ملفات » قضية جمال خاشقجي

ليست «حقوق الإنسان» كما يرددون

في 2019/03/23

فهد الدغيثر- الحياة السعودية-

مشكلة بعض منابر الإعلام الغربي الذي تفاجأ ببرامج النهضة السعودية ورؤيتها المستقبلية والقيادة الوثّابة ذات الكاريزما الطاغية سعودياً وعالمياً، اعتقادهم بأن ما يحررونه من مقالات وتقارير غارقة بالمبالغات وقلة المصادر الموثوق بها ستسهم في إفشال هذه النهضة وعزل أو إضعاف هذه القيادة. هذا الاعتقاد وإن كان مؤسسا على تجاربهم في دولهم، لكنه في المملكة بلا قيمة ولا تأثير.

كنت أقرأ قبل يومين مقالة رئيسية في إحدى كبريات الصحف هناك، كتبها مجلس التحرير في الصحيفة وليس كاتباً بعينه، بمعنى أن هذا هو رأي الصحيفة بجميع كتابها وصحافييها. تركز المقالة على شخص ولي العهد السعودي ويتهمونه بممارسة ذرّ الرماد بالعيون، وأن كل الإصلاحات التي يقودها في بلاده ليست إلا أدوات تبرر وجود ما يسمونه بـ«الاعتقالات» وقمع «الحريات» في المملكة. لم أبالغ، فهذا ما توصلت إليه تحليلاتهم حول ما يحدث في السعودية، هذا مع إحسان الظن بأنهم لا يتعمدون الكذب. لا أعلم حقيقة مَن ذلك الجمهور المستهدف الذي يراد منه تصديق مثل هذا الكلام الفارغ من أي أدلة أو مضمون.

في الوقت الذي كنت أطالع هذه المقالة، ومقالة أخرى مضحكة تدّعي أن المبتعثين السعوديين قد يواجهون عقوبة الإعدام! عند عودتهم إن هم تدخّلوا في أي مواضيع سياسية أثناء دراستهم، أقول هنا وعلى شاشات الأخبار يتم نقل تدشين الملك سلمان لأربعة مشاريع ضخمة في مدينة الرياض يقدمها له ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صوتاً وصورةً بمساعدة هؤلاء الأبناء والبنات ومعظمهم من أولئك المبتعثين الذين عادوا لوطنهم ونجوا من عقوبة الإعدام.

قبل شهر تم إطلاق قمري فضاء سعوديين للمرة الأولى، وتزامناً مع ذلك أسدل الستار على أول دورة لبرنامج «شتاء طنطورة» السياحي العالمي الذي أقيم في محافظة العلا وتم بث فعالياته على الهواء لكل دول العالم وننتظر الدورات القادمة، وأثناء كتابة هذه المقالة تنتهي فترة معرض الكتاب الضخم في الرياض لينتقل إلى مدينة جدة حاملاً معه عناوين كل أنواع المؤلفات الفكرية والتاريخية، قبل ذلك كله كان القطار متوقفاً في طريف ومسابقة الفورميلا العالمية في الدرعية، وفي الجنوب السعودي يتم استعراض مشروع تشييد طريق عقبة عسير - جازان الوعر جداً ليختصر المسافة إلى النصف. كل ذلك في الداخل بينما أرامكو توقع عقداً لبناء أكبر مشروع نفطي مع الصين يضم مصفاة ومجمع بتروكيماويات بعد أن وقعت عقداً ضخماً لبناء مصفاة مماثلة في الهند.

ذاك ما يكتبونه ويروجون له وهذا ما يحدث في داخل المملكة وخارجها من تنمية ونهضة، صمت الحكومة السعودية وتركيزها على البناء وتجاهل كل ما من شأنه تشتيت الاهتمامات، يخرج الرئيس التركي مرة تلو الأخرى كمن فقد أعصابه ليعيد التذكير بقضية جمال خاشقجي التي أشبعت نقاشاً وتغطية إعلامية منحازة من دون أن تؤثر على موقف المملكة قيد أنمله، لا يعلم أردوغان ولا تلك الصحف ولا القنوات المتعددة التي تبث بأموال قطر أن كل ما يقومون به إنما يسهم في ارتفاع شعبية القيادة السعودية وتأييدها.

