DW- عربية-
أثار تقرير صحيفة الغارديان، الذي تحدث عن خلافات الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي عهده، تساؤلات عديدة. بيد أن تلك ما هي إلا تضليل للصورة من الملك وابنه، كما يرى حمزة الحسن، الناشط السياسي السعودي، في حواره مع DW عربية.
في حواره مع DW عربية، نفى الدكتور حمزة الحسن، الناشط السياسي السعودي المقيم في لندن والمختص في الشؤون السياسية السعودية، حقيقة وجود خلافات بين الملك وولي عهده، وتحدث عن "لعبة" يلعبها الملك من أجل تضليل الصورة أمام الرأي العام، في حين يرسم هو الطريق أمام ولي عهده.
نشرت صحيفة الغارديان مؤخراً تقريراً تحدثت فيه عن خلافات بين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، تسببت في إبعاد الأخير عن الصورة بشكل مؤقت وسحب بعض الصلاحيات منه، ما حقيقة هذا الخلاف برأيك ؟
حمزة الحسن: هذه المعلومات كلها ليس لها أساس من الصحة، والحقيقة التي لا نقاش فيها هي أولاً أن هناك علاقة وتنسيق شديدين بين الأب والابن ولا يوجد خلاف بالمعنى الذي يتحدث الآخرون عنه ولا توجد أدلة أو معطيات تتحدث عن هذا الأمر. ثانياً، كل ما جرى في السعودية من انعطافات أساسية، كقضية التحول في الاقتصاد من ريعي إلى ضريبي وتغيير نمط الوراثة من مقرن إلى محمد بن نايف إلى محمد بن سلمان ومن تحولات اجتماعية تتعلق بقيادة المرأة للسيارات والترفيه وغيرها من القضايا، مثل الحرب على اليمن ومقاطعة قطر، لا يمكن ان تتم بدون هندسة وخبرة الملك سلمان نفسه، فهو الدافع وراء كل هذه العمليات.
كيف يمكن لصحيفة بحجم الغارديان الوقوع في هذا الخطأ ونشر تقرير يستند على تسريبات غير مؤكدة فقط؟
الحسن: ما وصل لصحيفة الغارديان في الظاهر صحيح، وهو أن الملك أبدى لمن حوله غضبه من تعيينات محمد بن سلمان الأخيرة مثلاً، فمن حوله يرون غضب الملك وينقلون ما رأوه إلى آخرين، ليصل المشهد بظاهره إلى الإعلام الخارجي بأن ما حدث تم بغير رضاه، والحقيقة أنها لعبة بينهم وكان يتبعها أمراء وملوك سعوديون من قبل وفي الحقيقة هو راضٍ تماماً والأمر تم بموافقته وبعلمه وما يظهره الملك في العلن من أنه يرفض أمراً ما "اتخذه" ولي العهد يقصد منه تخفيف الضغط على مؤسسة الحكم وعلى ولي العهد. ولهذا حينما يسمع شخص من خارج المشهد مثل هذا الكلام، سيأخذ بالظاهر بينما هناك تنسيق إلى حد التلاحم بينهما.
هناك من يقول أن الصحة العقلية للملك سلمان في حالة متأخرة للغاية وأنه كثيراً ما يتعرض لفقدان تركيزه واتزانه خلال اليوم. فكيف تصدر منه مثل هذه القرارات وهو في مثل هذه الحالة؟
الحسن: قصة أن الصحة الذهنية للملك في حالة متأخرة هي واحدة من أكبر الإشاعات الكاذبة ومصدرها الأساس والأول معهد واشنطن المقرب من وزارة الخارجية الأمريكية، إذ اكتشفنا أننا خدعنا جميعنا. أعتقد أن أول من نشر هذا كان سيمور هندرسون، صاحب كتاب "الخلافة"، وهو أيضاً وقع في هذا الفخ، فكل الحقائق من داخل القصر الملكي تشير إلى أن الملك بالفعل ضعيف صحياً ومتعب بسبب كبر السن والتقدم في العمر، لكن عقله يعمل بكفاءة تامة، حتى أن أحد الدبلوماسيين الخليجيين قال مؤخراً إنه وآخرين جلسوا مع الملك سلمان ثلاث ساعات متواصلة ولم يظهر حتى الآن أي دليل يؤكد أن الملك لديه مشكلة في قواه العقلية.
