ملفات » قضية جمال خاشقجي

قتل خاشقجي.. دوامة العزلة الأمريكية تبتلع السعودية أكثر فأكثر

في 2019/03/22

bloomberg- ترجمة خالد المطيري -

كانت رحلة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" إلى الولايات المتحدة قبل نحو عام مليئة بفعاليات هدفت إلى نسج علاقات هامة مع عالم الأعمال، ومن ذلك اجتماعا عقده الأمير في منزل "بيل غيتس"، وجولة أجراها لمقر شركة "أمازون دوت كوم"، وزيارة خاصة إلى مقر مجموعة "فيرجن جالاكتيك" المتخصّصة في التقنية والنقل في صحراء موهافي.

لكن جريمة قتل الصحفي "جمال خاشقجي"، داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، دمرت كل تلك العلاقات. إذ تركت  وريث العرش السعودي، ولي العهد البالغ من العمر 33 عاما، في عزلة، وقوضت قدرة حكومته على ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة، شريكها الأجنبي الأكثر أهمية، وزادت الشكوك في فرص نجاح رؤية ولي العهد للتنمية الاقتصادية "السعودية 2030".

وبدلا من تقلص الغضب على مقتل "خاشقجي" بعد مرور نحو 5 أشهر على الجريمة، تواصل غضب الكونغرس؛ حيث صوت مجلس الشيوخ، في 13 مارس/آذار الجاري، على مشروع قرار ينص على إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

ووفق القرار يتوجب على الرئيس "سحب القوات المسلحة الأمريكية من الأعمال القتالية في جمهورية اليمن أو التي تؤثر عليها" خلال 30 يوما.

وسينظر مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليا، في مشروع القرار، ومن المرجح أن يتم تمريره.

"أكثر عزلة"

لا تزال السعودية تحظى بدعم كبير من قبل الرئيس "دونالد ترامب" وكبار مساعديه، الذين يقولون إن أهمية المملكة للولايات المتحدة كحليف استراتيجي ضد إيران وكمشتري للأسلحة الأمريكية تفوق المخاوف بشأن ما إذا كان الأمير "محمد بن سلمان" أمر بقتل "خاشقجي" أم لا؟.  وكان "ترامب" شككك في تورط "بن سلمان" في الجريمة بالقول: "ربما فعل، وربما لم يفعل".

لكن حكام السعودية يجدون أنفسهم، الآن، أكثر عزلة في الولايات المتحدة من أي وقت مضى منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، التي نفذها 19 شخصا بينهم 15 سعوديا.

وبخلاف تصويت الشيوخ على مشروع القرار حول الحرب في اليمن، يدعو أعضاء في الكونغرس إلى إجراء تحقيق بشأن محادثات إدارة "ترامب" لتزويد السعودية بتكنولوجيا نووية، فيما هدد بعضهم بفرض عقوبات جديدة على المملكة على خلفية جريمة قتل "خاشقجي".

"وحشية العصور الوسطى"

وعن ذلك، قال النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس "جيم ماكغفرن": "مرارا وتكرارا، أظهر النظام السعودي تصرفات وحشية كتلك التي سادت في العصور الوسطى".

وأضاف: "يجب على هذا الكونغرس أن يعلن بوضوح وبشكل لا لبس فيه أن العمل كالمعتاد مع المملكة انتهى، وأن هناك عواقب يتعين أن تواجهها الحكومة السعودية".

ومؤخرا، شارك في فعالية بالولايات المتحدة حول "التعذيب في المملكة" كل من "ماكغفرن"، والسيناتور الديمقراطي عن ولاية فيرمونت "باتريك ليهي" ، و"أحمد فتيحي"، وهو نجل "وليد فتيحي"، المواطن أمريكي سعودي المعتقل بالمملكة، و"وليد الهذلول"، شقيق الناشطة المعتقلة بالسعودية "لجين الهذلول". وخلال تلك الفعالية قدم "فتيحي" والهذلول" روايات مروعة عن المعاملة الوحشية التي يكابدها ذووهم في المعتقلات السعودية.

ولم يرد المسؤولون في السفارة السعودية في واشنطن على طلب للتعليق.

لكن المسؤولين السعوديين سبق أن نفوا استخدام التعذيب ضد السجناء، وقال المدعي العام السعودي "سعود بن عبدالله بن مبارك المعجب" إن مجموعة الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة المحتجزات منذ مايو/أيار 2018 "يتمتعن بجميع الحقوق التي يكفلها القانون".

وفيما تشبه الخروق التي يزيد اتساعها في ثوب التحالف الأمريكي السعودي، بات أعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، يستخدمون بانتظام مصطلحات كانت مخصصة في عادة لأعداء أمريكا في وصف "بن سلمان". إذ قال "ليهي"، الخميس الماضي، إن مقتل خاشقجي كان "وحشيا للغاية ، ولم أكن أتوقعه سوى من شخص مثل صدام حسين". واعتبر أن قيادة المملكة تتصرف وكأنها "منظمة إجرامية"؛ "فهي تبدد ثروة البلاد النفطية في تطبيق سياسات قمعية وممارسات القاسية".

ومؤخرا، أيضا، وصف السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا "ماركو روبيو" ولي العهد بأنه "رجل عصابات بكل ما تعلنيه الكلمة من معنى".

"الفهد الأسود"

قبل عام، كانت الأمور مختلفة للغاية. إذ كان الأمير يمتطي موجة من الحماس الدولي له بسبب وعوده بالإصلاح ، بما في ذلك خطواته لكبح دور "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في البلاد ، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وبيع حصة في شركة أرامكو النفطية، وإنهاء حظر دام 35 عاما على دور السينما العامة بدأ بعرض فيلم "النمر الأسود" (Black Panther) في أبريل/نيسان 2018.

