واشنطن بوست- ترجمة شادي خليفة -
في أواخر الشهر الماضي، زار ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" باكستان والهند والصين.
ونظرا لسوء حالة علاقات المملكة العربية السعودية، من المغري رؤية هذه الرحلة كرد على الانتقادات التي طالت المملكة في الولايات المتحدة حول مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
لكن القصة الأساسية لهذه الرحلة ليست حول الولايات المتحدة والسعودية، بل تدور حول التحول الجيوسياسي الهيكلي الجاري، حيث يتجه مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو الشرق، وتقترب آسيا والشرق الأوسط من بعضها البعض بشكل أكبر.
السياسة الخارجية للمملكة إقليمية في المقام الأول
ويركز قادة المملكة على مجموعة من التحديات المادية والأيديولوجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المضطربة والمليئة بالمنافسة، وكانت العلاقات مع القوى الخارجية دائما وسيلة مهمة لمعالجة هذا الأمر.
ومنذ عسكرة وجودها في الخليج العربي في أوائل التسعينات، لعبت الولايات المتحدة هذا الدور، لضمان عدم وجود أي قوة خارجية أخرى قادرة على إثبات نفسها كسلطة خليجية رئيسية، وفي نفس الوقت منع أي دولة إقليمية من إثبات نفسها كدولة مهيمنة.
وقد حافظ هذا بشكل عام على الوضع الراهن الذي يفضله السعوديون وشركاؤهم.
وعلى الرغم من اتفاقيات التعاون الدفاعي، والأعداد الكبيرة من القوات الأمريكية هناك، واستمرار مبيعات الأسلحة لدول المنطقة، لكن هناك تصورا في الخليج بأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة يتراجع.
ويكون هذا الخوف من الهجر هو الحال بالنسبة لأي شراكة غير متكافئة، ولكن عززت سلسلة من تحركات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مثل حرب العراق، والتخلي عن نظام "مبارك "في مصر عام 2011، وإعادة التوازن مع آسيا، والتفاوض مع إيران بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة، مخاوف تلك الدول حول اختلاف المصالح مع شريكها الأمني الرئيسي.
ولم تجد الخطوات الأخيرة من قبل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثيرا في تهدئة تلك المخاوف؛ حيث تعزز دعوة الرئيس "ترامب" إلى انسحاب كامل للقوات الأمريكية من سوريا، والتخفيض الكبير في الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، المخاوف من التراجع الأمريكي.
ولم يكتسب التحالف الاستراتيجي المقترح للشرق الأوسط زخما في المنطقة، حيث توجد ثغرات في التوقعات والثقة بين شركاء التحالف المحتملين، وأيضا قلق حقيقي من أن الولايات المتحدة تخفف من بصمتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومع تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة، يتطلع قادة الخليج العربي بهدوء تجاه آسيا.
وفي هذا السياق، كانت رحلة "بن سلمان" منطقية. وليس المقصود منها جذب انتباه واشنطن.
وتهدف الرحلة إلى مواصلة تطوير مجموعة أكثر توازنا من العلاقات الأمنية والاقتصادية، ولقد عملت جميع دول الخليج على تنويع علاقاتها مع القوى خارج المنطقة في الأعوام الأخيرة، وليس بهدف الاستعاضة عن الولايات المتحدة، بل بالتحوط ضد الاعتماد المفرط على شريك واحد.
وإذا بدت الولايات المتحدة أقل تركيزا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فسوف يتعين على المملكة العربية السعودية أن تبدأ في استثمار بعض مواردها الدبلوماسية في البلدان التي تعتبر استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهمة لسياستها الخارجية الخاصة بها، ومن المؤكد أن البلدان الآسيوية تتلاءم مع مثل هذا المشروع.
وهناك رحلة لقائد خليجي آخر إلى الخارج لم تلفت الكثير من الانتباه مثل رحلة "بن سلمان"، ولم يكن أمير قطر في أبوظبي لمشاهدة فريقه الوطني لكرة القدم يفوز بكأس آسيا 2019، وبدلا من ذلك، كان في الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
ومع رئيس الوزراء "شينزو آبي"، أعلن عن إطلاق حوار استراتيجي، وركزت المحادثات في سيول على الأمن الغذائي القطري، وناقشت قطر والصين سبل تعميق الشراكة الاستراتيجية التي تم توقيع البدء بها في عام 2014، وكانت تجارة الطاقة حاضرة أيضا، وقد وقعت "قطر للغاز" مؤخرا اتفاقا مدته 22 عاما مع الصين.
