ديفيد كيرباتريك - نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -
في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، غادر "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس "دونالد ترامب" مستشاره للشرق الأوسط، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة غير معلنة لولي العهد "محمد بن سلمان"، الذي كان يعمل على تعزيز سلطته. والتقى الرجلان سرا في وقت متأخر من الليل.
وقبل ذلك بيوم واحد، كان شقيق "كوشنر" الأصغر، "جوش"، البالغ من العمر 32 عاما، في طريقه للخروج من المملكة.
وكان "جاريد" ذاهبا إلى هناك للحديث عن السياسة، لكن "جوش" كان هناك لأجل عمل تجاري.
وكان "جوش كوشنر"، مؤسس شركة رأس مال مغامر يبلغ عمرها 8 أعوام، قد أمضى 3 أيام قبل وصول شقيقه في مؤتمر للمستثمرين، حيث وعد "بن سلمان" بإنفاق مليارات الدولارات على المشاريع المستقبلية عالية التقنية في المملكة.
وبينما كان الآخرون يجلسون في قاعات المؤتمرات المذهبة يتبادلون الخطب العامة، قال العديد من المشاركين، إن "كوشنر" الصغير انخرط في محادثات أكثر حصرية مع المسؤولين السعوديين.
وتخلق هذه المعاملات تضاربا محتملا في المصالح. وعلى الرغم من أن "جاريد كوشنر" قطع علاقاته مع شركة شقيقه في وقت قريب من دخوله إلى البيت الأبيض، إلا أنه كان يناقش السياسة الأمريكية مع حكام المملكة في نفس الوقت الذي يتحدث فيه أخوه عن العمل مع كبار مساعديهم.
وبعد مرور عام على هذه الوقائع، جمعت شركة "كوشنر"، "ثرايف كابيتال"، مليار دولار.
وقال شخصان تحدثا إلى "جوش كوشنر" في المؤتمر إنه كان يعمل بنشاط على تشجيع دعم شركة تأمين صحي كان قد أسسها عام 2012، وهي "أوسكار هيلث"، والتي أعلنت بعد 5 أشهر عن جولة تمويل بقيمة 165 مليون دولار.
وقال متحدث باسم "جوش كوشنر" إن إدارة "أوسكار هيلث" لم تكن تسعى لأي استثمار مباشر من قبل السعوديين.
لكن المتحدث، "جيسي ديريس"، رفض الكشف عما إذا كان السعوديون قد استثمروا في أي من صناديق "ثرايف".
وقال "ديريس" إن "ثرايف" لم تتلق أي أموال منذ الانتخابات الرئاسية من أي سعودي لم يستثمر أمواله فيها من قبل.
وقال متحدث باسم الشركة في بيان: "بدافع من الحذر الشديد، وضعت ثرايف سياسة بعد فترة وجيزة من انتخابات عام 2016 لحظر الاستثمارات من المستثمرين الأجانب الجدد، الذين لديهم أعمال مع الإدارة الحالية. والتزمت الشركة بهذا الحظر".
لكنه رفض الإجابة عما إذا كانت "ثرايف" قد استمرت في تلقي الأموال من السعوديين الذين بدأوا الاستثمار قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ويبدو أن "جاريد كوشنر" كان متورطا عن كثب في شركة "جوش" لرأس المال الاستثماري، حيث كان عضوا في مجلس الإدارة ولجان الاستثمار في "ثرايف كابيتال" حتى يناير/كانون الثاني 2017، وفقا لاستمارات الإفصاح المالي الخاصة به.
وحصل "جاريد" أيضا على ما لا يقل عن 8.2 مليون دولار من الأرباح الرأسمالية من مختلف صناديق "ثرايف" أثناء عمله في البيت الأبيض، وفقا لنموذج الإفصاح المالي المقدم في مايو/أيار 2018.
ولا يمكن تحديد ما إذا كان "جاريد كوشنر" كان على علم بزيارة أخيه إلى الرياض.
وقال "جان باران"، وهو محام جمهوري متخصص في أخلاقيات الحكومة، إن الاستثمار في صندوق تديره شركة "ثرايف كابيتال" لا يبدو أنه يمثل مشاكل قانونية لـ "جاريد كوشنر"، إلا إذا كان دوره في البيت الأبيض قد منحه الإشراف على المسائل المتعلقة بالاستثمار السعودي.
لكن "كاثلين كلارك"، الخبيرة في أخلاقيات الحكومة، وأستاذ القانون في جامعة واشنطن في سانت لويس، قالت إن المناقشات السعودية مع "جوش كوشنر" أثارت شبهات حول أخيه.
وأضافت: "يبدو التوقيت سيئا، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بشقيقه. فمن المعقول التشكيك في قدرة جاريد كوشنر على أن يكون محايدا في التعامل مع السعوديين".
وفي وقت انعقاد المؤتمر، كان "بن سلمان" يحظى باهتمام إيجابي من الكثيرين في الغرب، لاتخاذه خطوات أولية لفتح اقتصاد المملكة وتخفيف قوانينها الاجتماعية.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" واحدة من العديد من الشركات الإعلامية التي شاركت في رعاية مؤتمر الاستثمار لعام 2017. وحضر عدة صحفيين من "التايمز"، وتحدث واحد منهم لفترة وجيزة مع "جوش كوشنر".