وآنذاك، بدا أن الأمير الشاب أطلق العنان لتغيير حقيقي في بلد معروف بتبنيه نسخة متشددة من الإسلام تعود للقرن الثامن عشر.

لكن قتل "خاشقجي" وتواصل الاحباط من انتهاكات حقوق الإنسان في حرب اليمن - بما في ذلك تفجير حافلة مدرسية كانت مكتظة بالأطفال- غير كل ذلك، وبدد كل هذا الحماس.

ومما زاد الأمر سوءًا بالنسبة لولي العهد -حسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع- الحملة التي قادها لإسكات المعارضين، قبل أكثر من عام من قتل "خاشقجي"، والتي شملت ممارسات قمعية من قبيل الخطف والاعتقال والتعذيب، وفقا لمسؤولين أمريكيين لم تحدد اطلعوا على  تقارير سرية.

ويأتي العداء المستمر في الكونغرس في وقت غير مريح للمملكة، التي تحتاج بشدة إلى تدفق استثمارات أجنبية لتحقيق رؤية "بن سلمان" الاقتصادية. وجراء ذلك تم إرجاء الطرح العام الأولي لـ"أرامكو"، وأُجهضت "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي رعاها ولي العهد بالرياض أواخر العام الماضي، مع إلغاء العشرات من رجال الأعمال المشاركة فيها في أعقاب مقتل "خاشقجي".

"المال المنبوذ"

جاء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي ضد دعم الحرب في اليمن رغم جهود الضغط السعودية ، حسب "بين فريمان" الباحث في "مركز السياسة الدولية"، وهي مجموعة مقرها واشنطن تراقب الضغط السعودي في العاصمة الأمريكية.

وقال "فريمان" إن "جهود المملكة للوصول إلى صناع القرار في الولايات المتحدة كانت تواجه عقبات قبل قتل خاشقجي، لكن الجريمة جعلت الأمر أكثر صعوبة".

وأضاف: "توقفت بعض مراكز الفكر عن قبول المال من السعوديين"، و"الأهم من ذلك هو أن أعضاء الكونغرس توقفوا عن دعم السعوديين".

ففي الاثني عشر شهراً التي سبقت اغتيال "خاشقجي"، أنفقت السعودية ما لا يقل عن 10.9 ملايين دولار على شركات العلاقات العامة والضغط للتأثير على الحكومة الأمريكية والجمهور، وفقا لملفات قدمتها وزارة العدل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

وخلال تلك الفترة، قامت 28 شركة أو فرد بممارسة الضغط أو العلاقات العامة لصالح السعوديين. لكن في غضون شهرين فقط من جريمة قتل "خاشقجي"، ألغت 6  شركات عقودها مع السعوديين. وحاليا، لدى السعوديين 16 شركة نشطة تعمل لصالحهم بالولايات المتحدة.

"شريك تجاري"

رغم الضغوط الحالية، لا تزال المملكة شريكا مهما للولايات المتحدة. فأول زيارة خارجية لـ"ترامب"، بعد دخوله البيت الأبيض في 2017، كانت للرياض؛ حيث ساعد في تعزيز وضع المملكة كأكبر مشتر للسلاح الأمريكي، وشجع السعودية على تعزيز الجهود الرامية إلى عزل إيران.

وبلغ إجمالي التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية 42 مليار دولار في 2018، وفقا للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.

وقال الجنرال المتقاعد "جون أبي زيد"، مرشح الرئيس الأمري كسفير للولايات المتحدة في السعودية، خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، هذا الشهر: "الولايات المتحدة لديها تعاون تاريخي طويل مع السعودية. ومن الصعب تخيل أي نجاح لجهود الولايات المتحدة في محاربة التشدد أو مواجهة إيران دون التعاون مع الرياض".

مثل هذه الرسائل قد تعزز وجهة نظر ولي العهد القائلة بأنه يمكن أن يتخطى موجة الغضب على جريمة قتل "خاشقجي" فقط مع مرور الوقت، حسب "بول بيلار"، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية  الأمريكية، والذي أصبح الآن أستاذا في جامعة جورج تاون.

وقال "بيلار": "السياسة الأمريكية جعلت الأمير يعتقد بأنه يمكن أن يفلت من العقاب. ولم تقدم سياسات وتصريحات ترامب منذ مقتل خاشقجي أية أسباب تجعل بن سلمان مستعدا لتغيير وجهة نظره تلك".

لقد سعى المسؤولون السعوديون إلى استعادة ما فقدوه في الدعم الأمريكي، متعهدين بمحاكمة المسؤولين عن مقتل "خاشقجي". كما قاموا بتسمية أول امرأة كسفيرة للبلاد في واشنطن. إنها الأميرة "ريما بنت بندر بن سلطان" ، التي أمضت الكثير من شبابها في واشنطن كابنة السفير السابق "بندر بن سلطان"، والتي لم تشغل بعد منصبها الجديد.

هذه الخطوات لن تكون كافية، وفقا لـ"جيمس دورسي"، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة "نانيانغ التكنولوجية" في سنغافورة.

وقال "دورسي": "لعكس المد، يجب أن يكون السعوديون شفافين تمامًا بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك تقديم نسخة موثوقة تحدد بدقة ما حدث في جريمة قتل خاشقجي وتفصح عن المسؤولين عن تلك الجريمة". وأضاف: "بأقل من ذلك، سيخوض السعوديون معركة شاقة".