حسين إبيش - بلومبرغ-
قبل أسبوعين، تساءل زميلنا في "بلومبرغ"، "إيلي ليك"، عما إذا كان الديمقراطيون يريدون الحفاظ على التحالف مع المملكة العربية السعودية.
لكن يجب طرح هذا السؤال في الاتجاه المعاكس، هل تريد السعودية الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة وليس التحالف مع إدارة "ترامب" فقط؟
في الحقيقة، لا تفعل الحكومة السعودية ما يكفي لحماية تلك العلاقة، فهي تثير الانتقادات من الحزبين، مثل تصويت الكونغرس الأخير لإنهاء تورط الولايات المتحدة في حرب اليمن.
والأسوأ من ذلك، أن العلاقات مع المملكة تحولت إلى قضية حزبية تثير الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ويعد هذا الأمر خطيرا بشكل لا يصدق، فقد كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قضية مجمع عليها.
ولا يزال الخليج العربي هو الوريد النابض للاقتصاد العالمي الذي يعتمد على النفط، وهو ذو أهمية استراتيجية لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، ويمكن للأمريكيين التخلي عن الخليج، لكن هذا سيعني بشكل أساسي التخلي عن مشروع الزعامة الدولية بالكامل.
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد البقاء في المنطقة، فإنها تحتاج إلى شريك محلي رئيسي، ويبقى الاختيار محصورا بين إيران، التي تختلف مع الولايات المتحدة حول كل شيء تقريبا، وبين المملكة العربية السعودية، الحليف التاريخي للولايات المتحدة، لذا فإن الخيار لا يعد محيرا تماما.
على الجانب الآخر، تحتاج السعودية إلى راع عالمي لتأمين مصالحها، ولم تستطع روسيا والصين فعل ذلك، حتى لو كانت لديهما الرغبة، وفي الوقت الحالي، تستطيع واشنطن فقط لعب هذا الدور، لذا، فليس لدى السعوديين أي بديل حقيقي أيضا.
ولهذا السبب كان هذا التحالف موجودا دائما، ولقد نجا من الحروب العربية الإسرائيلية، وحظر النفط عام 1973، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وغزو العراق عام 2003.
ولا تحدث الأزمة الحالية من فراغ، لكنها أيضا غير مدفوعة بتطورات سياسية مهمة مثل الأحداث التاريخية التي مرت بها العلاقة، وبدلا من ذلك، تبدو الأزمة بين البلدين مدفوعة بتصورات خاطئة متبادلة في العلاقة الثلاثية بين الجمهوريين والديمقراطيين والسعوديين.
وفي عصر "ترامب"، أصبح الاستقطاب سمة كل شيء، حتى إن هناك محاولة لتحويل الإجماع المميز للسياسة الخارجية، بشأن "العلاقة الخاصة" مع (إسرائيل)، إلى مواجهة حزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين.
لكن لدى الإسرائيليين قاعدة دعم قوية من الحزبين، على النقيض من السعودية.
وتعود هذه الأزمة إلى عهد "أوباما"، عندما شعر السعوديون بالقلق من المفاوضات النووية الأمريكية مع إيران، ورد الفعل على احتجاجات الربيع العربي، وتصريحات "أوباما" حول "الراكبين المجانيين"، وكيف أن عليهم "مشاركة الشرق الأوسط" مع إيران.
إعادة الضبط
وعندما تولت إدارة "ترامب" السلطة، كشفت كل من واشنطن والرياض عن "إعادة ضبط" مزعومة للعلاقة، بدأت مع أول رحلة لـ"ترامب" في الخارج، والتي كانت إلى المملكة.
ومنذ ذلك الحين، تعامل كل من الإدارة والحكومة السعودية مع العلاقة كعلاقة شخصية بين الرئيس وأسرته والملك وأسرته.
ويشعر السعوديون بالامتنان من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وحملة "الضغط الأقصى" ضد إيران.
ولكن خلال ذلك، تم توصيل رسالة إلى الرياض عن غير قصد بأن الشراكة الحقيقية ليست مع الولايات المتحدة بشكل عام، ولكن مع إدارة "ترامب" أو، في أحسن الأحوال، مع الجمهوريين.
ويعد هذا الأمر خطيرا للغاية، لأن الديمقراطيين جزء لا يتجزأ من عملية صنع القرار الأمريكية، وقد بدأوا بالفعل في استعادة سلطة الحكومة.
ويكمن الخطر الأكبر بالنسبة للسعوديين هو أن الديمقراطيين سوف ينسون أن التحالف بدأ مع الرئيس الديمقراطي "فرانكلين ديلانو روزفلت"، وأنه ظل مدعوما جميع قادتهم تقريبا لعدة عقود، وبدلا من ذلك، ربما ينظرون إلى التحالف مع المملكة على أنه جمهوري، أو خطأ من "ترامب" يجب تصحيحه.
وبعد الانتهاء من ذلك، قد يبحثون بعد ذلك عن سياسة ديمقراطية بديلة، ليتذكروا فقط مفاوضات "أوباما" النووية مع إيران، ويخلصون إلى أن حزبهم يدعم التواصل الجيد مع طهران.
وهناك بالفعل أصوات عالية على اليسار الديمقراطي تفضل الشراكة مع طهران بقوة بدلا من الرياض.
ولسوء الحظ، يتصرف بعض السعوديين كما لو كان ذلك موقفا ديمقراطيا متوقعا، ولكنه ليس كذلك، وهو جديد وخطير.
وقد شعر الديمقراطيون، حتى بعض الجمهوريين، بالفزع الشديد من مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في إسطنبول العام الماضي، ويشعرون بالقلق إزاء حقوق الإنسان ومعاملة المعارضين وناشطات حقوق المرأة، ويثيرون مخاوف جدية بشأن الحرب في اليمن.
ولا يجعل هذا أيا منهم معاديا للسعودية، بل يعني أن هناك بعض القضايا الخطيرة التي يجب معالجتها على كلا الجانبين من المعادلة لإصلاح الصداقة المتوترة.
ويجب على المملكة ألا تسيء تفسير الانتقادات والمخاوف المشروعة على أنها رفض للتحالف، ومن المقلق بشكل خاص أن بعض وسائل الإعلام السعودية، باللغتين الإنجليزية والعربية، يبدو أنها تقع في هذا الفخ الحزبي من خلال مهاجمة الديمقراطيين على هذا النحو.
وبدلا من ذلك، يجب على المملكة التصرف بسرعة لضمان عكس هذه الأزمة التي يمكن تجنبها تماما، وإصلاح العلاقة.
وتعتبر أفضل طريقة للقيام بذلك هي التعامل مع الجمهوريين والديمقراطيين معا، ومعالجة الانتقادات على محمل الجد، وليس بشكل شخصي.
خلاف ذلك، قد تجد الرياض أن تحالفها مع واشنطن يدعمه حزب واحد فقط، أو فصيل واحد قد لا يكون في السلطة لفترة أطول.