ملفات » قضية جمال خاشقجي

لكي تفهم العلاقات الأمريكية – السعودية يجب أن تفهم علاقة بن سلمان مع جارد كوشنر

في 2019/03/12

محمد بازي- صحيفة ” الغارديان”-

كتب محمد بازي المحاضر في الصحافة بجامعة نيويورك مقالا نشرته صحيفة ” الغارديان” تحت عنوان: “جوهر العلاقات الأمريكية- السعودية مركزه صداقة كوشنر مع الأمير” وقال فيه إن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، يقوم بالكشف عن الطرق المتعددة التي عبرت من خلالها إدارة دونالد ترامب عن امتنانها للسعودية ومنذ الأيام الأولى.

ففي تقرير للجنة في مجلس النواب نشر الشهر الماضي، ولم ينتبه إليه الكثيرون في غمرة الأحداث المتعددة، كشف عن محاولات المسؤولين في الإدارة بمن فيهم مايكل فلين، مستشار الأمن السابق، وجاريد كوشنر، مستشار وصهر ترامب، للدفع تجاه منح السعودية التكنولوجيا النووية وبناء محطات للطاقة النووية، بشكل كان سيعطي المملكة الفرصة لتطوير السلاح النووي، وزيادة حالة عدم الإستقرار في الشرق الأوسط.

ويعلق بازي أن دور كوشنر بالتحديد يثير القلق، لأنه كصهر للرئيس وكبير مستشاريه بنى علاقة قوية مع ولي العهد السعودي الشرس، محمد بن سلمان. وتظل صداقة كوشنر- الأمير محمد في قلب العلاقات الأمريكية- السعودية. وهي السبب الرئيسي التي دفعت إدارة ترامب لحماية ولي العهد وإبعاد اللوم عنه في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.

ويقول الكاتب إن ترامب وكوشنر اللذان يعرفان العالم الغامض والعقود المثيرة للشك في عالم العقارات تكيفا سريعا مع النظام السعودي القائم على الرعاية والمحسوبية، دعم كامل من إدارة ترامب مقابل وعود شراء أسلحة وعقد صفقات تجارية أخرى.

وبدأت محاولات تزويد السعودية بالطاقة النووية في عام 2016 أثناء الفترة الانتقالية التي التأم فيها شمل مجموعة من الجنرالات المتقاعدين ومستشاري الأمن القومي حول فلين، الذي كان أول مستشار للأمن القومي، وحتى بعد فصله في شباط/ فبراير 2017 حاول عدد من مسؤولي البيت الأبيض إحياء الخطة رغم اعتراض محامي البيت الأبيض الذين حذروا من خرق القوانين الأمريكية التي تحاول الحد من انتشار السلاح النووي.

ولا تزال الفكرة حية، ففي الشهر الماضي اجتمع ترامب مع مدراء عدد من شركات الطاقة النووية الخاصة الذين أرادوا دعمه لبناء مفاعلات نووية في الشرق الأوسط. ومع أن التركيز ظل على فلين، إلا أن كوشنر متورط في تضارب المصالح بشأن المشروع السعودي. فبحسب التقرير الذي جاء في 24 صفحة والذي أعدته لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب، فربما كانت شركة “ويستنغهاوس إلكتريك” المستفيد المحتمل من المشروع السعودي. وهي شركة مملوكة من فرع لـ”بروكفيلد اسيت مانجمنت”، المتخصصة في العقارات والتي أنقذت كوشنر وعائلته من عقار اشترته بمبلغ 1.8 مليار دولار بمنطقة منهاتن في نيويورك.

ويرى الكاتب أن تحالف كوشنر مع الأمير محمد له تداعياته، فقد تجاهلت إدارة الرئيس الموعد النهائي الذي وضعه الكونغرس للبيت الأبيض لكي يقرر فيما إن كان ولي العهد السعودي من أمر باغتيال صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي وتقطيع جثته في القنصلية السعودية باسطنبول، كما توصلت الوكالات الاستخباراتية الأمريكية.

ومثل محاولات ترامب حماية ولي العهد السعودي، فهذه سترتد عليه سلبا. فبدفاعه عن الأمير محمد وبقوة، فاقم ترامب المشكلة ودعا الكونغرس للرد عليه بشدة. ويضيف بازي أن مستشاري ولي العهد استهدفوا بعد انتخاب ترامب، كوشنر باعتباره البوابة التي يدخلون من خلالها إلى الدائرة المحيطة بترامب. واعتقدوا أن كوشنر يسهل التحكم به بسبب تعاملاته المالية وقلة معرفته بالشرق الأوسط ورغبته بتحقيق صفقة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

. وكتب عضو في وفد أرسله بن سلمان إلى واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، أن الطبقة المحيطة بترامب هي في المعظم من الذين يبحثون عن صفقات ولا يعرفون العادات السياسية أو كيفية عمل المؤسسات ويدعمون جارد كوشنر. وأمسك السعوديون بكوشنر الذي قام في آذار (مارس) 2017 بترتيب مأدبة غداء لمحمد بن سلمان مع ترامب في البيت الأبيض، حيث تم استقباله بحفاوة لا تتم في العادة إلا لرؤساء الدول.