برأيك ما سبب ابتعاد محمد بن سلمان عن المشهد السياسي خلال الأسبوعين الماضيين؟ ألا يعزز ذلك ما جاء في تقرير الغارديان حول توسع دائرة الخلافات بين الملك وولي عهده؟
الحسن: منذ قضية خاشقجي وحتى اليوم، قلل ولي العهد من ظهوره العلني برغبته، باستثناء مكان واحد كان فيه نوع من التحدي الظاهر، وهو مشاركته في قمة العشرين بالأرجنتين بهدف كسر الحصار المفروض عليه، وقد كسره بالفعل ومر على الجزائر ومصر وتونس والغرض كان إرسال رسالة مفادها أنه لا يهتم بكل ردود الأفعال تلك. لكن في مؤتمر شرم الشيخ ولأن الحاضرين أوروبيون وهم أكثر قسوة عليه من غيرهم، لم يكن يحتاج لهذا التواجد فذهب الأب بنفسه كي يقوي موقف ابنه ويبلغ الجميع رسالة مفادها بأن هذا هو ملك المستقبل، ومنحه صلاحية أن يقوم بالتعيين نيابة عنه.
هل هذا يعني أن الملك يقف وراء جميع القرارات المتخذة مؤخراً في السعودية من دون استثناء؟
الحسن: كل ما يتم اتخاذه في السعودية من قرارات يقف خلفها الملك، ولكن في القضايا الكلية. أما في التفاصيل الصغيرة، فالملك غير معني بها، بل حتى مسائل التعذيب والعنف الدموي تجاه المعارضين - وهي أمور كانت موجودة من قبل لكن تصاعدت حدتها منذ تولي سلمان الملك وخلافة ابنه في ولاية العهد. الملك سلمان يحب ابنه محمد بشكل مختلف عن باقي أبنائه، فهو "سر أبيه" ويشبهه في كل صفاته الشخصية وعنفه الشديد ودمويته، وهو أكثر من يفهمه ويتناغم مع رؤاه، بعكس باقي أبنائه الآخرين.
هل الملك على علم بالتعذيب الذي يحدث بحق المعتقلات في السعودية؟
الحسن: هو يعلم تماماً ومنح موافقة مبدئية على كل هذه الأمور، وكذلك يعلم ما جرى لـ(جمال) خاشقجي وأن هناك عمليات اختطاف وقتل للمعارضين، وهو ما تحدثت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام في أحد تقاريرها، والذي أشار إلى وجود مجموعة أمنية سعودية متخصصة في هذه العمليات وتعمل بتنسيق عالٍ مع أعلى المستويات في البلاد.
تركيز السلطات في يد ولي العهد بهذا الشكل بإذن الملك، هل يمكن أن يدفع أحداً في الأسرة الحاكمة أو القبائل إلى اتخاذ إجراء ما في وقت ما ضد الأمير محمد؟ هل ترى شيئاً من هذا القبيل يمكنه تغيير المشهد في السعودية مستقبلاً؟
الحسن: الملك في السعودية له كامل الصلاحيات: لا تحده حدود ولا قوانين ولا دستور. لكن لم يحصل أحد على صلاحيات وتركزت السلطة بيده منذ تأسيس الدولة السعودية كما هو الحال اليوم، ولا حتى مؤسس الدولة نفسه الملك عبد العزيز. ما حدث هو إضعاف مراكز القوى داخل العائلة الملكية في عهد سلمان، فكل إخوة الملك سلمان الأحياء أزيحوا. كما تم تدمير القوى الداخلية كالحرس الوطني بشكل كامل ولم يتبق هناك من يعارض. اليوم الملك وابنه في يديهما القوى المالية والعسكرية والدينية والإعلام.
كل هذه الأمور تُثير بالفعل غضب الآخرين داخل العائلة المالكة، إلا أنهم لا يستطيعون ترجمة هذا الغضب إلى فعل، لأنه لم يتبقى لهم أية قوة بيد أن هذا لا يُلغي حقيقة أن الغضب متصاعد والسبب فقدان الأسرة المالكة لكثير من الصلاحيات التي كانت متوارثة، إلى جانب أن أي نجاح في أي ملف سينسب إلى محمد بن سلمان وحده دون باقي العائلة. أما فشله في أي أمر سيحمل تبعاته وحده دون غيره. حاول بن سلمان تعيين بعض الأمراء الصغار من أبناء عمومته لاسترضاء العائلة المالكة، لكن في المجمل الغضب كبير والخوف أكبر في نفس الوقت من محمد بن سلمان.