أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
بين حين وآخر تلوح السعودية بأنها مستقلة عن الإرادة الأمريكية، وأن بإمكانها ايذاء الولايات المتحدة عند الضرورة عبر ملفات النفط والاستثمار وغيرها من الأوهام التي تحاول اقناع بعض القطاعات الشعبية بها، سواء في المملكة أو الخليج أو الأمة العربية، أو ربما الرأي العام الأمريكي لقطع الطريق على أي استياء من الدعم الأمريكي الغير محدود للمملكة والذي أصبح في الفترة الأخيرة مهددا لمنظومة القيم التي ترتديها أمريكا كأقنعة تداري بها سوءاتها الدولية.
لا شك وأن اعتراضات الكونجرس الأمريكي على سياسات ترامب ومنها قضية خاشقجي والحرب على اليمن، لا تخلو من الصراع السياسي مع ترامب من جهة، ومن جهة أخرى، لا تخلو من ضرورة الحفاظ على الصورة الأمريكية التي حاولت أمريكا دوما رسمها لنفسها، واجتهدت طويلا لخلق المبررات والذرائع والأقنعة لتغطية ممارساتها الاستعمارية داخل إطار هذه الصورة.
والسؤال هنا، هل تستطيع السعودية بالفعل اتخاذ موقف مستقل، أو بصيغة أخرى، هل تمتلك السعودية أي أوراق ضغط ضد أي إدارة أمريكية؟
ان الاهانات التي وجهها ترامب لأعلى رأس سياسي بالمملكة، وهو الملك شخصيا، وعدم الرد السعودي أو التعليق، يجيب بالنفي بشكل فوري، ناهيك عن بعض معلومات بسيطة، ساقها الخبير السياسي الأمريكي "سايمون هندرسون"، في مقال حديث له بمعهد واشنطن، بعنوان "الولايات المتحدة والسعودية لا يمكن أن تنفصلا"، ومما ورد به أن: (الأسلحة والبنية التحتية والتدريبات العسكرية السعودية تعتمد كلها على الدعم العسكري الأمريكي. وتفوق قيمة الممتلكات الاستثمارية للمملكة في الولايات المتحدة 800 مليار دولار. وتُقيم الغالبية الساحقة من الطلاب وأعضاء الأسر المُرسَلين إلى الخارج والبالغ عددهم 190,000 في الولايات المتحدة، وهم يعودون حاملين معهم شعوراً طبيعيّاً بالتعلق بأمريكا. وخير مثالٍ على ذلك هو أن معظم وزراء الحكومة في المملكة الذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثين وزيراً تخرجوا من جامعات أمريكية. وقد يكونون غاضبين من الانتقادات، لكنهم يميلون بشكلٍ طبيعي إلى الولايات المتحدة..).
وما ساقه هندرسون هو معلومات متاحة ومنشورة، فما بالنا بما خفي!
على الجانب الآخر، تستغل أمريكا السعودية كذراع لها في المنطقة، وليس الأمر قاصرا على استنزاف المليارات فقط تبعا لسياسة "البقرة الحلوب"، التي أعلنها ترامب بفجاجة وصراحة مهينة، وإنما تستخدم السعودية لمحاربة أعداء أمريكا و(إسرائيل) والضغط عليهم، ولا تهتم أمريكا بحجم الضرر الناشئ عن هذا الاستخدام على الأمن القومي للمملكة والخليج ككل، وكمثال بسيط، ومن معهد واشنطن أيضا، يمكننا الاطلاع على فقرة من تقرير يحمل عنوان "خطة حقيقية لإنهاء الحرب في اليمن"، من إعداد "مايكل نايتس", "كينيث بولاك"، و "باربارا والتر"، والطريف في التقرير هو أن الخطة المقترحة هي زيادة الدعم للعدوان السعودي على اليمن!
ومما جاء بالتقرير: (إذاً، ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لوقف القتال؟ يشير تاريخ الحرب الأهلية، في اليمن ومناطق أخرى، إلى نهج غير متوقّع، وهو زيادة الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، وتمكينه من السيطرة على الحديدة، ومن ثم استخدام النفوذ الناتج عن ذلك لإجبار الطرفين على إنهاء القتال وتوقيع اتفاق لتقاسم سلطة. وهذا السيناريو ليس منطقياً فحسب، بل إنه الحل الوحيد على المدى القريب الذي يمكن أن يُنهي الحرب الأهلية، ويوقف أعمال القتل، وينهي الوجود السعودي والإيراني.)
هو إذن استخدام بالغ الصراحة للسعودية لمحاربة أعداء أمريكا في المنطقة، وهو استخدام لا يلقي بالا لخسائر المملكة ولا صورتها ولا تعرضها للمحاكمة على جرائم الحرب، والتي يمكن أن تحدث بين لحظة وأخرى لأي ظرف دولي ما.
على الجانب الآخر، تتصرف السعودية مع توابعها، كما تتصرف أمريكا معها، حيث لا تلقي السعودية بالا لأضرار ومخاطر سير دول تابعة لها في الركاب السعودي.
وعلى سبيل المثال، البحرين، حيث تضغط السعودية عليها كي لا تفلت من التبعية التامة لها، مهما كان ذلك خطيرا على وحدة البحرين، سواء في ملف الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة، وارتكاب جرائم ضد المواطنين البحرينيين على خلفيات مذهبية، وكذلك على مستوى الانقسام السياسي حول رؤية الملفات الخليجية، ومنها المقاطعة، والتي برزت نذرها أخيرا في خلاف معلن بين رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، والملك، على خلفية تهنئة رئيس الوزراء لأمير قطر بحلول شهر رمضان الكريم.
وتقول التقارير أن رئيس الوزراء آل خليفة، الذي يمسك بمنصبه منذ عام 1971، هو الرجل الأقوى والأكثر نفوذاً في البلاد، و تحاول الإمارات والسعودية تغييره.
إلى أي هوة سحيقة تقود أمريكا السعودية، وإلى أي هوة سحيقة تقود السعودية دول الخليج، ومتى نرى انتفاضة خليجية رافضة للسياسات الحمقاء وساعية للاستقلال الوطني؟