القدس العربي-
بدأت السلطات السعودية الاربعاء الماضي محاكمة ناشطات سعوديات للمرة الأولى منذ اعتقالهن العام الماضي، وهي خطوة زادت الضغط العالمي على المملكة وسلطت الضوء على انتهاكاتها العنيفة لحقوق الانسان وخصوصا بعد انكشاف جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
تكشف أسماء المعتقلات أن السلطات السعودية تستهدف النساء من النخبة المثقفة فبينهن هتون الفاسي، المؤرخة والأكاديمية المعروفة، ولجين الهذلول، الناشطة الحقوقية والجامعية، وإيمان النفجان، المدرسة في جامعة برمنغهام، وعزيزة اليوسف، وهي أيضا أكاديمية كانت تدرس علوم الكومبيوتر وناشطة حقوقية.
شن ما يسمى بـ«الذباب الالكتروني» (وهو، عمليا، موظفو استخبارات سعوديون كانوا – وربما ما زالوا – يعملون تحت أمرة مستشار ولي العهد السعودي سعود القحطاني الذي كان في أعلى دائرة المسؤولين عن اغتيال خاشقجي)، وكذلك بعض وسائل الإعلام الرسمية حملات فظيعة على الناشطات المذكورات وتم وصفهن بأنهن «خائنات» و«متعاملات مع جهات أجنبية»، وخضعن، على خلفية تلك الحملة، لأشكال من التعذيب والتحرش الجنسي والمعاملات المسيئة قرابة عام كامل، إلى أن قام المدعي العام السعودي، باستكمال المسلسل الركيك بتذكره أنهن موجودات في السجون من دون تبرعه بإعلان تهمهن، ليكتشف، ويكتشفن هن أيضا، أنهن، وأغلبهن من المثقفات والجامعيات، كن يقمن «بالنشاط المنسق لتقويض الأمن والسلم والاستقرار الاجتماعي» في المملكة!
أما لماذا كانت المعتقلات لا يعلمن بالتهم التي سيحاكمن على أساسها، وما هو العدل أو حتى المنطق الذي يمنع الصحافيين والدبلوماسيين من حضور تلك المحاكمات، فهذه أمور لا تحب السلطات السعودية أن يجادلها أحد فيها، رغم أن الجميع يعلم أن الجريمة الحقيقية التي ارتكبتها أولئك الناشطات هي أنهن قمن بالدفاع عن حقوق المرأة البسيطة، ومنها، كما هو معلوم، حقها في قيادة السيارة، وهو الأمر الذي يتفاخر ولي العهد السعودي بأنه كان وراء إقراره.
لقد سجنت مثقفات وجامعيات طالبن بهذا الحق ودفعت عشرات الملايين لشركات العلاقات العامة في الغرب لربط اسم ولي العهد محمد بن سلمان بتمكين المرأة السعودية (إضافة إلى صفات التحديث والتغيير والتنمية التي لخصها برؤية 2030)، وبدا العالم مأخوذا بحملة البروباغاندا الهائلة تلك إلى أن تكشفت جريمة اغتيال خاشقجي وفضحت المستور.
وعلى الأغلب فإن أولئك الناشطات كن سينسين في السجون، فيما يُكمل الأمير الشاب والدائرة المحيطة به مشروعهم الطموح لإخضاع السعوديين وإقصاء أي صوت يعترض على (أو حتى يناقش) مشروع تجميع السلطة المطلقة في يد الأمير الشاب وثلته الأقربين، الذين كان أهمهم، سعود القحطاني، يمارس بيده التعذيب والتهديد بالاغتصاب لبعض أولئك الناشطات.
لقد اكتشف العالم، فجأة، وبشكل غير مسبوق، أن نهم ولي العهد ورجاله للتحكم السياسي بشؤون المملكة، لا يقف عند حد، ولا يحترم قوانين، أو حقوقا، وأن الفارق بينه وبين الإجرام صار غير ملحوظ، وهو ما ساهم في هذه القطيعة الكبيرة التي تعيشها السعودية، بسبب ولي عهدها، واضطر السلطات، أخيراً، إلى نقل الناشطات من السجون إلى المحاكم لتخفيف الضغط عنها.