح لقضية "خاشقجي" أن تهدد سلطته الأساسية. ولكن إلى جانب "بن سلمان"، ضمت اللجنة المؤلفة من 5 أشخاص موظفين ذوي خبرة مرتبطين ارتباطا وثيقا بالديوان الملكي، ويرتبطون شخصيا بالملك. وتم في وقت لاحق منح اثنين من هؤلاء الأفراد، هما "مساعد العيبان" و"إبراهيم العساف"، المناصب الأساسية المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية في الحكومة الجديدة التي تم إعلانها في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018.

وقد تم تعيين "العيبان" مستشارا للأمن القومي، وهو منصب كان من المرجح أن يشغله السفير السعودي الحالي في الولايات المتحدة والشقيق الأصغر لـ "محمد بن سلمان"، "خالد بن سلمان". وكان "العيبان" وزيرا للدولة منذ عام 1992، وكان بمثابة وسيط رئيسي بين صانعي القرار الأمنيين داخل الديوان الملكي وبين القوى الأجنبية منذ عهد الملك "فهد بن عبد العزيز". وقد تم الاستشهاد بآرائه في حرب اليمن وفي مواجهة 2014 مع قطر. لكن إحياء منصب مستشار الأمن القومي أمر يدعو للفضول، بالنظر إلى إلغاء مجلس الأمن الوطني السعودي عام 2015 لصالح مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وقد أمر مرسوم ملكي، صدر في أبريل/نيسان 2017، بإنشاء مركز للأمن القومي يرفع تقاريره إلى الملك، وسوف يرأس "العيبان" هذه المؤسسة الجديدة ويشرف على موظفيها. إلا أن علاقته بمجلس الشؤون السياسية والأمنية ما زالت غير واضحة.

وقد تم تعيين "العساف" وزيرا للخارجية، وهي مهمة مفاجئة لوزير المالية التاريخي للبلاد. ومع ذلك، فهو، مثل "العيبان"، وزير دولة ذو خبرة، يقال إنه يتمتع بثقة الملك، على الرغم من اعتقاله لفترة قصيرة في حملة مكافحة الفساد التي تم استخدامها لترهيب رجال الأعمال البارزين والوزراء والمنافسين الملكيين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وتماما كما سيضفي "العيبان" الطابع الاحترافي على أجهزة الاستخبارات والأمن، سيركز "العساف" عمله على إعادة هيكلة وزارة الخارجية والدبلوماسية السعودية. كما أن وجوده كأكبر مبعوث خارجي للمملكة سيعمل على تعزيز الثقة في الاقتصاد السعودي، مع تراجع الحماس المبكر لبرنامج الإصلاح "رؤية 2030" والقلق المتصاعد في مجتمع الأعمال السعودي والشكوك من المستثمرين الدوليين. 

وتم تعزيز مهمة بناء المؤسسات التي سيقوم بها "العيبان" و"العساف" بموجب مرسوم ملكي صاحب التعديل الوزاري. ودعا المرسوم إلى إعادة تأسيس ديوان الوزراء، على الأقل من الناحية النظرية، بهدف إنشاء مساحة تنظيمية بين أعمال الحكومة والتعاملات الداخلية لأسرة "آل سعود" الحاكمة. وبالنظر إلى موقف "بن سلمان" كقائد للديوان الملكي، فقد يكون هذا علامة أخرى على جهود مبدئية لوضع بعض الضوابط على حكمه.

إعادة الضبط

تظهر الخطوات التي اتخذتها القيادة السعودية، الظاهرة في التغييرات الأخيرة في مجلس الوزراء والمراسيم الملكية الجديدة، إيقافا لعجلة مركزية السلطة التي كانت مدفوعة بالرغبة في بسط سيطرة "محمد بن سلمان" على كل مراكز القوى، لصالح تعزيز دولة أكثر قومية. وقد أضفت العثرات الهائلة للقيادة الشابة، وبالأخص جريمة قتل "خاشقجي" الأكثر دراماتيكية، زخما جديدا لإضفاء الطابع المؤسسي والمهني على هذه الهيئات الوطنية الجديدة.

ومع ذلك، تبقى أسئلة خطيرة. فحتى هذه التغييرات المحدودة متنازع عليها. وينضم التكنوقراط الجدد إلى مجلس وزراء لا يزال مليئا بحلفاء الأمير الشاب، حتى أن "القحطاني" المتهم في قتل "خاشقجي" دوليا، يقال إنه يستمر في حضور اجتماعات الديوان الملكي. وفي حين أن أدواته الإعلامية قد تم استبدالها على ما يبدو بمركز جديد للاتصالات والدراسات الإعلامية، يستمر نفوذه في وسائل التواصل الاجتماعي السعودية ويظهر في الهجمات على الخصوم المحليين والأجانب، بما في ذلك الشائعات التي تحاول النيل سمعة "خاشقجي". وقد يساهم التكنوقراط في إنشاء مؤسسات أكثر احترافا، لكن نظرا لأنهم من غير أفراد العائلة المالكة، فإن مواقفهم وإصلاحاتهم تتوقف على نزوات أصحاب السيادة. ومع تقلص دور كبار العائلة المالكة، والاعتماد الأمريكي المتزايد على المملكة في السياسات الإقليمية، مع المزيد من التركيز على تقاسم الأعباء وتجاهل حقوق الإنسان، فإن هناك الآن تدقيقا محدودا على سلوك الحاكم السعودي الجريء.