كما كان ولي عهد أبوظبي، "محمد بن زايد"، في سيول في الآونة الأخيرة، استكمالا للزخم الذي حدث بعد زيارة الإمارات العام الماضي من قبل الرئيس "مون جاي إن".
وتتنامى هذه العلاقة بهدوء، ولكنها تكثفت بشكل كبير خلال العقد الماضي، بعد أن فاز "كونسورتيوم" كوري بمناقصة لبناء أول مفاعل نووي في الإمارات، وبرز التعاون الأمني في تلك العلاقة مع الاتفاق مع وحدة خاصة من القوات الخاصة الكورية لتدريب نظيرتها في الإمارات.
أكثر من مجرد رحلة
أما بالنسبة لرحلة "بن سلمان"، فمن الواضح أن هناك أجندة سياسية محلية يتم اتباعها أيضا، فلقد مر أقل من عام منذ جولته في الولايات المتحدة، حيث التقى بالنخب السياسية والتجارية والترفيهية، حين روج لصورة جديدة للمملكة.
وبعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول، من غير المرجح أن يتم استقبال "بن سلمان" بحرارة من جديد في العواصم الغربية.
لكن في باكستان، مع ذلك، فقد تم الترحيب به عبر إطلاق 21 طلقة، مع إهدائه بندقية ذهبية، وقاده إلى حفل الاستقبال رئيس الوزراء "عمران خان"، وفي نيودلهي، استقبله رئيس الوزراء "نارندرا مودي" في الطائرة، وعانقه بشكل حميمي.
لكن الرحلة كانت أكثر من مجرد لقاءات للتباهي، ولدى باكستان والسعودية علاقات أمنية طويلة الأمد، مع وجود قوة باكستانية في المملكة لمساعدة وتدريب القوات السعودية، و"لحماية العائلة المالكة من الأعداء في الداخل والخارج".
وقد هيمنت الاستثمارات على عناوين الأخبار حول هذا الاجتماع، حيث قالت إن "بن سلمان" التقى مع رئيس أركان الجيش الباكستاني، والتقى المسؤولون السعوديون مع "خان" قبل وصول "بن سلمان" للدفع باتجاه تعاون أقوى في الحرب ضد الإرهاب.
وقد تمت أيضا مناقشة التعاون الأمني السعودي الهندي، استنادا إلى اتفاق التعاون الدفاعي بين البلدين لعام 2014.
وعلى الرغم من أنه ليس قويا مثل التعاون الأمني السعودي مع باكستان، تركز الاتفاقية على تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري والتعليم.
ومن بين الثلاثة، ربما تكون العلاقات مع الصين هي الأقل وضوحا، ولكنها الأكثر صعودا، وكانت هناك تدريبات مشتركة ومبيعات صاروخية، وفي العام الماضي، أنشأت شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية مصنعا لإنتاج طائرات بدون طيار من طراز "هانتر كيلر" في المملكة.
ومعا، لا تستطيع أي من هذه الدول، أو لا يحتمل أن يكون لديها مصلحة، في شغل الدور الأمني الأمريكي.
وتتمتع الدول الآسيوية بمصالح اقتصادية ومصالح طاقة عميقة في الخليج العربي، ويخلق هذا فرصا للتعاون تؤدي بلا شك إلى مسؤولية أكبر لحماية هذه المصالح والاستثمارات.
وتتطلع السعودية، وجيرانها الخليجيون، بشكل متزايد نحو آسيا من أجل مجموعة متنوعة من العلاقات، وهو انعكاس لهذا الواقع الاقتصادي الجديد.
كما أنه مؤشر على أن مجرد التخوف من تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة قد يؤدي إلى نظام خليجي أكثر مرونة، مع قيام عدد أكبر من الدول بممارسة جهود التنويع لتأمين مصالحها الإقليمية.