لكن العلاقة بين "جاريد كوشنر"، الذي يبلغ من العمر 38 عاما، والأمير "محمد بن سلمان"، الذي يبلغ 33 عاما، أثارت المزيد من التدقيق حين أظهر ولي العهد المزيد من السلوك العدواني والمتهور.
وبعد أسبوع من مغادرة "كوشنر" للعاصمة السعودية الرياض، أمر "بن سلمان" بالاعتقال خارج نطاق القضاء لنحو 200 رجل أعمال ومسؤول سابق، واحتجزهم في فندق "ريتز كارلتون"، حيث تعرض بعضهم للتعذيب الواضح. كما تورط في واقعة الاختطاف الغريبة لرئيس وزراء لبنان. وبعد أشهر، شن عمليات توقيف للمدافعات البارزات عن حقوق المرأة، فضلا عن تعذيبهن وفقا لشهادات أقاربهن.
وبعد ذلك، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قام عملاؤه بقتل كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" "جمال خاشقجي" وتقطيع أوصاله داخل في إسطنبول، بناء على أوامر "بن سلمان" نفسه، حسبما خلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية.
وقاد ولي العهد تدخلا عسكريا على مدار 4 أعوام في اليمن، تسببت في كارثة إنسانية دون أي نهاية في الأفق. وفي الوقت نفسه، فقد زرع الانقسام بين الحلفاء الأمريكيين في المنطقة، عبر محاولة عزل قطر بسبب الخلافات السياسية.
ورغم ذلك، بقي "جاريد كوشنر" يدعم الأمير بثبات.
ومنذ بداية عهد الإدارة، "جادل "كوشنر" بإصرار أن "بن سلمان" قد يصبح حليفا حيويا، لا سيما في إجبار الفلسطينيين على الإذعان لخطة السلام الأمريكية الموعودة. ونجح "كوشنر" في تجاوز اعتراضات أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين وإقناع "ترامب" بزيارة السعودية في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس.
وحتى بعد ردة فعل من الحزبين على مقتل "خاشقجي"، نجح "كوشنر" في إقناع "ترامب" بالوقوف إلى جانب ولي العهد. وفي الشهر الماضي، تحدى البيت الأبيض موعدا نهائيا للكونغرس للحصول على تقرير من "ترامب" حول الجهة التي وجهت عملية القتل، وتجنب الضغوط للاعتراف بنتائج الاستخبارات حول دور "بن سلمان"
وقال البروفيسور "كلارك"، إن قوانين الأخلاقيات قد تتطلب من "جاريد كوشنر" أن ينأى بنفسه عن مداولات البيت الأبيض حول الاستجابة لمطالب الكونغرس أو غيرها من الإجراءات المحددة المتعلقة بالسعوديين.
وبعد وقت قصير من انتهاء المهلة المحددة من قبل "الكونغرس"، توجه "جاريد كوشنر" إلى الرياض في أول لقاء مباشر له مع "بن سلمان" منذ مقتل "خاشقجي".
وبرهن منتقدو "ترامب" في كثير من الأحيان أن هناك مصلحة مالية ضمنية تحوم حول تعاملات إدارته مع حكام الخليج العربي الغني بالنفط، نظرا لكونهم مستثمرين كبار في العقارات الأمريكية. ومن المتوقع أن يعود كل من "ترامب" و"جاريد كوشنر" إلى مجال بيع العقارات عندما يغادران البيت الأبيض.
ومع ذلك، فقد نجا "جوش كوشنر" إلى حد كبير من التدقيق الذي وقع على إدارة "ترامب"، جزئيا لأنه أبقى نفسه بعيدا. فقد ابتعد عن شركة عائلته وقام تأسيس شركة رأس المال مغامر خاصة به. ويقول "جوش" إنه ديمقراطي وقال إنه صوت ضد "ترامب" على الرغم من العلاقة العائلية.
ويلاحظ مؤيدو "جوش كوشنر" أن شركته الشابة حققت انتصارات مبكرة، مثل الاستثمار في تطبيق مشاركة الصور "إنستغرام"، وأنه تم دعوته بانتظام لحضور مؤتمرات كبرى للاستثمار في مجال التكنولوجيا قبل عام 2016.
لكن مؤتمر الرياض جذب عمالقة وول ستريت، وتساءل بعض الحاضرين عن كيفية تمتع لاعب صغير نسبيا بوصول عالي المستوى إلى المسؤولين السعوديين.
وظهر "جوش كوشنر" للمرة الأولى عام 2018 في قائمة تضم أفضل 100 من أصحاب رؤوس الأموال جمعتها النشرة التجارية "سي بي إنسايت"، بالتعاون مع صحيفة "نيويورك تايمز".
والتقى "جوش" في الرياض مع كل من "ياسر الرميان"، أحد أبرز مساعدي ولي العهد، والمدير الإداري لصندوق الاستثمار العام الضخم في المملكة. كما التقى مع نجله "فيصل الرميان" وهو طالب في جامعة نيويورك، وقد التقى "جوش" و"فيصل الرميان" معا مجددا في الولايات المتحدة بعد عودتهما من الرياض.