وبعد ذلك أقنع كوشنر صهره باختيار السعودية كمحطة في أول زيارة خارجية له، والتي قام بها في أيار (مايو) 2017. وفي تلك المرحلة عرف السعوديون أن الرئيس يحب البهرجة والتملق وقدموا له ما يريد من استقبال مبهر وحفلات ومأدبات عدة. ولم يكن مدهشا أن يقول الأمير محمد كما ذكر موقع “ذا أنترسيبت” لاحقا أن كوشنر “في جيبه” وحصل منه على معلومات عن منافسيه في العائلة المالكة. وكان كوشنر في وضع ضعيف، فقد اشترت عائلته بناية في 666 في “فيفث أفنيو/ منهاتن” في ذروة ارتفاع سوق العقارات الذي انهار بعد عام. وحاولت شركات كوشنر ولأكثر من عامين البحث عن منقذ سواء من قطر أو الصين، ولم يتم التوصل لاتفاقيات لخوف المستثمرين من الدور الذي بات يلعبه كوشنر في البيت الأبيض.

وفي الربيع الماضي، وقعت شركات كوشنر على عقد مدته 99 عاما مع “بروكفيلد أسيت مانجمينت” والتي تعد واحدة من كبرى شركات العقارات في العالم. وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الشركة توقع فيه عقدا مع كوشنر، أعلنت شركة أخرى تابعة لها عن شراء شركة “ويسينغهاوس إلكتريك” التي أعلنت عن إفلاسها، بقيمة 4.6 مليار دولار.

وكانت الشركة المتخصصة بتكنولوجيا الذرة، تحاول ضمن مجموعة من شركات الحصول على عقود لبناء محطات نووية في السعودية. وكانت الصفقة بحاجة لمصادقة إدارة ترامب ومراجعة لجنة الإستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والمكونة من مسؤولين كبار من تسع وكالات أمريكية.

وتطلّب العقد موافقة أمريكية لأن بروكفيلد هي شركة كندية وتريد شراء شركة أمريكية متخصصة في الطاقة النووية. وفي الماضي كانت اللجنة تطلب من الشركات الأجنبية التخلي عن الصفقة أو تقديم تعديلات للعطاء المقدم. لكن العقد مع بروكفيلد مرر ووقع في الأول من آب (أغسطس) 2018. وفي 3 آب (أغسطس) أعلنت بروكفيلد عن صفقة إيجار مع شركات كوشنر لمدة 99 عاما، وأنها ستدفع المبلغ مقدما، ومبلغا يساعد كوشنر على دفع الديون المستحقة عليه وهو 1.4 مليار دولار في شباط (فبراير) 2019. وبدون الصفقة فقد كان كوشنر سيبيع المبنى وبخسائر فادحة. ولا يعرف إن كانت تجارة ومصالح كوشنر قد لعبت دورا في تأمين عقد بروكفيلد، لكنها تظل مثالا عن الطريقة التي تتعامل فيها الإدارة مع السعودية وبقية الحلفاء.

فالدعم الأعمى الذي قدمه ترامب للأمير المتهور، قدم من خلال مظهر العقود والتحالف القائم على النفط والسلاح وبعض مصالح الأمن القومي. ففي نفس اليوم الذي وصل فيه مايك بومبيو، وزير الخارجية إلى الرياض في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2018 لبحث مصير خاشقجي، قام السعوديون بوضع 100 مليون دولار في صندوق بالولايات المتحدة والمساعدة في تحقيق الإستقرار في مناطق شرق سوريا التي طرد منها تنظيم الدولة.

ولم يكن الدبلوماسيون الأمريكيون واثقين من وصول المال حتى ظهوره في الحساب فجأة. وكان إرسال المبلغ إشارة للغة التي يفهمها ترامب. وهو أن التزام المملكة بتعهداتها المالية والتجارية للولايات المتحدة مشروط بتعاون ترامب في الأزمة التي النابعة من جريمة قتل خاشقجي، فقد مرر القادة السعوديون لترامب وكوشنر رسالة تقول إنهم يقدرون الولاء العائلي والمصالح المالية فوق أي شيء.