داخلياً وعطفاً على المشاريع الضخمة والحراك الإيجابي الداخلي التي لا تتسع المقالة لتغطيتها، نشاهد السعوديين في أحلى عصورهم. جودة الحياة تنتشر في كل مكان. الأسواق والمصانع والمكاتب تتزين بوجود المواطنين من مهندسين وموظفين ماليين وإداريين ومخططين وبائعين ومقدمين للخدمة ومكتسبين للمهارة. وفي الجنوب تستمر الحملة العسكرية الحازمة لدحر الميليشيا الإيرانية الطائشة في اليمن. البرامج الترفيهية تغطي كل مدينة سعودية والسعادة تملأ الوجوه وعدد فرص العمل تتنوع وتزيد مع الحاجة للمزيد منها بالطبع لتقليص نسبة البطالة. البيئة العامة أصبحت صديقة للجميع بعد تعديل بعض أنظمة الآداب وتحديد الجهات الأمنية لمراقبتها والعمل تحت مظلة القوانين.

نعم، كانت هناك أصوات تعارض هذه النهضة في الداخل وعدد من هؤلاء تم إيقافهم وتوجيه التهم لهم بالعمل مع جهات أجنبية، هؤلاء سينالون حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء، من غير المعقول أن تمضي أي دولة بهذه السرعة نحو البناء والتغيير من دون أن تنتبه لمن يريد التعطيل لأسباب قد تصل إلى حد الخيانة العظمى المتمثلة بخدمة أطراف أجنبية تراهن على سقوط الكيان، بل وأنفقت البلايين من الدولارات في سبيل ذلك.

في هذا السياق، لا بد من إيضاح جانب أميركي داخلي مهم يرتبط بحملاتهم المسعورة ضد السعودية، لو لم يوجد الرئيس ترامب في البيت الأبيض ولو لم يكن مؤيداً للمملكة ولو لم يكن اليسار في الغرب يشن أشرس أنواع الهجوم عليه وعلى كل من يتحالف معه لما شاهدنا ربع ما يقومون به، في زمن الرئيس أوباما كانت «حقوق الإنسان» المزعومة في ذيل الاهتمامات عندما كان الحرس الثوري الإيراني وميليشياته الإرهابية تنكل بمئات الآلاف من الأبرياء في سورية الشقيقة قتلاً وتشريداً. لم نقرأ مقالات تتبناها هيئات التحرير هناك دفاعاً عن أرواح أولئك الأبرياء، لم نشاهد أردوغان وأعلام المرتزقين يستعرضون تلك الجرائم ويتباكون ولو تصنعاً عليها.

في النهاية بات واضح لكل مواطن سعودي وعربي أن تلك الجهات لا تملك من المبادئ شيئاً، فهي لم تؤيد الحملات السعودية ضد الفساد التي بدأت في ٢٠١٧ على رغم مطالباتهم لذلك في الماضي. الجهات نفسها لم تؤيد مواجهة التطرف الديني في المملكة ويطلقون على أرباب التطرف صفة «المعارضين» المسالمين. لم يؤيدوا الانفتاح الاجتماعي وعمل المرأة الذي أصموا آذاننا به، ولم يكترث منهم أحد بالمشاريع الطموحة الكبرى التي قد يمتد نموذجها ليشمل دول عربية أخرى في المنطقة لطالما تحدثوا عن الحاجة لتنميتها.

مع مثل هذا النفاق الصارخ والانتقائية الرخيصة في التغطية والانحياز المكشوف للنيل من القيادة السعودية. هل تتوقع تلك الأطراف أن تؤدي حملاتهم الإعلامية إلى أي نتيجة تذكر؟ الواضح لي ولكل مراقب أن الإنفاق على هذا «المشروع» الإعلامي لم يخضع لأي دراسة جدوى ولم يتم تقييم عوامل القوة والضعف والمغامرة قبل تطبيقه. المشهد ليس أكثر من منارات إعلامية تهذي بما لا تعرف وتكرّر الأكاذيب، بينما البلايين من الدولارات والجنيهات تطير في الهواء ولا تعود بأي نفع كما هي حال الطائرات التي تحلق جيئة وذهاباً بلا ركاب.