ملفات » قضية جمال خاشقجي

عندما لا تتعلم واشنطن بشأن السعودية

في 2019/03/15

مالك ونوس- العربي الجديد-

على الرغم من الانتقادات، الداخلية والدولية، الحادة التي تعرَّضت لها بسبب سياستها تجاه العربية السعودية، فيما يخص ضلوعها في جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وسجلِّها في انتهاك حقوق الإنسان، ماضياً وحاضراً، تستمر واشنطن في دعم حكام الرياض. وتجلى هذا الدعم، أخيراً، في نية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بيع الرياض مفاعلاً نووياً، يقوّيها ويدفعها إلى ارتكاب مزيدٍ من الانتهاكات. ولعلَّ إنكار ترامب الأخبار والقرائن التي تحدَّثت عن مسؤولية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن الجريمة، أن يكون الفعل الأكثر استحقاقاً لتكليل الانتقادات التي تتعرض لها بلاده، ويكرِّس حكامها متستِّرين على المجرمين الموصوفين.
"وبَّخ" ممثلو دول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وغيرهم، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، السعودية، قبل أيام، بسبب انتهاكها حقوق الإنسان وسجن الناشطات السعوديات، وعدم تعاونها مع التحقيق الأممي لكشف ملابسات قتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وجاء ذلك في بيان وقَّعه ممثلو الدول المذكورة، ينتقد سجل المملكة في هذا المجال. وكان ملاحظاً عدم توقيع ممثل الولايات المتحدة على البيان، ما يدلّ على مراعاتها، إن لم نقل رعايتها، السياسة السعودية التي باتت تثير غضباً دولياً لانتهاكاتها المتكرّرة. وحين تمتنع واشنطن عن التوقيع، فهي تضرب الإجماع الدولي، وتشير إلى نفسها بأصابع الاتهام، نتيجة تغاضيها عن جرائم بن سلمان ودعمها إياه.
وقبل ذلك، كشفت صحف أميركية، بداية مارس/ آذار الجاري، عن سعي ترامب إلى بيع السعودية التكنولوجيا النووية، عبر بناء محطتين نوويتين، ربما تُستخدمان، مستقبلاً، في صنع قنابل نووية. وكان السفير السعودي في واشنطن قد قال، سنة 2015، إن سعي بلاده إلى امتلاك القدرات النووية، يهدف إلى صنع قنابل نووية، تواجه فيها الرياض القنبلة النووية الإيرانية المفترضة. وكان لافتاً كم بذلت المجموعة الدولية التي ضمَّت الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، من جهد للتوصل إلى اتفاقٍ بينها وبين إيران، ينص على تخلي إيران عن الجانب العسكري لبرنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات عنها، لخفض التوتر في المنطقة والعالم، لكن أميركا أرادت، ليس الانسحاب من هذا الاتفاق فحسب، بل تأمين القدرة التي تخوّل السعودية الحصول على قنبلة نووية، وهنا من الصعب التكهن بحجم التوتر الذي ستشهده المنطقة، أو بمغامرات بن سلمان المتكئة على القوة النووية، وهي المنفلتة من عقالها في الأصل.

لا يعرف قادة البيت الأبيض، وخصوصا الرئيس دونالد ترامب، أن تقوية حكام السعودية ستتناسب طرداً مع زيادة انتهاكاتها حقوق الإنسان في السعودية وتجاه الجيران، وخصوصاً حربها على اليمن وحصارها دولة قطر. كما إنه، وعلى عكس المشتهى، يقوي خصوم أميركا، ولا سيما إيران، حين يوفِّر لها فرص الظهور قوةً إقليميةً، حين يصمها مهددةً لاستقرار المنطقة، متغاضياً عن إسرائيل التي باحتلالها الأراضي الفلسطينية وعدائها للعرب تعد المهدّد الرئيس لاستقرار المنطقة.

ويعوّل ترامب على تقوية بن سلمان لأنه يعتبر أكثر القادة السعوديين ولاءً لواشنطن، وأكثر رغبةً في إنفاق مئات مليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأميركية والاستثمار في أميركا. كما إنه يعوّل عليه من أجل إضعاف إيران، بل مواجهتها، على الرغم من أن بن سلمان قدَّم أسباباً جعلت شوكة إيران تزداد قوةً في المنطقة. وليس معلوماً إن كان ترامب يعرف أن الحرب التي شنها بن سلمان على اليمن كانت عاملاً أساسياً في زيادة نفوذ إيران في هذا البلد، وتكريسها لاعباً إقليمياً قوياً. علاوة على ذلك، انعكس تهور بن سلمان في لبنان إيجابياً على نفوذ إيران في هذا البلد، عندما احتُجز رئيس وزرائه، سعد الحريري؛ فخفّض من أسهم السعودية في لبنان، وهز صورة الحريري أمام أبناء بلده، وخلخل عوامل قوته التي يستمدها من شعبيته.

بعد مقتل خاشقجي، ظهر ما يمكن أن يُعدُّ غضباً دولياً على الجريمة وعلى مرتكبيها. وتوجهت أصابع الاتهام إلى بن سلمان، واعتبر المسؤول عن الأمر بتنفيذ الجريمة، وبالتالي فهو مدان بالضرورة. ولأن الجريمة تعدَّت إطارها جنايةً عاديةً، لتصبح قضية رأي عام عالمي، وصورةً عن حال حرية التعبير وحقوق الإنسان في السعودية، نُبِذَ بن سلمان من المشهد الدبلوماسي الدولي. كما اتخذت دول كثيرة، ومنها دول الاتحاد الأوروبي، قراراتٍ أشبه بالعقوبات، حين ضحَّت بعقود بيع الرياض الأسلحة عقاباً لها، ومحاولةً منها لدفع السلطات السعودية إلى التعاون مع اللجنة الأممية المخولة بالوقوف على ملابسات القضية وكشفها، لجلب الضالعين فيها إلى العدالة. ولكن الولايات المتحدة بقيت على موقفها السلبي من القضية، واستمر ترامب بالإنكار، على الرغم من دلائل قدمتها له دوائر الاستخبارات في بلاده، وبيِّنت ضلوع جهاتٍ قياديّةٍ عليا في السعودية في الجريمة، لكن ترامب الذي استمر في صم أذنيه عن سماع صحيح هذه القضية، استمر في دعم بن سلمان، غير مستفيدٍ من الدرس الذي قدمته جريمة قتل خاشقجي، إن التستر على القاتل، ومن ثم دعمه، مجلبة للعار له، تضعه في سوية مرتكب الجريمة ومستحق التشهير، إن لم يكن الإدانة القضائية.